“الحزب قد أنجز ما يمكن إنجازه في مواجهة إسرائيل، والدور الآن بات على عاتق الدولة اللبنانية لتولي زمام الأمور…”. كلام متقدم أطلقه الأمين العام العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم، بمناسبة تشييع سلفيه السيد حسن نصر الله والسيد هاشم صفي الدين، يحمل العديد من الرسائل الايجابية إلى الداخل والخارج، ويعكس تحولاً مهماً في موقف الحزب، ما يثير تساؤلات بشأن مستقبله في “محور المقاومة”.
المشهد الجماهيري الذي كان متوقعاً وغير مفاجئ، والذي رسمته أمواج من الناس في يوم الوداع لنصر الله وصفي الدين، انطبع بمزيج من العناصر العاطفية والسياسية، بدا وكأن الحزب يرسم بالدموع والقبضات المرفوعة وفوق ركام الحرب الطاحنة، ملامح المرحلة المقبلة التي يحكمها اتفاق وقف النار مع إسرائيل ومندرجاته المحملة بـ”المفخخات”، وبإبقاء إسرائيل لإحتلالها خمس نقاط إستراتيجية داخل الأراضي اللبنانية، وذلك وسط اقتناع بأن الحزب طوى أمس صفحة طبعها شخص تعاظم دوره المحلي والاقليمي مع انفلاش نفوذ “المحور الايراني”.
هذا التغيير في الخطاب يشير إلى تحول استراتيجي بالغ الأهمية في نهج الحزب، الذي اعتاد أن يعتمد بصورة أساسية على استراتيجيات المقاومة المسلحة، إذ انه ظل طوال العقدين الماضيين أحد أكبر اللاعبين العسكريين في المنطقة، ما يعني أن “المحور” شهد في الآونة الأخيرة تحولات استراتيجية كبرى فرضتها المتغيرات الاقليمية والدولية.
الحزب يواجه اليوم تحديات كبيرة في ظل قرار دولي بإنهاء “العسكرة” في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً وأن التغيرات التي تشهدها الساحة الدولية، وعلى رأسها السياسة الأميركية تركز على فرض السلام بالقوة. لذلك، فإن الحزب يواجه تحديات استراتيجية كبرى، فهو بين خيار الاستمرار في نهج المقاومة المسلحة والتوجه نحو العمل السياسي في إطار الدولة اللبنانية.
يدرك الحزب أن أي رفض منه لتسليم سلاحه، سيقابله رفض دولي قاطع لإعادة بناء ما هدمته إسرائيل خلال الحرب الأخيرة، علماً أن الحزب أصدر أوامره لعناصره في جنوب الليطاني بضرورة التراجع إلى شماله، لسحب الذريعة من الحكومة الاسرائيلية لبقاء جيشها في لبنان، مع علمه ويقينه بأن مشكلته لا تنتهي بانسحاب عناصره من جنوب الليطاني، انما بتسليم سلاحه وتحديداً كامل منظومة الصواريخ خاصته إلى الدولة اللبنانية.