عون يعبّد طريق
الأنظار متجهة إلى السعودية، فبعد سنوات من الفتور والقطيعة، تفتح بيروت صفحة جديدة مع الرياض، عنوانها إعادة لبنان إلى الحضن العربي واستعادة العلاقات مع المملكة، التي كانت لعقود داعماً أساسياً لاستقراره السياسي والاقتصادي. في حدث استثنائي يحمل دلالات سياسية ورمزية بالغة، يحط رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، رحاله في الرياض، بدعوة رسمية من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في زيارة تعيد تسليط الضوء على مستقبل العلاقة بين البلدين ومسارها في المرحلة المقبلة.
لبنان، الذي عانى عزلة عربية بسبب ارتهانه لسياسات إقليمية جعلته ساحة لصراعات الآخرين، يحاول اليوم العودة إلى موقعه الطبيعي في الفضاء العربي، وهذه الزيارة تشكل خطوة مفصلية في هذا الاتجاه. فالسعودية، التي لطالما وقفت إلى جانب لبنان في أصعب محطاته، تمدّ اليوم يدها مجدداً، لكن وفق مقاربة مختلفة، قائمة على الوضوح في الشروط: إصلاحات اقتصادية وسياسية، التزام باتفاق الطائف، وتطبيق القرارات الدولية التي تضمن سيادة لبنان واستقلالية قراره الوطني.
الزيارة، على الرغم من قصر مدتها، تحمل أبعاداً استراتيجية، إذ تأتي بعد سلسلة من المؤشرات الايجابية، أبرزها استقبال بيروت لوزراء خارجية عرب وخليجيين، وعلى رأسهم وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، ما يشير إلى استعداد خليجي لدعم لبنان، شرط أن يلتزم الأخير بخريطة طريق واضحة للإصلاح. وعلى الرغم من أن هذه الزيارة لن تشهد توقيع اتفاقيات، إلا أن مجرد حصولها يشكّل بحد ذاته اختراقاً في جدار العلاقات اللبنانية – السعودية، التي شهدت خلال السنوات الماضية توترات وصلت إلى حد القطيعة التامة.
المطار تحت المجهر الدولي
بالتوازي مع التطورات السياسية، شهد مطار رفيق الحريري الدولي تحركات لافتة، تعكس إدراك السلطات اللبنانية لحجم الضغوط الدولية المفروضة عليها، اذ قام وزراء الداخلية والنقل والمالية بجولة تفقدية، شملت متابعة الاجراءات الأمنية واللوجيستية، بعد إحباط محاولة تهريب 2.5 مليون دولار، يعتقد أنها كانت متجهة إلى “حزب الله”.
الزيارة لم تكن مجرد تفقد روتيني، بل بدت أقرب إلى رسالة سياسية وأمنية، مفادها أن لبنان بدأ يأخذ مطالب المجتمع الدولي بجدية أكبر، خصوصاً تلك المتعلقة بضبط معابره ومكافحة تهريب الأموال. الاجتماع الذي ضم مسؤولين أمنيين وإداريين ركز على تعزيز الاجراءات الأمنية وتحديث الأجهزة في المطار، لضمان مراقبة أكثر صرامة للرحلات القادمة من دول تشهد تدفقات مالية مشبوهة.
هذه الخطوة، التي تأتي بعد حظر هبوط الطائرات المدنية الايرانية في المطار وإخضاع الرحلات القادمة من العراق لتفتيش دقيق، قد تكون جزءاً من إجراءات أوسع تهدف إلى طمأنة المجتمع الدولي والخليجي بأن لبنان مستعد للقيام بما هو مطلوب منه، مقابل الحصول على دعم مالي واستثماري قد يساعده في الخروج من أزمته الخانقة.
ترامب وزيلينسكي: مواجهة غير مسبوقة
على الضفة الأخرى من العالم، وفي مشهد غير مسبوق داخل البيت الأبيض، تحولت زيارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لواشنطن إلى أزمة ديبلوماسية، بعد مواجهة كلامية حادة بينه وبين الرئيس الأميركي دونالد ترامب. الحادثة، التي بُثّت مباشرة على وسائل الإعلام، لم تكن مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل صدام حقيقي بين زعيمين، أحدهما يسعى الى استمرار الدعم الأميركي في حربه ضد روسيا، والآخر يشكك في جدوى هذا الدعم ويريد إعادة ترتيب الأولويات الأميركية.
ترامب، الذي لم يخفِ امتعاضه من زيلينسكي، اعتبر أن الأخير “أظهر عدم احترام للولايات المتحدة”، في حين بدا الرئيس الأوكراني متوتراً، مدركاً أن مستقبل المساعدات العسكرية والاقتصادية لبلاده أصبح موضع تساؤل حقيقي. اللقاء الذي كان من المفترض أن يعزز الشراكة بين البلدين انتهى بإلغاء مؤتمر صحافي مشترك، وفشل في توقيع اتفاق حول الاستغلال المشترك للثروات المعدنية الأوكرانية، ما يعكس عمق الخلاف بين الجانبين.
ردود فعل دولية: أوروبا تتماسك وروسيا تستغل الموقف
في موسكو، لم تتأخر القيادة الروسية في استغلال الحادثة لصالحها. المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا وصفت تصرف ترامب بأنه “تحلٍّ بضبط النفس”، بينما ذهب الرئيس السابق ديمتري مدفيدف إلى حدّ وصف زيلينسكي بـ”المهرج مدمن الكوكايين”.
في المقابل، سارع قادة أوروبا إلى إعلان دعمهم لزيلينسكي، في محاولة لاحتواء الأزمة ومنعها من التأثير على موقف الغرب من الحرب الأوكرانية. رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ورئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا، أعلنا في بيان مشترك أن “أوروبا لن تترك أوكرانيا وحدها”، فيما دعت رئيسة مجلس الوزراء الايطالية جورجيا ميلوني إلى قمة طارئة بين الحلفاء لمناقشة تداعيات ما حدث.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لم يتردد في توجيه انتقاد مبطن الى ترامب، قائلاً إن “المعتدي هو روسيا والمعتدى عليه هو أوكرانيا”، مضيفاً أن “من يهدد بحرب عالمية ثالثة هو بوتين وليس زيلينسكي”.
أما المستشار الألماني أولاف شولتز، فأكد أن “أوكرانيا يمكنها الاعتماد على ألمانيا وأوروبا”، في إشارة إلى أن الدعم الأوروبي لن يتراجع على الرغم من التوتر الحاصل مع واشنطن.
