
إنَّ السعي الجديد الذي يتمحور حول دولت بهتشلي، ورجب طيب أردوغان، وعبد الله أوجلان، قد أثمر أولى ثماره مع حلول شهر رمضان. هناك من يثق كثيراً بهؤلاء القادة الذين يُعَدّون الأقوى في الأوساط التي يمثّلونها، وهناك أيضًا من لا يثق ويشعر بالقلق.
وبطبيعة الحال، لكلٍّ من الطرفين أسباب وجيهة لا يمكن لأحد إنكارها. إن صعوبة السلام تكمن في هذه النقطة بالذات؛ إذ لا يمكن الوصول إلى سلامٍ دائم إلا من خلال عمليةٍ تحظى بثقة غالبية المجتمع وتصديقه ودعمه من القلب.
وتتمثل صعوبة أخرى في الاستفزازات التي قد يقدم عليها أصحاب المصالح الوطنية والإقليمية والدولية المربوطة مكاسبهم وراحتهم بالحرب، وذلك خوفًا من فقدان كل ما يجنونه بسببها.
ليس من السهل تجاوز هذه الصعوبات، لكنه ليس مستحيلاً أيضاً. وينبغي قبل كل شيء، لكل من يؤمن بالسلام ويرغب فيه، أن يبذل كل ما في وسعه بنية صادقة لتجاوز هذه المشكلات.
في هذه المرحلة، قد يتبادر إلى الذهن سؤال مشروع:
«حسنًا، سنبذل ما في وسعنا، لكننا لا نعرف بعدُ ما الأمر، ولا نعرف ما هو المطلوب!»
سأحاول أن أوضح لكم المطلوب فعله:
أيها الإخوة، المطلوب هو وضع حدٍّ للحرب والسلاح والعنف والإرهاب والدم والدموع والموت والدمار، هذا كل ما في الأمر. يُراد إنهاء كل ذلك! وذلك طبعًا بشرط إنشاء كل البنية التحتية القانونية والسياسية اللازمة في إطار البرلمان التركي.
ولمن يقول: «هذا لا يكفيني»، أقول له:
❊ أخي العزيز، إن كان الذين يمسكون بالسلاح قد قرّروا الآن إنهاء الحرب، فما الذي يزعجك تحديداً في ذلك؟
❊ إذا كانت المسيرة ستُستأنف بنضالٍ سياسيٍّ ومدني، ألَا تثق بنفسك؟ إذا كنت تمارس السياسة معتمداً على سلاح حزب العمّال الكردستاني أو سلاح الدولة، فمن الطبيعي أن تقلق من انتهاء الحرب. لكن لكل حرب نهاية، والأخلاقي والصحيح أن تستعدّ لذلك وتدعم السلام.
❊ إذا قلتَ: «أنا كردي، فما مصير حقوقي؟» فعليك أولًا أن تثق بنفسك. ثق بخبراتك والتراكمات لديك وبشعبك المنظَّم والواعي سياسياً. واصل طريقك مؤمناً بأن النضال السياسي ليس استسلاماً ولا هزيمة ولا خسارة.
❊ وإذا قلتَ: «أنا تركي، ألَا يؤدي تقديم تنازلات للإرهاب إلى تقسيم وطني ودولتي؟» فعليك أيضاً أن تثق بنفسك أولاً ثم بأخيك الكردي الذي تجمعك وإياه أخوّة عمرها ألف عام. إذا صارت الدولة أيضاً دولةً للكرد، ووقفتَ بجانب الكرد الذين سيواصلون نضالهم في سبيل العيش العادل والمتساوي والحرّ من خلال السياسة والطرق السلمية، وأمسكتَ بأيديهم، فلن يكون هناك انفصال، بل يجب أن تؤمن بأننا سننمو معًا جميعًا.
❊ وإذا كنتَ مترددًا وتتساءل: «هل الأمر بهذه البساطة؟ ألَا توجد خفايا؟» فأقول لك أيضاً يا أخي: نعم، هو بهذه البساطة فعلًا. لكن تحقيق هذا الأمر «البسيط» يستلزم عملاً جادّاً وجهداً وتخطيطاً دقيقاً.
الحل بسيط لكنه جِدِّي. إنه جِدِّي لأننا في الشرق الأوسط؛ حيث لا تزال الأصابع على الزناد، ولا يزال الدم يُراق. إنه جِدِّي لأن الموت جِدِّي، وإذا وُجد ما هو أكثر جِدِّيَّةً من الموت فهو الحياة. إن محاولة ترسيخ الحياة في ظل هذين الأمرين الجدِّيَّين ليست سهلة كما قد تبدو من الخارج.
لا تخَفْ من السلام ولا من المصالحة يا أخي. لا تخف من تكاتف التركي والكردي معاً لجعل تركيا أقوى. لا تخف من دعم أي خطوة تنقل المنطقة إلى السلام. لا تخفْ، حتى نستطيع هذه المرة إسكات الأسلحة وإفساح المجال للسياسة كي تتحدث. وبالنضال السياسي فلنتغلّب سوياً على الفقر والبطالة والجوع والظلم وعدم المساواة. ولْنسعَ إلى توجيه المليارات التي تُنفَق على الحرب نحو الشعب مباشرةً. ولا ننسَ أن السلام يعني أيضاً الخبز والعمل والرزق.
أردوغان، بهتشلي، وأوجلان… نسأل الله أن يمدّهم جميعاً بعمر طويل وصحة وعافية، ولكن في آخر منعطف من حياتهم، حيث أخذ هؤلاء القادة الثلاثة زمام المبادرة من أجل سلام الشرق الأوسط والسلام التاريخي بين الكرد والأتراك، سأبذل أكثر من استطاعتي لضمان نجاحهم.
إذا كنتَ تتساءل: «وماذا عن الانتخابات؟» فذلك شأنك وقرارك وإرادتك يا أخي العزيز. أنت الشعب، وأنت صاحب القرار النهائي. لا أحد اليوم يطلب منك أن تصوِّت لأردوغان أو بهتشلي أو حزب المساواة والديمقراطية أو حزب الشعب الجمهوري. إنما يُطلَب منك أن تسكب قطرة ماء على شجرة السلام.
أما أنا، فلا أريد موت أخي الجندي الواقف على الحراسة في غابار (جبل في شرناق)، ولا أخي الموجود في قنديل. أريد أن يتوقف الاثنان عن إطلاق النار على بعضهما. أولًا، هلمّوا نتعانق نحن الأتراك والكرد بعاطفة ألف عام من الأخوّة، وبعد ذلك فليكن الأمر شأن النضال السياسي والسياسيين، أي شأننا جميعاً.
ليكن شهر رمضان هذا حاملاً لسلامٍ دائم وأخوّةٍ وطمأنينة. ولأجل ذلك، ليقف كلٌّ منّا إلى جانب السلام.
أنا بجانب السلام حتى نُحقِّقه.