في خطوة مفصلية نحو الانتقال السياسي في سوريا، وتأسيس دعائم قانونية لإعادة بناء الدولة على أسس جديدة، أصدر الرئيس السوري أحمد الشرع، الأحد، مرسوماً يقضي بتشكيل لجنة من سبعة أعضاء لصياغة مسودة الإعلان الدستوري، بهدف تنظيم المرحلة الانتقالية عقب إطاحة حكم بشار الأسد. ولم يحدد المرسوم مهلة زمنية لإنجاز عمل اللجنة.
وجاء في البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية: “انطلاقاً من تطلعات الشعب السوري في بناء دولته على أسس القانون، وبناءً على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني، قرر الرئيس تشكيل لجنة من الخبراء تتولى مهمة صياغة مسودة الإعلان الدستوري الذي ينظم المرحلة الانتقالية”.
الاعلان الدستوري: وثيقة قانونية مؤقتة
أوضحت اللجنة القانونية المكلفة صياغة الاعلان الدستوري أن الوثيقة لا تشكل بديلاً عن الدستور الدائم، لكنها تهدف إلى سد الفراغ القانوني الناتج عن إلغاء دستور 2012، الذي كان قد صاغه نظام الأسد. وأكدت أن الحاجة إلى الاعلان الدستوري تنبع من ضرورة توفير إطار قانوني ينظم المرحلة الانتقالية ويوجه مسار الدولة نحو الاستقرار وإعادة البناء. وقد شهدت دول مثل تونس عام 2011 ومصر عام 2013 تجارب مماثلة، بحيث لجأت إلى إعلانات دستورية مؤقتة لضمان استمرار عمل مؤسسات الدولة خلال الفترات الانتقالية، ما يؤكد أهمية هذا النهج في منع الفوضى القانونية وتجنب الفراغ الدستوري.
وصرّح أحد أعضاء اللجنة، مفضلاً عدم الكشف عن هويته، لموقع “لبنان الكبير” قائلاً: “اللجنة الدستورية ملتزمة بمحددات مؤتمر النصر، الذي جمع الفصائل العسكرية، وسنعمل وفقاً لما أعلن فيه، مع الأخذ في الاعتبار بعض توصيات مؤتمر الحوار الوطني. دور اللجنة سيكون تقنياً أكثر منه تشريعياً، بحيث سنصدر الهيكل الأولي خلال يومين، ثم ننشر الصيغة النهائية التي ستضم أكثر من 40 مادة تنظم المرحلة الانتقالية”.
وأشار عضو اللجنة إلى أن الاعلان الدستوري سيكون مؤقتاً، على أن يتم لاحقاً تشكيل لجنة دستورية نهائية متنوعة تتولى صياغة الدستور الدائم، والذي سيُعرض لاحقاً على استفتاء شعبي.
أعضاء اللجنة: كفاءات قانونية لإدارة المرحلة الانتقالية
تم اختيار أعضاء اللجنة بناءً على خبراتهم القانونية والدستورية، وهم:
د. عبد الحميد عكيل العواك: أكاديمي متخصص في القانون الدستوري، حاصل على دكتوراه من جامعة ماردين آرتقلو.
د. ياسر الحويش: عميد كلية الحقوق بجامعة دمشق، متخصص في القانون الدولي العام، وله أبحاث متعددة في القانون الدولي الاقتصادي.
د. محمد رضى جلخي: عضو مجلس أمناء “منظمة التنمية السورية”، وأمين “جامعة إدلب”، ورئيس لجنة تسيير أعمال “الجامعة الافتراضية السورية”. حاصل على دكتوراه في القانون الدولي من جامعة إدلب.
د. أحمد قربي: حاصل على دكتوراه في القانون العام من جامعة حلب، وخبير في ضمان الحقوق والحريات ومسار الحل السياسي في سوريا.
د. بهية مارديني: كاتبة وإعلامية، حائزة على دكتوراه في القانون الدولي من المملكة المتحدة، ومعروفة بمواقفها الداعمة لحقوق الانسان.
د. ريعان كحيلان: أستاذ قانون في الجامعة الافتراضية السورية وجامعة دمشق.
د. إسماعيل الخلفان: عميد كلية الحقوق بجامعة حلب.
وأوضح الدكتور ماهر التمران، خبير في القانون العام والدولي، لموقع “لبنان الكبير”، أن “الانتقال السياسي الناجح يجب أن يستند إلى إطار قانوني واضح ومشروع، فالإعلان الدستوري المزمع صياغته في سوريا يشكل حجر الزاوية في إعادة بناء الدولة، ويهدف إلى ملء الفراغ القانوني بعد سقوط النظام الأسدي المجرم، بما يضمن استقرار المؤسسات وضمان الحقوق والحريات”.
وأضاف: “تشكيل لجنة الاعلان الدستوري بمرسوم رئاسي يعكس الحاجة الملحة إلى وضع أسس قانونية للمرحلة الانتقالية، بحيث لا يمكن لأي سلطة جديدة أن تعمل خارج إطار شرعي معترف به داخلياً ودولياً”.
وأكد التمران أن “الإعلان الدستوري كما يعرفه فقهاء القانون الدستوري هو وثيقة مؤقتة تنظم العمل السياسي والاداري للدولة ريثما يوضع دستور دائم عبر عملية تشاركية تشمل مختلف مكونات المجتمع”.
صلاحيات اللجنة ومسؤولياتها القانونية
أما من حيث صلاحيات اللجنة ومسؤولياتها القانونية، فتتمثل في عدة جوانب أساسية لضمان تنظيم المرحلة الانتقالية بطريقة متماسكة ومستقرة:
أولاً، إعداد نص دستوري مؤقت يحدد شكل نظام الحكم الانتقالي وصلاحياته، ما يساعد في تجنب أي فراغ قانوني قد يعرقل استمرارية المؤسسات.
ثانياً، وضع مبادئ أساسية للحكم تضمن الفصل بين السلطات وتحدد قواعد الادارة العامة، على غرار ما تم تطبيقه في تجارب انتقالية سابقة مثل تونس وليبيا.
ثالثاً، حماية الحقوق والحريات وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الإنسان، ما يعزز ثقة المواطنين بالعملية الانتقالية ويضمن احترام حقوق الأفراد.
رابعاً، تحديد آليات التشريع والتعديل خلال المرحلة الانتقالية، بحيث يكون هناك وضوح في كيفية سن القوانين الجديدة أو تعديل القائمة منها.
خامساً، رسم خريطة الطريق نحو الدستور الدائم عبر انتخابات تأسيسية أو استفتاء شعبي، وهو ما يضمن مشاركة جميع الأطراف في صياغة المستقبل السياسي للدولة.
وأشار التمران إلى أن انهيار النظام السابق ترك فراغاً دستورياً وقانونياً يستوجب إعادة تأسيس الشرعية السياسية وفق قواعد واضحة، بحيث تمر سوريا حالياً بحالة “استثناء دستوري”، ما يتطلب وضع إطار جديد ينظم السلطات، ويضمن استمرارية عمل المؤسسات من دون تعطيل.
كما أشار إلى التحديات القانونية التي تواجه الدولة، ومنها:
– إعادة الشرعية للسلطة التنفيذية: هل تستمد الحكومة الانتقالية شرعيتها من الثورة أم من عملية تفاوضية؟
– استمرارية القوانين السابقة: هل تبقى التشريعات القائمة سارية المفعول أم يتم إلغاؤها تدريجياً؟
– ضمان سيادة القانون: كيف يمكن تفادي حالة الفوضى القانونية في ظل غياب دستور دائم؟
– حماية الحقوق الأساسية: كيف يمكن ضمان احترام حقوق الإنسان ومنع التجاوزات في ظل المرحلة الانتقالية؟
وأكد التمران أن القانون الدولي يعترف بـ”الاعلانات الدستورية” كأدوات مشروعة لإدارة الفترات الانتقالية، شريطة أن تستند إلى توافق وطني، وأن تضمن انتخابات حرة، وأن تكون محددة بزمن واضح حتى لا تتحول إلى دساتير دائمة. وأشار إلى تجارب تونس (2011)، ومصر (2013)، وليبيا (2011) في هذا السياق.
ورأى التمران أن “الاعلان الدستوري في سوريا يجب أن يكون وثيقة توافقية، وليس مجرد إعلان يصدر من طرف واحد، لضمان مشروعيته وقبوله من جميع الأطراف”، مؤكداً ضرورة وضع جدول زمني واضح للانتقال نحو دستور دائم والافادة من الخبرات القانونية الأممية لضمان توافق الاعلان مع المعايير الدولية. وخلص إلى أن “الاعلان الدستوري ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو عقد اجتماعي يرسم مستقبل البلاد، ونجاحه يعتمد على مدى توافق القوى السياسية عليه، ومدى احترامه لحقوق الشعب السوري في تقرير مصيره بحرية”.