الأول: أنّ التجارب العالمية منذ مطلع القرن الماضي أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك بأنّ الشرعيات الثورية (السياسية والدينية) كانت ولا زالت الخصم اللدود لحقوق المواطنة ولمفهوم الدولة الحديثة باعتبارها جهازاً محايداً تماماً وعلى مسافة واحدة من جميع مواطنيها على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم السياسية والدينية والقومية، وضامناً وحيداً لحقوق الانسان، ولا يمكن لأية منظومة ميليشياوية عقائدية أن تفي بمعايير الأمم المتحدة الراقية جداً والمناسبة جداً والضرورية جداً لكلّ شعوب العالم المتمثلة ب (الشرعة الدولية لحقوق الانسان).
الثاني: هو التجربة المريرة برفقة عدد كبير من الزملاء والأصدقاء بتأسيس /لجان الدفاع عن الحريّات الديمقراطية وحقوق الانسان في سورية/ نهاية ثمانينات القرن الماضي في دولة مستلبة جملةً وتفصيلاً لسلطةٍ مطلقة لم ترى في الدولة سوى أداة جبارة للسيطرة والقمع، ما سمح في النهاية لبلوغ هذا المستوى الفظيع من الخراب والجرائم يصعب معه التقاط الأنفاس أو التفكير برويّة واتزان للنهوض مجدداً في مدى زمني معقول.
هل يمكن لافتراض النوايا الطيبة لدى السلطة الجديدة بكل ما تحمله من سمعةٍ يطالها الكثير من النقد، وأيديولوجيا خارج الزمن، أن تشكل عامل اطمئنان لصناعة المستقبل؟
إذا كانت الدعوة للتريّث لها ما يبررها، أليس لاحتمال تكرار التجارب المريرة ما يبررها أيضاً؟
وإذا كان مشروعاً التهليل لتصريحات السيّد الشرع الجذابة مع كل ما ورثه (كسلطة) من ركام وخراب معَمَّم، إضافةً للتحديات الخارجية. أليس مشروعاً أيضاً الوقوف بتمعّن أمام ممارسات تفتقر للحكمة والمشروعية معاً؟، والخوف العميق من صناعة دولة بوليسية واحتكار السلطة كمقدمة لإنتاج الفساد والتخلف ومعه الحاكم الفرد غير القابل للنقد.
فوق كل ذلك هناك مخاوف من نوع آخر إضافي عند فئاتٍ من السوريين ليست قليلة، من الأكراد والعلويين والدروز والمسيحيين لها أسبابها ومبرراتها ربما، دون أن نهمل إمكانية وجود تطرف في التعبير عن هذه المخاوف، ومصالح كل من تضرر بسقوط النظام في تأجيجها والاشتغال جدياً على استفحالها.
حافظ وبشار لم يكونا قاتلين لأنهما علويّان، ولا خامنئي لأنه شيعيّ أو نتنياهو لأنه يهودي.
كل هؤلاء مع أمثالهم، بول بوت, ماو, ستالين, كيم إل سونغ، وباقي القتلة. هم نتاج مؤسسات فاشيّة استغلّت عواطف الجماهير في لحظات غير محروسة من تاريخها وأنشأت دولاً على مقاسها.
يبدو لي من الصعب جداً تحديد وإحصاء المصاعب والأخطار المزروعة في طريق بناء وطن على مقاس كرامة السوريين وطموحاتهم.
مع كل ذلك يبقى الأمل قائماً أن تستفيد السلطة الحالية من تجارب البلدان التي مرّت بما يشبه تجربة السوريين، من تونس حتى العراق وما بينهما كمصر والسودان واليمن وكذلك إيران.