Illegal migrants from Chad, Sudan, Egypt and Bangladesh wait to receive aid distribution provided by the International Organization for Migration (IOM) in cooperation with the Libyan Red Crescent at the Tulmitha Detention Center some 100 kilometres east of the Libyan city of Benghazi, on September 3, 2016. (Photo by Abdullah DOMA / AFP)

تركت الحرب الدائرة في غزة أثرها العميق على القارة الأوروبية، ما أظهر وجهين متباينين لها. الأول وجه مؤيد تماما لإسرائيل، بدت معه القارة مستعدة للاستماع إلى مظالم تل أبيب وحدها، ودعم حقها في الدفاع عن شعبها.

ويُعَد جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، نموذجا معبرا عن هذا الوجه الأوروبي.

ولعل في احدى مقابلاته التلفزيونية ما يثبت ذلك الأمر بجلاء، حين لم يتردد السيّد بوريل في وصف هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول التي شنتها “حماس” على المستوطنات في جنوب إسرائيل بأنها “جريمة حرب”. لكنه حين سُئل عن الهجمات الإسرائيلية على غزة، وقتْلِ ما يقرب من 14 ألف مدني وقصفِ آلاف المنازل في الأجزاء الشمالية والوسطى من الأراضي الفلسطينية، تذكر السيد بوريل بلمح البصر أنه ليس محاميا وأنه لم يكن في وضع يسمح له بإصدار أي أحكام قانونية.

ولكن من حسن الحظ أن ثمة وجها آخر للقارة. إنه وجه أوروبا المستعدة للعمل على حماية مصالحها في مواجهة الدعم غير المشروط الذي يقدمه الوجه الآخر لتل أبيب.

ويعمل هذا الوجه الآخر لأوروبا حاليا على تخفيف الآثار المحتملة للحرب في القارة. وهو يفعل ذلك من خلال مد الأيدي الأوروبية للتعاون مع الأطراف الأخرى.

وحاليا يمد هذا الوجه الآخر لأوروبا يديه إلى مصر، وهي الدولة المكتظة بالسكان، والتي تعاني اقتصاديا، وهي التي تحملت وطأة الهجوم الإسرائيلي على غزة، إذ تواجه احتمالات الدمار الاقتصادي نتيجة لذلك.

مخاوف مشتركة

ومع ذلك كله، تثير هذه المناشدة تساؤلات حول ما إذا كانت القاهرة سترضى بأن يكون لها شأن من خلال تحولها إلى خفر السواحل المخلص للقارة العجوز

وربما تكون رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، مثالا رئيسا لهذا المنظور الأوروبي المختلف. ففي 18 نوفمبر/تشرين الثاني، زارت القاهرة لإجراء محادثات مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن الوضع الإنساني في غزة. وخلال لقائهما، عكست تصريحات فون ديرلاين بوضوح مخاوف أوروبا بشأن الأزمة.
عارضت فون ديرلاين بشدة تهجير سكان غزة، وهو موقف تقف وراءه مخاوف أوروبية واضحة. ويبدو أن أوروبا تشعر بالقلق من أنه إذا اضطر سكان غزة إلى مغادرة منازلهم، فإن سكان القطاع الساحلي الذين يزيد عددهم على 2.3 مليون نسمة قد يؤدي إلى تدفق غير مسبوق من المهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا عبر البحر المتوسط. وهذا السيناريو ليس بعيد الاحتمال، لا سيما في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر وعدم قدرتها على استيعاب المزيد من اللاجئين من غزة، خاصة وأن البلاد تستضيف بالفعل 9 ملايين لاجئ من دول أخرىوبعد اختتام اجتماعها مع الرئيس المصري، سافرت رئيسة المفوضية الأوروبية حوالي 197 ميلاً للوصول إلى ميناء رفح البري الواقع على الحدود بين غزة وسيناء المصرية. كان هدفها هو الحصول على فهم مباشر للعملية الصعبة المتمثلة في توصيل المساعدات الإنسانية من مصر إلى غزة.
وهناك، أشادت رئيسة المفوضية الأوروبية بالجهد الذي تبذله مصر بهدف ضمان التدفق المستمر لمساعدات الإغاثة الإنسانية للأشخاص المحاصرين داخل هذا الجزء من فلسطين.

إبقاء سكان غزة في الداخل

وتتصدى مصر للخطط الإسرائيلية الرامية لإجبار سكان غزة على الفرار إلى بر الأمان خارج حدود أراضيهم، وإجبارهم على الاستقرار في سيناء.
لقد استخدمت القاهرة كل أنواع اللغات، بما في ذلك لغة الإيحاء على نحو غير مباشر وذلك بالتلويح باستخدام القوة العسكرية، لإحباط الخطط الإسرائيلية لطرد سكان غزة.

 

كما كلف المشرعون المصريون في 21 نوفمبر/تشرين الثاني، الرئيسَ المصري اتخاذَ الإجراءات اللازمة كلها لحماية الأمن القومي المصري، ومنع نقل سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة إلى سيناء. وخلال الجلسة العاصفة نفسها التي عُقدت في مقر مجلس النواب المصري، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إن مصر ستتصرف بحزم وحسم، ضمن الحدود التي يسمح بها القانون الدولي، إذا اضطر سكان غزة إلى المغادرة لمصر.
وقبل ساعات قليلة، كانت وزارة الخارجية المصرية قد صرحت بأن القصف الإسرائيلي المتكرر لمناطق في جنوب غزة لا يهدف إلا إلى إجبار سكان غزة على الفرار إلى مصر. وذلك فضلا عن استخدام مصر لغة القوة والتعبير عن الرفض، إذ تعمل الدولة المصرية بكل قوتها لضمان حصول سكان غزة على كل ما يلزم للصمود في أراضيهم، وحتى لو كان ذلك في مواجهة القصف الإسرائيلي المستمر.
وتطالب مصر بدخول مساعدات الإغاثة الإنسانية إلى غزة، ومن ضمنها الغذاء والمياه والوقود، وذلك منذ بداية الأزمة في 7 أكتوبر/تشرين الأول. وقد تساهم الهدنة التي ستستمر أربعة أيام، وتوسطت فيها قطر ومصر والولايات المتحدة، في زيادة حجم المساعدات المقدمة إلى غزة، وهو الأمر الذي يعزز الحملة المصرية.
وتشاطر أوروبا مصر الرغبة نفسها في إيصال المزيد من المساعدات إلى غزة، وذلك بعد إدراكها، على ما يبدو، لحقيقةٍ مفادها أنه بمجرد طردهم من غزة، فإن سكان الأراضي الفلسطينية قد ينتهي بهم الأمر على الشواطئ الأوروبية.

التواصل مع القاهرة

تتعاون أوروبا بنشاط مع القاهرة لمعالجة القضية المطروحة. تشير التقارير إلى أن أوروبا بصدد إنشاء حزمة مساعدات جديدة لمصر، تهدف إلى تحفيز الأمة العربية على اتخاذ خطوات لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى الشواطئ الأوروبية عبر البحر الأبيض المتوسط.
وقالت أورسولا فون ديرلاين في بيان لها، يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني، إن أوروبا ومصر تتعاونان في إقامة شراكة استراتيجية وشاملة من شأنها أن تعود بالنفع على الطرفين. وأكدت أن هذه الشراكة ستبنى على العلاقات الطويلة الأمد بين الجانبين. علاوة على ذلك، من المقرر أن تعمل أوروبا على تسريع تسليم قوارب البحث والإنقاذ إلى مصر، مما سيساعد الدولة العربية في جهودها للحد من المعابر غير الشرعية في البحر الأبيض المتوسط.
ومع ذلك، يطمح البرلمانيون المصريون إلى تطوير شراكة أوسع مع أوروبا، شراكة تمتد إلى ما هو أبعد من دور القاهرة باعتبارها مجرد جهة منفذة لمنع عبور البحر الأبيض المتوسط بشكل غير قانوني.

السيناريو- الكابوس

وأشار عاطف مغاوري، عضو لجنة التشريع بالبرلمان المصري، في تصريح لـ”المجلة”، إلى أن “مصر تلعب دورا محوريا في حماية أوروبا من التهديدات المختلفة، بما في ذلك الهجرة غير الشرعية والإرهاب”. وهو ما “يؤهل مصر لعقد شراكة شاملة مع الاتحاد الأوروبي لا تقتصر على مكافحة المعابر غير الشرعية للبحر الأبيض المتوسط”.

 

بذلت مصر جهدا مكثفا لوقف تدفق الهجرة غير الشرعية منها إلى أوروبا؛ فبعد أن كانت في الماضي ولزمن طويل نقطة عبور لموجات المهاجرين إلى الشواطئ الأوروبية، نجحت مصر في إحكام السيطرة على سواحلها لمنع القادمين من المناطق المضطربة في أفريقيا والشرق الأوسط من استخدام تلك السواحل في الإبحار إلى أوروبا. كما قللت الحكومة المصرية من احتمال هجرة المصريين على نحو غير شرعي إلى أوروبا من خلال إطلاق عدد كبير من المشاريع التنموية التي أوجدت الطلب على العمالة، ومن ضمنها إقامة عاصمة ضخمة في الصحراء المصرية.

بيد أن الاضطرابات في الدولتين المجاورتين لمصر، أي ليبيا والسودان، تفرض ضغوطا شديدة عليها. ويزيد الوضع في غزة حاليا من هذا الضغط، إذ يؤدي هذا الوضع أيضا إلى تفاقم الأحوال الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مصر. ومن شأن ذلك كله أن يعيد الهجرة غير الشرعية إلى الواجهة باعتبارها اتجاها شائعا بين المصريين؛ فمع ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وتزايد ندرة الوظائف، وصعوبة الحياة، سوف يميل المزيد من المصريين إلى البحث عن فرص خارج بلدهم، وفي أوروبا على الأرجح. وبالفعل، عاد المصريون إلى البحر، على الرغم من الإجراءات التي تتخذها سلطات الدولة للسيطرة على الهجرة غير الشرعية.
ويقول مراقبون في القاهرة إن عودة ظهور ما يسمى “قوارب الموت،” وهي القوارب التي كانت تُقل المصريين في رحلات محفوفة بالمخاطر على أمل الوصول إلى الساحل الأوروبي، تُظهر أن مصر تحتاج إلى ما هو أكثر من مجرد دعم محدود أو كونها تشغل منزلة خفر السواحل لأوروبا.
وقال عماد جاد، الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ”المجلة”: “مصر بحاجة إلى دعم حقيقي حتى تتمكن من خلق فرص اقتصادية لشعبها، وحث الشباب على الابتعاد عن الهجرة غير الشرعية. إنها بحاجة إلى التقنية والمعدات التي تساعدها على دفع قطاعها الصناعي إلى الأمام، وهو الأمر الذي سيخلق فرص عمل للناس ويوقف موجة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا”.