(Original Caption) Large bundles of personal possessions are carried on the head of Arab women and children begin a three mile hike through no man's land to the Arab lines in Tulkarim. They were brought by truck to this point from a non combat Arab village near Haifa. Safe conduct was provided by the International Red Cross during this movement which took place after the current truce went into effect.

سلطة نتنياهو لم تكن أكثر فشلا في أي وقت مضى منها الآن

تجسد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول وما تلاها من هجمات على غزة بجلاء صارخ تعريف ألبرت آينشتاين المعروف للجنون (الجنون، عند آينشتاين، أن تفعل الشيء ذاته مرة بعد أخرى وتتوقع نتيجة مختلفة). وها هم أولئك الذين يتربعون على مواقع السلطة حاليا يصرون على تكرار الأفعال عينها مرة ومرة، وهم يأملون الحصول على نتيجة مختلفة.

إن ارتباط آينشتاين بإسرائيل الحديثة يصبح ذا مغزى أكبر، إذا عدنا قليلا إلى الوراء. في عام 1948، وهو العام الذي يسميه الفلسطينيون “النكبة”، نشر آينشتاين مقالة في صحيفة “نيويورك تايمز” قارن فيها بشكل مذهل بين منظمة إرغون، الذراع شبه العسكرية للصهيونية في ذلك الوقت، و”الأحزاب النازية والفاشية”. ووصف بشكل لا لبس فيه المنظمة بأنها “منظمة إرهابية ويمينية وشوفينية”.

لقد دمج أعضاء منظمة إرغون في قوات الدفاع الإسرائيلية في بداية الحرب العربية الإسرائيلية، وهو ما يعكس جاذبية تكتيكاتهم في نظر كثير من اليهود الذين يعتقدون أن أي وسيلة لإقامة دولة يهودية لها ما يبررها، حتى لو كانت تنطوي على أعمال إرهابية. ولا ننسَ أن عناصر إرغون هم الذين ارتكبوا يوم 9 أبريل/نيسان 1948 المجزرة المروعة في دير ياسين التي راح ضحيتها 107 قرويين، بينهم نساء وأطفال.

كانت منظمة إرغون السلف السياسي لحزب حيروت اليميني الإسرائيلي، الذي أصبح فيما بعد حزب الليكود، الذي يقوده اليوم بنيامين نتنياهو، وهو ابن أكاديمي صهيوني، ويتمتع حاليا بعلاقات أميركية قوية، ويعرف بكونه رئيس وزراء إسرائيل الأطول خدمة. منذ عام 1977، شغل أعضاء الليكود بشكل متكرر مناصب قيادية في مختلف الحكومات الإسرائيلية.

 

وهناك حلقة وصل إضافية بين إسرائيل وآينشتاين، تجلت في الأحداث المأساوية التي وقعت عام 1994 في الحرم الإبراهيمي في الخليل. في هذا الحدث المروع، كان باروخ غولدشتاين هو مرتكب الجريمة، حيث أودى بحياة 29 من المصلين المسلمين وتسبب في إصابة 150 شخصا آخرين. ومن المثير للصدمة أن بعض المستوطنين المتطرفين أشادوا بأفعاله خلال تلك الفترة. على سبيل المثال، أعرب يوشاي رون صراحة عن شعوره بالرضا عند سماعه الأخبار، مؤكدا وجود صراع بين اليهود والعرب وأن “جميع العرب المقيمين هنا يشكلون تهديدا… ويعرضون بقاء المجتمع اليهودي في الضفة الغربية للخطر”.
حتى وقت قريب، كان إيتمار بن غفير، وهو أيضا مستوطن، يعلق على جدار غرفة المعيشة في بيته صورة لغولدشتاين. ولكن ما علاقة آينشتاين هنا؟ حسنا، ينحدر بطل بن غفير، غولدشتاين، من بروكلين وكان تلقى تدريبا طبيا في كلية ألبرت آينشتاين للطب في برونكس. ومع ذلك، فمن غير المحتمل أن تكون كلمات آينشتاين عن الجنون مكتوبة عند مدخل الكلية.

 

 

وعلى الرغم من أن بن غفير أنزل الصورة من على الجدار، إلا أن سلوكه لا يزال على شراسته المعهودة، ويتبين ذلك من خطابه الصريح كوزير للأمن القومي. في الماضي، دعم بن غفير جماعة متطرفة تعرف باسم كاخ، اعتنقت الكاهانية، وهي آيديولوجيا صهيونية دينية متطرفة تعتمد على تعاليم الحاخام مئير كاهانا، وتؤكد أن الغالبية العظمى من عرب إسرائيل هم أعداء اليهود وإسرائيل، وسيبقون كذلك دوما. وتبشر هذه الآيديولوجيا بضرورة إنشاء دولة ثيوقراطية يهودية، تشمل إسرائيل وفلسطين ومناطق من مصر الحديثة والأردن ولبنان وسوريا والعراق. في تلك الدولة، لن يحق التصويت لأي سكان من غير اليهود، وسيطبق القانون اليهودي (كما دونه موسى بن ميمون)، والذي بموجبه سيكون لدى غير اليهود الذين يرغبون في الإقامة في إسرائيل ثلاثة خيارات: إما البقاء “كغرباء مقيمين” يتمتعون بجميع الحقوق باستثناء الحقوق الوطنية، أو مغادرة البلاد إذا كانوا غير راغبين في قبول مثل هذا الوضع، مع التعويض الكامل، أو يجري إبعادهم بالقوة، في حال رفضوا الأمرين.

في مقابلة أجريت مع أرملة كاهانا، عام 2010 قالت إن “مئير كاهانا لم يكن يكره العرب، بل كان يحب اليهود فقط”. وقديما قيل: “لَيْسَ لأَحَدٍ حُب أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أن يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبائِه” (إنجيل يوحنا، الإصحاح 15، الآية 13).
كان الحاخام، الذي ولد في أميركا، يخاطب جمهورا معظمهم من اليهود الأرثوذكس في بروكلين عندما اغتيل على يد سيد نصير، وهو مواطن أميركي من أصل مصري، سيشارك لاحقا في تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. وكان كاهانا يحث اليهود الأميركيين على الهجرة إلى إسرائيل قبل فوات الأوان. غير أن الأوان كان قد فات بالنسبة لهذا الحاخام “ذي القلب الكبير”.

كان السلوك الكلبي (الفلسفة الكلبية لا تؤمن بوجود خير في الطبيعة. وتتسم بارتياب عام في دوافع الآخرين) بسخريته العميقة تجاه العرب موجودا منذ بداية الحالة الصهيونية، ولكن ليس بين جميع الصهاينة، بل اختصت بها تلك النسخة شبه الفاشية من الصهيونية، المعروفة باسم التحريفية، هي التي كانت تحمل أعمق الشكوك ودعت إلى مراجعة “الصهيونية العملية” لديفيد بن غوريون وحاييم وايزمان، والتي ركزت على استيطان أرض إسرائيل من قبل أفراد مستقلين.

 

في السنوات الأولى، وجدت الحركة التحريفية زعيمها في “الرجل العظيم” زئيف جابوتنسكي، الذي أدى تقاربه مع الفاشية، وبخاصة موسوليني، إلى أن يطلق عليه أحد أتباعه لقب “الدوتشي اليهودي”. ولم يكن مساعد جابوتنسكي المتفاني سوى والد بنيامين نتنياهو، في تنبؤ غريب للجنون الجاري حاليا. وبينما أعاد جابوتنسكي النظر في وقت لاحق في موقفه من موسوليني بعد تحالف الدكتاتور الإيطالي مع هتلر، فإن رؤيته لإخوانه اليهود نشأت من خيبة الأمل تجاه شعب الشتات وحلم بعرق جديد عظيم، يتمتع بالصحة واليونانية بشكل غريب. وقد كتب في وقت مبكر من عام 1905 ما يلي:
لتصور خصائص الفرد اليهودي المثالي نبدأ بمقارنتها مع الصورة المعاصرة المهينة لعبارة “يِيد” (Yid) (وهي مصطلح يستخدم لتحقير اليهود). نحن نهدف إلى تصور النقيض القطبي لمفهوم “ييد” بينما يوصف الييد بأنه غير جذاب، وهش، ويفتقر إلى الجاذبية الجسدية، نريد أن نصور الشخص اليهودي المثالي على أنه يتمتع بجمال ذكوري، ومكانة مهيمنة، وأكتاف قوية، وحركات حيوية، وألوان نابضة بالحياة ومتنوعة. في حين أن اليهود قد يظهرون خائفين ومضطهدين، يجب على الفرد اليهودي أن تشع منه الثقة والاعتماد على الذات. وفي حين أن الـ”ييد” قد يثير النفور لدى الآخرين، يجب على الفرد اليهودي أن يظفر بإعجاب الآخرين ويسحر الجميع. ربما تحمل “الييد” القهر، ولكن يجب على الفرد اليهودي إظهار القيادة والقدرة على كسب الاحترام. ربما يشعر اليهودي بأنه مجبر على الاختباء من الغرباء، ولكن يجب عليه أن يخطو، بثقة وعظمة، بجرأة إلى المسرح العالمي، وأن يقوم باتصال بصري لا يتزعزع مع العالم ويعلن بفخر: أنا يهودي! (المصدر: د. هرتزل).

 

 

بالمقارنة مع حب الحاخام كاهانا الذي لا يتزعزع للشعب اليهودي، فإن هذا المقطع يكشف عن تناقض كبير، إن لم يكن ازدراء صريحا. ولم يقتصر هذا الموقف على جانب واحد من الطيف السياسي. يروي جون لانسمان، في مقال بتاريخ 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مشاعر مماثلة بين أفراد من اليسار خلال ما يشير إليه بتاريخ إسرائيل المبكر:
قبل تأسيس دولة إسرائيل، كان أولئك الذين قادوا الحكومة اليهودية المنتظرة يراقبون المحرقة في فلسطين التي كانت تحت الإدارة البريطانية. ويمكن وصف موقفهم تجاه الستة ملايين قتيل والمليون ناجٍ الذين وجدوا طريقهم إلى إسرائيل بالعبارة التي استخدموها لوصف طريقة موتهم: “ذهبوا مثل الغنم إلى الذبح”. لقد كان ازدراء الضعف متأصلا في اليسار الإسرائيلي، الذي أصبح الآن في أيدي خلفائه من اليمين المتطرف، وقد خلق ثقافة الحرب الدائمة التي تتسم بالتفوق والاستبداد تجاه الفلسطينيين. ثقافة تعكسها حماس”. (المصدر: “الغارديان”، 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2023).
من الواضح أنه عندما يتعلق الأمر بالنقد الذاتي، كان جابوتنسكي متقدما بشكل ملحوظ على عصره. تصبح هذه الفكرة واضحة بشكل خاص عندما ننظر إلى المقطع الذي يجمع بين “الييد”، و”العبرانيين”، كما وصفهم جوشوا كوهين، مؤلف كتاب “آل نتنياهو”. في هذه الصورة الخيالية، يُصور جابوتنسكي بملامح مميزة: “نظارات باكليت مستديرة داكنة، وشعر أملس رمادي أو أبيض فولاذي يذكرنا بهتلر”.

وكان يمكن لكوهين أن يكمل رسمه لجابوتنسكي بشاربين كفرشاة الأسنان تشبيها بشاربي هتلر. إن جابوتنسكي هو الفوهرر الصارم الذي يناسب اليهود، ولكن فقط إذا كانوا هم أنفسهم مؤهلين لذلك. وفيما كان زعيم التحريفيين متناقضا في موقفه تجاه إخوانه اليهود، فإنه كان يكن احتراما على مضض للسكان الذين كان ينوي استعمارهم.
بحلول الوقت الذي كتب فيه “الجدار الحديدي” عام 1923، فإن المثالي الرومانسي الذي كان يحمل ذات يوم رؤية رياضية للغة العبرية الإغريقية قد بدأ يواجه الواقع. خلال الفترة الفاصلة، تحول إلى مدافع عملي قوي عن الاستعمار اليهودي، وغدا المفهوم الأساسي والمركزي الذي تتم مناقشته والتأكيد عليه هو مفهوم “الاستعمار”. حدث هذا في مرحلة كانت فيها الإمبراطوريات الأوروبية القائمة تعاني من انتكاسات كبيرة في أعقاب الحرب العظمى، وبعد فترة وجيزة من تفكك الإمبراطورية العثمانية– الأكبر على الإطلاق– إلى أجزاء مستقلة. وفي خضم هذه التطورات، كان الصهاينة يقترحون استعمار أرض يسكنها بالفعل سكان معادون.

 

زئيف جابوتنسكي

لا يترك كتاب “الجدار الحديدي” مجالا للشك؛ لقد كان جابوتنسكي مدركا تماما أن العرب في فلسطين لن يتأثروا بالاسترضاء، بل سيدافعون عن وطنهم، مثل الكثير من السكان الأصليين الآخرين في جميع أنحاء العالم، من سكان بابوا إلى الأميركيين الأصليين:
“لا يعني هذا أن التوصل إلى اتفاق مع العرب الفلسطينيين أمر مستحيل، وإن يكن التوصل إلى اتفاق طوعي غير ممكن”.

سمات الاستبداد

يبدو أن تعريف “الاتفاق” سمة من سمات العقلية الاستبدادية؛ حيث يُتوقع الامتثال للطرف الآخر بغض النظر عن رغبتك الذاتية. وأكثر من يذكر ذلك بطل رواية أورويل، ونستون سميث (ونستون سميث هو الشخصية الرئيسة وبطل رواية “1984” لجورج أورويل. ونستون موظف في وزارة الحقيقة وهو مسؤول عن إعادة كتابة السجلات التاريخية لتتناسب مع رواية الحكومة الشمولية)، الذي اضطر إلى الاعتراف في نهاية المطاف، تحت الإكراه الشديد، بأن اثنين زائد اثنين يمكن أن تساوي في بعض الأحيان ثلاثة أو خمسة… “طالما أن العرب يتمسكون بأدنى أمل في تحرير أنفسهم من وجودنا، فإنهم لن يتخلوا عن هذا الأمل مقابل مجرد المجاملات أو الضروريات الأساسية. إنهم ليسوا مجموعة غير منظمة، بل أمة نابضة بالحياة”.
ولا يمكن للمرء أن يتهم جابوتنسكي بالسذاجة في هذا السياق؛ فعيناه مفتوحتان على مصراعيهما على الحقائق القاسية التي يطرحها، الأمر الذي يجعل المرء يتساءل كيف يمكنه مواجهة هذه الحقائق. إلا أن جابوتنسكي يمتلك تلك القدرة بالفعل، ويرى أن العواقب المحتملة لرؤيته تشكل تحقيق حلم له ولكنه كابوس للآخرين. ويشبه المستقبل الذي يتصوره بشكل لافت للنظر الوضع الحالي للفلسطينيين. لقد كان جابوتنسكي فردا يستطيع أن يتعرف على الجانب الآخر باعتباره انعكاسا لشعبه، ويعترف بحقه المتساوي في تقرير المصير، والأرض، والمستقبل.

ومع ذلك، بقي اعتقاده الأساسي الراسخ أنه لا بد من إخضاعهم وإحباطهم قبل أن يذعنوا. “… إن الطريق الوحيد لتحقيق مثل هذا الاتفاق هو إنشاء جدار حديدي، أي قوة هائلة في فلسطين لا تتهاون مطلقا أمام الضغوط العربية. أي إن الطريقة الوحيدة لتأمين اتفاق مستقبلي هي– في واقع الحال– التخلي عن فكرة السعي لتحقيق أي اتفاق في الوقت الحالي”.
وكانت طبيعة هذه “القوة الهائلة” عسكرية بشكل واضح. في المراحل الأولى، قام جابوتنسكي بتنظيم الفيلق اليهودي، الذي يتألف من خمسة آلاف جندي لعبوا دورا في الغزو البريطاني لفلسطين خلال الحرب العالمية الأولى. وقد تصور جابوتنسكي قيام دولة صهيونية ذات قوة عسكرية مستقلة منفصلة عن السكان العرب، تهدف إلى حماية هجرة اليهود إلى فلسطين. وفي بولندا، ظهرت عشر مجموعات شبابية رجعية، سميت إحداها بيتار، وتولى جابوتنسكي قيادة بيتار عام 1929. وبحلول عام 1931، كان قد صاغ برنامجا سياسيا يُعرف باسم “الهدف النهائي”، يدعو إلى إنشاء دولة ذات غالبية يهودية على ضفتي نهر الأردن.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1934، استضاف موسوليني فرقة من بيتار في تشيفيتافيكيا، حيث تلقى 134 طالبا تدريبا من “القمصان السوداء”، مما كشف عن اجتماع توافق آيديولوجي. وعلى غرار نظرائه الفاشيين، رفض جابوتنسكي مفهوم الصراع الطبقي، ودعا إلى “التحكيم الإجباري” في النزاعات العمالية، وأعطى الأولوية للمصالح الوطنية على مصالح طبقة اجتماعية أو اقتصادية معينة. خلال هذه المساعي، كان من المفهوم واقعيا افتراض معارضة السكان الفلسطينيين، الذين أشار إليهم الصهاينة باسم “العرب”.

عقيدة نتنياهو

طوال حياته السياسية، اعترف بنيامين نتنياهو باستمرار بالعداء الفلسطيني واستجاب له. وكان أسلوبه في السعي للتوصل إلى اتفاقات، والذي يذكرنا بأسلوب “الدوتشي اليهودي” القديم (جابوتنسكي)، متوترا بشكل ملحوظ. في مقال جوشوا ليفر “عقيدة نتنياهو: كيف أعاد زعيم إسرائيل الأطول خدمة تشكيل البلاد على صورته” (المنشور في صحيفة “الغارديان” بتاريخ 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2023)، يعلق على فاعلية رؤية نتنياهو لإسرائيل المحصنة. يلاحظ ليفر في المقالة كيف يبدو الفلسطينيون ونضالاتهم، من الأجواء المريحة لمقهى في تل أبيب، غير مرئيين تقريبا، مما يسلط الضوء على التجاهل المزعج للمهزومين.
يضيف ليفر أن “نتنياهو ليس آيديولوجيا تقليديا. إن معارضته لحل الدولتين لا تنبع من أي قناعة مسيانية (يؤمن اليهود المسيانيون بألوهية يسوع ويعترفون بكونه المسيح ويؤمنون بكل العقائد المسيحية الرئيسة وأبرزها عقيدة الثالوث)، أو إلهام كتابي. وفي حين أن كثيرا من أنصاره من التقليديين المتدينين، فإن نتنياهو نفسه علماني بقوة ولا يلتزم بممارسات الشريعة اليهودية. وبدلا من ذلك فإن نظرته للعالم متجذرة في شعور عميق بالتشاؤم الكلبي”.
وما أشبه كلبية نتنياهو بالكلبية العميقة للحركة التحريفية، كما يظهر في الفكرة المتكررة لـ”الحديد”. في البداية، كان هناك مفهوم جابوتنسكي عن الجدار الحديدي. وأعقب ذلك نظام القبة الحديدية، وهو إجراء دفاعي ضد الصواريخ القادمة من غزة ومناطق أخرى. والآن، ردا على اعتداءات حماس وفظائعها، نشهد عملية السيوف الحديدية. وأكد نتنياهو، في عام 2015، لأعضاء الكنيست إيمانه بحالة الدفاع الدائمة، قائلا: “لقد سُئلت عما إذا كنا سنعيش بالسيف إلى الأبد؟ وجوابي: نعم”.

مسارات حديدية

ويصف جوشوا ليفر سياسات نتنياهو بأنها “مسارات حديدية” يصعب تغييرها. ومع ذلك، فإن بعض أعضاء حكومة نتنياهو، مثل آرييل كالنر، وبتسلئيل سموتريش، لا يظهرون أي ميل لتغيير المسار. كالنر، بدعوته إلى النكبة، وسموتريتش، الذي ينكر الهوية والوجود الفلسطينيين، يعبران عن وجهات نظر أدانتها وزارة الخارجية الفلسطينية ووصفتها بأنها “عنصرية، وفاشية، ومتطرفة”. هذه المواقف ليست سرية. وحتى في انتخابات 2019، واجه الليكود انتقادات باعتباره “حزبا عنصريا”، ذا خطاب مناهض للعرب من أعضائه، بما في ذلك نتنياهو، الذي وصف الأقلية العربية والفلسطينيين في إسرائيل بأنهم “تهديدات” و”أعداء”.

 

وفي الآونة الأخيرة، لاحظ خبراء الأمم المتحدة علامات على “تزايد التحريض على الإبادة الجماعية” ضد الفلسطينيين. ولا بد للمرء من أن يتساءل: كيف يمكن لأولئك الذين يتولون السلطة في دولة ولدت من مأساة الإبادة الجماعية النازية، والذين يستخدمون لغة الفاشية بسهولة، أن يزعموا أي شرعية أخلاقية؟
ومع ذلك، فإن سلطة بنيامين نتنياهو لم تكن أكثر فشلا في أي وقت مضى منها الآن. وفي محاولة لتقسيم أعدائه، ذهب نتنياهو إلى حد دعم حكومة “حماس” في غزة، وتشجيع قطر على تحويل مليارات الدولارات إلى الجماعة المسلحة، بل إنه أعلن في اجتماع لحزب الليكود عام 2019 أن “كل من يريد منع إنشاء دولة فلسطينية يحتاج إلى دعم حماس. وهذا جزء من استراتيجيتنا لتقسيم الفلسطينيين بين أولئك الذين يعيشون في غزة وأولئك الذين يعيشون في يهودا والسامرة”. وترمز هذه الاستراتيجية إلى مستوى عميق من السخرية الكلبية في مناوراته السياسية.

عنف المستوطنين

في هذه الأثناء، وعلى الرغم من افتراضه أن “حماس” قد اشتُرِيت ولم تعد خطيرة كما كانت من قبل، فقد نقل جداره الحديدي إلى الضفة الغربية حيث كان عنف المستوطنين يصل إلى ذروته. ونشر الجيش الإسرائيلي 32 كتيبة تابعة للجيش الإسرائيلي هناك لحماية المستوطنين، في حين نشر كتيبتين فقط على طول حدود غزة. لقد كان في ذلك مزيج مسكر من السخرية واللامبالاة، جاء نتيجة نسيان تحذيرات جابوتنسكي، بأنه “طالما أن العرب يتمسكون بأدنى أمل في تحرير أنفسهم من وجودنا، فإنهم لن يتخلوا عن هذا الأمل مقابل مجرد المجاملات أو الضروريات الأساسية. إنهم ليسوا مجموعة غير منظمة، بل أمة نابضة بالحياة”.

 

شعب نابض بالحياة، مهما حاولتم قتلهم في كثير من الأحيان. بمجرد تجريد العدو من إنسانيته إلى الحد الذي وصل إليه المستوطنون الآن، واعتيادهم على قتلهم، فإنهم يخاطرون بالفشل في فهم آلامهم، أو حتى ملاحظة وجودها. مثل هذه الاستراتيجية تجعل من الصعب إدارة المظالم التي تخلقها وتديمها.
وقد أشار يوفال نوح هراري إلى هذه الاستراتيجية باسم “التعايش العنيف”. وهو استراتيجية تُعرف بشكل أكثر شيوعا بين الإسرائيليين بـ”إدارة الاحتلال”، أو “سياسة فرق تسد”، أو بشكل أكثر رسمية “المفهوم” (الكونسبتسيا). أدت هذه السياسة إلى زيادة دورات العنف في الأراضي المحتلة. والحال أنه منذ انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005، كانت هناك محاولات متعددة لمعالجة مشكلة “حماس” من خلال القصف العسكري، بلغت ذروتها في أحدثها وأكثرها دمارا وفشلا. غالبا ما تُنتقَد هذه الاستراتيجية لعدم فعاليتها، وهذا إن دل على شيء، فعلى أن مهندس “الكونسبتسيا” كان بعيدا عن امتلاك عبقرية شخص مثل آينشتاين.