منذ سقوط نظام بشّار الأسد، انصب تركيز القيادة الروسية على كيفية الحفاظ على القاعدتين العسكريتين في طرطوس واللاذقية، لكونهما موطئ روسيا على شرق البحر المتوسط ومنطقة الشرق الأدنى، ومنطلقاً للحفاظ على مصالحها في الإقليم، ومرفقاً لوجستياً محتملاً لمدّ وجودها العسكري في ليبيا وغيرها من المناطق التي تنشط فيها بالعتاد اللازم.
السلطات السورية الجديدة كانت منفتحة على حفاظ روسيا على قاعدتيها، وذلك لتحصيل مكاسب أخرى من خلال المفاوضات، مرتبطة برؤوس أموال نقلها الأسد إلى روسيا في وقت سابق، ومتعلقة أيضاً باستثمارات وصفقات تجارية قد تعقد بين سوريا وروسيا مستقبلاً، فكانت القاعدتان العسكريتان بمثابة ورقتين رابحتين للكرملين والإدارة السورية الجديدة.
في السياق، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، نقلاً عن مسؤولين أوروبيين وسوريين، أن مفاوضات سرية تجري بين موسكو والإدارة السورية الجديدة تشمل اتفاقاً للحفاظ على القواعد العسكرية الروسية، واحتمال تقديم روسيا اعتذاراً عن دورها في قصف المدنيين في سوريا، على أن يشمل الاتفاق مليارات الدولارات نقداً واستثمارات في الغاز والموانئ، وكذلك مناجم الفوسفات وحقول الهيدروكربون في منطقة تدمر.
الصحافي السوري إبراهيم مراد يتحدّث عن المكاسب التي قد تجنيها الإدارة السورية من العلاقة الإيجابية مع روسيا، فيذكر في مقدّمها حق موسكو بالفيتو في مجلس الأمن، والحفاظ على التوازن الدولي في ظل المحاولات التركية الحثيثة للتغلغل في المشهد السوري، ومكاسب تجارية في مجال الغاز وغيره من السلع، واحتمال إعادة الأموال السورية التي نقلت إلى روسيا.
بالتالي، قد تفضي المفاوضات إلى نتيجة تحصل فيها الإدارة السورية على مكاسب سياسية واقتصادية مقابل السماح لروسيا بالحفاظ على قواعدها، إلّا أن هذا الإجراء قد يصطدم برفض أوروبي في ظل تصاعد التوتر بين القارة العجوز والكرملين. لكن حسن سير العلاقات الروسية – الأميركية قد يشكّل دفعاً للمضي قدماً بهذا النوع من الاتفاقات.
في سياق متصل، أفادت وكالة رويترز، نقلاً عن 4 مصادر مطلعة، بأن إسرائيل تضغط على الولايات المتحدة للسماح لروسيا بالاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين هناك، بهدف إبقاء سوريا ضعيفة ومن قوة مركزية، ومواجهة النفوذ التركي المتزايد في البلاد. وأبلغ مسؤولون إسرائيليون واشنطن بأن “الحكام الإسلاميين” الجدد في سوريا، الذين تدعمهم أنقرة، يشكلون تهديداً لحدود إسرائيل.
مراد يرى خلال حديثه مع “النهار” أن وجود القواعد الروسية في سوريا يشكل، بشكل طبيعي، نقطة ضعف للإدارة السورية الجديدة؛ وإن كان يمكن للإدارة الجديدة أن تستفيد من هذه النقاط للحفاظ على توازن موقت في البلاد، فإن وجودها “لا يجب أن يستمر، سواء الروسية أو التركية، لأن وجودها يقوض السيادة والقرار الوطني السوري”، وفق مراد.
استمرار تواجد قواعد أجنبية ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بضعف الدولة المركزية، لكون عشرات الدول تستضيف قواعد عسكرية أجنبية وتتمتع بأنظمة قوية ومتماسكة. وفي الحالة السورية، فإن نفوذ روسيا في سوريا قد تراجع إلى أدنى مستوياته بعد سقوط الأسد، وروسيا غير قادرة على التأثير داخلياً أو حتى خارجياً على الإدارة الجديدة، وبالتالي قد لا تقوّض سيادتها.
في المحصلة، فإن الأنظار تتجه إلى المفاوضات السورية – الروسية الجديدة، وشكل العلاقة بين دمشق وموسكو بعد التغييرات الجذرية التي فرضتها المرحلة الأخيرة، وستشخض هذه الأنظار إلى الأثمان التي سيضطر حاكم الكرملين فلاديمير بوتين إلى دفعها للإدارة الجديدة، وإلى المكاسب التي ستحققها الأخيرة كما الخسائر التي ستدفعها، لقاء بقاء قاعدتين روسيتين شمالي سوريا.