سيزور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي المملكة العربية السعودية يوم الاثنين، قبل يوم واحد من محادثات مقررة بين كبار المسؤولين الأوكرانيين والأميركيين. وقال زيلينسكي إنه سيلتقي بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لمناقشة آفاق السلام. وسبق أن استقبل الأمير بن سلمان الرئيس الأوكراني سنة 2024 للبحث في الملف نفسه. ورحّبت وزارة الخارجية السعودية يوم الجمعة باستضافة اللقاء المقرر بين أميركا وأوكرانيا في جدة.
ساهمت السعودية في وساطات عدة لتبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا منذ فترة مبكرة من الحرب. وبفعل احتفاظ الرياض بعلاقات إيجابية مع الولايات المتحدة وروسيا، تمكنت من جمع كبار مسؤولي البلدين الشهر الماضي للتباحث في شروط السلام. لهذا السبب، تمثل المملكة وجهة منطقية لزيلينسكي بالنظر إلى قدرتها على لعب دور الوساطة مع إدارة ترامب كي يكون لكييف دور وازن في محادثات السلام. مع ذلك، لا تزال الطريق أمام أوكرانيا صعبة.
لا ثقة بزيلينسكي
يوم الخميس، نقلت “بوليتيكو” عن ثلاثة نواب أوكرانيين وخبير جمهوري في السياسة الخارجية قولهم إن مسؤولين بارزين من حلفاء ترامب عقدوا اجتماعاً مع زعيمة المعارضة الأوكرانية يوليا تيموشنكو. وتمحور النقاش حول ما إذا كانت أوكرانيا قادرة على إجراء انتخابات رئاسية سريعة. يخشى الأوكرانيون أن يكون هذا المطلب جزءاً من النقاط التي تطلبها روسيا من الولايات المتحدة، بعدما عجزت عن تغيير الحكم في كييف بالقوة العسكرية.
تعتقد الإدارة الجمهورية أن زيلينسكي سيخسر في حال إجراء انتخابات جديدة. وزير الكفاءة الحكومية إيلون ماسك كتب على منصته “أكس” أن “أوكرانيا بحاجة إلى تنظيم انتخابات”. وأضاف: “زيلينسكي سيخسر بفارق كبير”.
بسبب التعبئة والأحكام العرفية التي فرضتها أوكرانيا بعد الحرب، لا تستطيع البلاد إجراء انتخابات جديدة، بعدما انتهت ولاية زيلينسكي في أيار (مايو) الماضي.
تزامن كل ذلك مع قطع المساعدات العسكرية الأميركية الذي أعلنت عنه الإدارة في مطلع الأسبوع، عقب المشادة الكلامية العنيفة بين زيلينسكي من جهة، والرئيس الأميركي ونائبه دونالد ترامب وجيه دي فانس في البيت الأبيض من جهة أخرى. وأعلنت الإدارة أيضاً عن قطع تبادل المساعدات الاستخبارية مع كييف الأمر الذي يؤثر سلباً على العمليات العسكرية الأوكرانية في الميدان. وكانت “رويترز” قد أشارت في 23 شباط (فبراير) إلى أن واشنطن ستقطع شبكة “ستارلينك” عن أوكرانيا في حال رفضت اتفاقية الموارد المعدنية. وتنظر الإدارة في إمكانية حرمان 240 ألف أوكراني هربوا بسبب الحرب من إمكانية بقائهم الموقت في الولايات المتحدة.
تحول بطيء
بعد المشادة الكلامية، قال زيلينسكي إن بلاده لا تزال راغبة بالتوقيع على الاتفاقية. وأعرب الثلاثاء عن أسفه بسبب المشاجرة التي حصلت في البيت الأبيض مؤكداً أنه مستعد للعمل تحت “القيادة القوية للرئيس ترامب” لتحقيق السلام. وذكر ترامب أنه تلقى رسالة الاستعداد للسلام خلال كلمته أمام الكونغرس في اليوم نفسه. من جهته، لم يستبعد مدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف في مقابلة إعلامية الأربعاء التراجع عن تلك الخطوة. بدا أن الأمور تحلحلت نسبياً بعد الرسالة.
بحسب “أكسيوس”، تقرر الموعد بين المسؤولين الأميركيين والأوكرانيين يوم الأربعاء خلال اتصال هاتفي بين مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايك والتز ومدير مكتب زيلينسكي أندري يرماك. ومن المتوقع أن يضم الاجتماع موفد البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ووزير الخارجية ماركو روبيو بالإضافة إلى والتز. وهذا هو الوفد نفسه الذي شارك في الاجتماع الشهر الماضي مع المسؤولين الروس. ومن المتوقع أن يرأس يرماك الوفد الأوكراني. وقال ويتكوف إن فكرة الاجتماع المقبل ستكون الوصول إلى “إطار” لاتفاقية سلام ووقف أولي لإطلاق النار.
لقاء قد يكون مفصلياً
صحيح أن أجواء التهدئة تعود تدريجياً، لكن ليس جميع الأوكرانيين راضين عن رسالة زيلينسكي، إذ شبه البعض تلاوتها قرب المكتب الرئاسي بلحظة إعلانه أنه باقٍ في كييف بعد الغزو الروسي. لكن هذه المرة، ربما سلب ترامب زيلينسكي الرغبة الأساسية بمتابعة الحرب كما كان الأمر قبل ثلاثة أعوام، بحسب ما نقلته “بي بي سي” عن شخصيات أوكرانية. بالرغم من أن الرئيس الأوكراني حظي بدعم واسع في لندن حين اجتمع 18 زعيماً أوروبياً لمساندة أوكرانيا معنوياً ومادياً، مع تعهد بريطاني بمساعدة اقتصادية وعسكرية بـ 4.8 مليار دولار، حثه المجتمعون على فتح صفحة جديدة مع ترامب. كانت الرسالة بأنه لا يمكن لأوروبا وحدها مساعدة أوكرانيا من دون الولايات المتحدة.
وقال ترامب الخميس إنه سيكون في المملكة خلال الفترة نفسها للتوقيع على “صفقة تجارية” مع الرياض. في هذا الإطار، لم تستبعد صحيفة “كييف بوست” أن يتم التوقيع على اتفاقية المعادن النادرة في السعودية. وكانت هناك مؤشرات تفاؤل أخرى لأوكرانيا في هذا السياق، إذ قال وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إن تجميد المساعدات العسكرية كان وقفاً موقتاً بانتظار التزام أوكراني حقيقي بمسار نحو السلام. وأضاف أن البيت الأبيض “تَشجع جداً بالإشارات التي نراها”.
من ضمن هذه الإشارات، قال زيلينسكي بعد الاجتماع الأوروبي في بروكسل الخميس إن “على الحرب أن تتوقف في أسرع وقت ممكن، وإن أوكرانيا جاهزة للسلام على مدار الساعة مع الشركاء في أميركا وأوروبا للسلام”. وأضاف أن “الأولوية المطلقة” هي لتأسيس ومراقبة وقفٍ للأعمال العدوانية في الجو والبحر وتعليق قصف منشآت الطاقة والبنى التحتية المدنية.
فهل يطوي اجتماع الرياض صفحة الاجتماع العاصف في البيت الأبيض؟
تُعلّم التطورات الأوكرانية المراقبين تفادي التوقعات البعيدة المدى. الأكيد لغاية الآن أن نهاية الأسبوع الحالي تبدو أفضل نسبياً لأوكرانيا من بدايته.