مظلوم عبدي يدعو إلى ضرورة محاسبة مرتكبي أعمال العنف الطائفي.
استعراض يعكس فوضى وقلة احترافية الجيش الجديد
دمشق- أثارت تصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع، التي قال خلالها إن التصعيد الحالي مع العلويين كان متوقعا، استغراب الأوساط السياسية والإعلامية؛ حيث اعتبرها البعض سوء تقدير خاصة مع الإحصائيات التي تتحدث عن خسائر بشرية كبيرة، بينما ينظر إليها آخرون على أنها تنبؤ دقيق بما هو قادم، وهو ما يزيد في كلتا الحالتين القلق والتوتر في صفوف السوريين بدل تهدئة مخاوفهم.
وتزيد هذه الأحداث الدموية منسوب خوف بقية الأقليات، مثل المسيحيين والأكراد، من إمكانية أن يمتد التصعيد إليها في أي لحظة، خاصة في ظل بيئة سياسية هشة وانعدام الضمانات الأمنية، وهو ما عبرت عنه تصريحات قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي.
وتنطوي تصريحات الشرع على تبرير غير مباشر لما يحدث يبدو كما لو أن الهدف منه التطبيع مع الأزمة وإضفاء شرعية على الصراعات الطائفية، كما تشير أيضا إلى الرغبة في التقليل من حجم الأزمة التي تجاوز عدد ضحاياها ألف قتيل خلال يومين.
وأكد الشرع في فيديو نشر على الإنترنت، تحدث فيه فجر الأحد من أحد مساجد منطقة المزة في دمشق حيث نشأ، “اطمئنوا على هذا البلد فيه مقومات كثيرة إن شاء الله للبقاء،” وأوضح أن التطورات الحالية التي تشهدها البلاد تقع ضمن “التحديات المتوقعة”.
ويوحي وصف الأحداث الجارية بـ”المتوقعة” بعدم إدراك لحجم المأساة الإنسانية، وبأنه استخفاف بدماء الضحايا وعدم استيعاب لخطورة التصعيد الذي يهدد بتوسع رقعة العنف في البلاد.
في المقابل يخشى محللون أن يكون كلام الشرع تنبؤا دقيقا بما ستشهده سوريا مستقبلا، حيث يرى هؤلاء أن استمرار التصعيد الطائفي واتساع رقعة العنف قد يؤديان إلى موجة جديدة من الصراعات الأكثر دموية وتعقيدا، فالاحتقان المتزايد والمدفوع بالانتقام يهدد بتفتيت البلاد، إذ من غير المستبعد أن تتحول المواجهات المحدودة إلى نزاعات مفتوحة مع أكثر من أقلية، تمتد لسنوات.
ودعا قائد قوات سوريا الديمقراطية الأحد أحمد الشرع إلى ضرورة محاسبة مرتكبي أعمال العنف الطائفي في المناطق الساحلية، متهما الفصائل المدعومة من تركيا بالوقوف في المقام الأول وراء عمليات القتل.
وقال عبدي إن على الشرع التدخل لوقف “المجازر”، معتبرا أن الفصائل “التي لا تزال تدعمها تركيا والمتشددون الإسلاميون” هي المسؤولة بشكل رئيسي.
ولاحقا أعلنت الرئاسة السورية عن تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في الاشتباكات التي وقعت في منطقة الساحل.
كما دعا عبدي الشرع إلى “إعادة النظر في أسلوب تشكيل الجيش السوري الجديد وسلوك الفصائل المسلحة… التي لا تتبنى رؤية شاملة لحماية كافة السوريين.”
وأضاف أن “الانتهاكات التي ارتكبت تحت اسم الجيش السوري الجديد، خلقت لدينا قلقا مشروعا من أسلوب تشكيل الجيش السوري الجديد إذ يبدو واضحا أنه لا يعكس إرادة وطنية جامعة، بل يتم استغلاله من قبل بعض الفصائل كأداة لخلق نزاعات طائفية وتصفية حسابات داخلية، ما ينذر بتداعيات خطيرة على مستقبل البلاد وأمنها.”
وتعيق المعارك مع العلويين سعي الشرع لنزع السلاح وحصره بيد الدولة، ويجد الأكراد مثلا أنفسهم في موقف يجعلهم أكثر تمسكا بسلاحهم، فالأحداث الجارية تؤكد أن أي فصيل أو مجموعة لا يمتلكان قوة تحميهما سيكونان عرضة للاستهداف.
وصف الأحداث الجارية بـ”المتوقعة” يوحي بعدم إدراك حجم المأساة، وباستخفاف بدماء الضحايا وجهل بخطورة التصعيد
وبدأ التوتر الخميس في قرية ذات غالبية علويّة في ريف محافظة اللاذقية الساحلية على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، وما لبث أن تطوّر الأمر إلى اشتباكات بعد إطلاق مسلّحين علويين النار، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي تحدث منذ ذلك الحين عن حصول عمليات إعدام طالت المدنيين العلويين.
وكان المرصد قد أورد في أحدث حصيلة أن “745 مدنيا علويا قتلوا في مناطق الساحل السوري وجبال اللاذقية من جانب قوات الأمن ومجموعات رديفة” منذ الخميس، مشيرا إلى حدوث “إعدامات على أسس طائفية أو مناطقية.” وبلغت الحصيلة الإجمالية 1018 قتيلا على الأقل، من بينهم 273 عنصرا من قوات الأمن والمسلحين الموالين للأسد.
وشارك ناشطون والمرصد السوري الجمعة مقاطع فيديو تظهر العشرات من الجثث بملابس مدنية، بعضها مكدّس قرب بعض في باحة أمام منزل، وقرب عدد منها بقع دماء، بينما كانت نسوة يولولن في المكان.
وفي مقطع آخر يظهر مسلحون بلباس عسكري وهم يأمرون ثلاثة أشخاص بالزحف على الأرض، واحدا تلو آخر، قبل أن يطلقوا الرصاص عليهم من رشاشاتهم من مسافة قريبة. ويظهر في مقطع ثالث مقاتل بلباس عسكري يطلق الرصاص تباعا من مسافة قريبة على شاب بثياب مدنية في مدخل مبنى قبل أن يرديه قتيلا.
ويفيد سكان ومنظمات بين حين وآخر بحصول انتهاكات تشمل أعمالا انتقامية، من بينها مصادرة منازل أو تنفيذ إعدامات ميدانية وحوادث خطف، تُدرجها السلطات في إطار “حوادث فردية” وتتعهد بملاحقة المسؤولين عنها.
وروى سمير حيدر (67 عاما) أن “مجموعات مسلحة”، من بينها “عناصر أجنبية”، قتلت شقيقيه وابن أحدهما بإطلاق النار عليهم مع رجال آخرين.
وأكد الرجل اليساري الذي قضى أكثر من عقد من حياته في سجون النظام السابق، أنه لجأ في اللحظة الأخيرة إلى حيّ سنيّ في المدينة. وقال لفرانس برس “لو تأخرت خمس دقائق لكنت في عداد الموتى (…) لقد أُنقذنا في الدقائق الأخيرة.”
والأحد أعلنت وزارة الداخلية إرسال تعزيزات إضافية إلى منطقة القدموس بريف طرطوس، بهدف ضبط الأمن وتعزيز الاستقرار وإعادة الهدوء إلى المنطقة.
وقالت الوزارة إنه استمرارا لجهودها في تعزيز الأمن وإرساء الاستقرار “تجري إدارة الأمن العام عمليات تمشيط في منطقة القدموس والقرى المحيطة بها بريف طرطوس، بهدف ملاحقة ما تبقى من فلول النظام البائد.”
من جهتها أوردت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) نقلا عن مصدر في وزارة الدفاع قوله “تجري الآن اشتباكات عنيفة بمحيط قرية تعنيتا بريف طرطوس، حيث فر إليها العديد من مجرمي الحرب التابعين لنظام الأسد البائد ومجموعات من الفلول المسلحة التي تحميهم.”
وأفادت تقارير صحفية بدخول رتل مسلّح إلى منطقة بسنادا في محافظة اللاذقية وحصول “تفتيش للبيوت”.