أحداث الأيام الأخيرة، هي أكبر تحدٍّ للسلطات السورية الجديدة التي سبق أن وعدت بالانتقال من منطق الفصائل المسلحة إلى منطق الدولة والمؤسسات. وأعداد الضحايا تشير إلى سياق يتجاوز “الانتهاكات الفردية” بحسب البيانات الرسمية، إلى ارتكاب “مذابح طائفية”.
”
أبرز اشتعال الساحل في سوريا، أن هذا البلد لا يزال تحت تأثير الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2011، وأن خطر التفتّت إلى دويلات على أساس ديني وعرقي، لا يزال ماثلاً، ويتغذى من احتدام الصراع على النفوذ بين تركيا وإسرائيل.
أحداث الأيام الأخيرة، هي أكبر تحدٍّ للسلطات السورية الجديدة التي سبق أن وعدت بالانتقال من منطق الفصائل المسلحة إلى منطق الدولة والمؤسسات. وأعداد الضحايا تشير إلى سياق يتجاوز “الانتهاكات الفردية” بحسب البيانات الرسمية، إلى ارتكاب “مذابح طائفية” وفق وصف مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن.
ما جرى في اللاذقية وطرطوس، يجعل الأنظار مصوّبة أكثر إلى مستقبل الأقليات في ظلّ النظام الجديد، وبديهي أن تتعزز في مثل هذه الحال المطالبات بحكم فيدرالي، من طوائف وعرقيات معينة.
والأدهى من كل ذلك، أن إسرائيل التي تدّعي حماية الأقليات الدينية والعرقية، ستجد في هذه الأحداث تبريراً لادعاءاتها ولتوسيع احتلالها في الجنوب السوري. أما تركيا فتقف خلف الحكم الجديد، وترى أنه نجح في إجهاض محاولة انقلابية منسّقة من فلول النظام السابق.
تقول إسرائيل صراحة إن سوريا يجب أن تكون دولة فيدرالية، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجّه تحذيراً مباشراً إلى دمشق، من مغبّة دخول قوات الأمن التابعة للسلطات السورية الجديدة، إلى جرمانا في ضواحي العاصمة الأسبوع الماضي.
أما الغرب، فوضع مسألة تشكيل حكومة سورية “شاملة” لكل المكوّنات السورية، معياراً للتعامل مع النظام الجديد. وكانت أوروبا أكثر تساهلاً من أميركا التي لم تبح بعد بسياستها حيال دمشق. ورفع الاتحاد الأوروبي معظم العقوبات التي كان قد فرضها على نظام الأسد، فيما العقوبات الأميركية الرئيسية وبينها “قانون قيصر” لا تزال سارية.
انفلات العنف الطائفي في جبلة وبانياس ومناطق محيطة في منطقة تمركز العلويين في سوريا، الذي يرقى لأن يكون أسوأ أعمال عنف منذ سنوات في صراع أهلي مستمر منذ 13 عاماً، وفق المرصد السوري، سيكون موضع تمحيص دقيق من واشنطن، وقد يؤخر رفع العقوبات الأميركية. هذه العقوبات التي تحول حتى الآن، دون إقدام العديد من الدول على تقديم المساعدات اللازمة لسوريا، وتزيد من الضائقة المعيشية للسوريين. وحدها روسيا تجرّأت على إرسال كمّية من النقد إلى دمشق قبل أيام، لأن موسكو لا تلتزم العقوبات الأميركية.
وفي الداخل، بعثت الأحداث برسالة غير مطمئنة إلى أكراد سوريا، الذين يرفضون العودة إلى الحكم المركزي. ومعلوم أن “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) رفضت حلّ نفسها والاندماج في الجيش السوري الجاري إنشاؤه، على رغم الضغوط التركية في هذا المجال، واستصدار أمرٍ من الزعيم التاريخي لـ”حزب العمال الكردستاني” عبدالله أوجلان المسجون في تركيا، “لكل المجموعات” الكردية بإلقاء السلاح. وتسعى أنقرة إلى سحب دعوة أوجلان على “قسد”، الأمر الذي رفضه قائد التنظيم مظلوم عبدي، رفضاً مطلقاً.
لا يكفي إلقاء اللوم على تدخلات خارجية أو على العناصر “غير المنضبطة”، لتبرير القتل الطائفي، فيما السلطات الجديدة، على رغم حداثة وجودها في الحكم، مطلوب منها إثبات أنها تبني دولة وتلتزم العدالة الانتقالية.
والفوضى في سوريا لا تهدّد سوريا وحدها، بل تهدّد الجوار أيضاً، على غرار ما حدث بعد 2011، عندما تأثر لبنان والأردن والعراق وتركيا بانفجار الحرب الأهلية التي تسبّبت، عدا عن مئات آلاف الضحايا، بتشريد نحو 6 ملايين سوري، إلى هذه الدول.
كل ذلك يضع دمشق أمام تعقيدات جديدة، ويثير المزيد من التساؤلات حول أيّ مستقبل ينتظر سوريا؟