لا يُخفى على أحد أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تستخدم أسلوب “العصا والجزرة” مع إيران على خلفية برنامجها النووي، لكن من المؤكّد أن ترامب بدأ بممارسة الضغط الأقصى من خلال العقوبات، لإجبار إيران على الجلوس الى طاولة حوار مع الولايات المتحدة والتراجع عن برنامجها النووي العسكري، إلا أنه لم يستبعد الخيار العسكري إذا لم ترضخ إيران للشروط الأميركية.
لا شك في أن ترامب يفضّل المفاوضات والحل السلمي، وهو بشّر في حملته الانتخابية بنشر السلام ونبذ الحروب، لكن لا يبدو أن ايران مستعدة للتفاوض، لذلك صدرت مذكرة الأمن القومي لترامب، داعية وزارة الخزانة إلى “فرض أقصى قدر من الضغط الاقتصادي”، والذي يشمل “حملة تهدف إلى دفع صادرات النفط الايرانية إلى الصفر” وإلغاء الاعفاءات القائمة من العقوبات.
وعلى الرغم من امتعاض المرشد الأعلى الايراني علي خامنئي من تدابير الولايات المتحدة الجديدة، لم يأمر الرئيس الايراني مسعود بزشكيان بالامتناع عن التعامل مع إدارة ترامب، ما يشير إلى أنه لا يزال هناك مجال للديبلوماسية.
أما الأخطر فهو وصول تقارير استخباراتية إلى الولايات المتحدة تشير إلى أن العلماء الايرانيين يستكشفون خيارات لبناء سلاح نووي بدائي بسرعة. وقد أفاد المسؤولون الأميركيون في الماضي بأن الأمر قد يستغرق من إيران من 12 إلى 18 شهراً لتطوير رأس نووي قادر على حمله عبر صاروخ باليستي.
واللافت أن ترامب ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو متفقان تماماً على هدف منع إيران من التسلح النووي ويعتمدان على الضغط الأقصى لتحقيقه، لكن صانعي السياسات الأميركية المحيطين بترامب، لا يستسيغون الوسائل الديبلوماسية ويدعون إلى توجيه ضربات مباشرة ضد البرنامج النووي الايراني. وهذا ما عبّر عنه السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الذي يرى أن الوقت حان “لتدمير البرنامج النووي الايراني”.
ويلفت مدير السياسات في منظمة أميركية ضد إيران النووية إلى أن ايران تواجه سياسة ترامب التصعيدية بقرار توسيع برنامج تخصيب اليورانيوم، الذي يهدف إلى كسب النفوذ وتجميع الأوراق قبل أي مفاوضات مع إدارة ترامب.
لذلك يؤمن الرئيس الأميركي بأن الحل الديبلوماسي لا يزال وارداً، وهو لم يمنح بعد موافقته لإسرائيل على شن ضربات عسكرية ضد إيران- كما يشير مدير السياسات في المنظمة الأميركية- فمن غير الواقعي أن نتوقع مثل هذه الخطوة من ترامب وخصوصاً أنه لا يزال في بداية عهده، وهو يرى أنه لم يستنفد بعد الطرق الديبلوماسية وما يتوافر بين يديه من عقوبات شديدة التأثير. فترامب يحتاج إلى وقت لترتيب الوضع الاقتصادي الأميركي، وربما تكون أولويته إنهاء الحرب الأوكرانية-الروسية، ثم الانصراف إلى تأمين الشرعية الدولية والدعم للعمل العسكري ضد ايران إذا أصبح ضرورياً. ويؤكد مدير السياسات في منظمة ضد ايران النووية أن ترامب رجل أعمال سيترك مساراً مفتوحاً للديبلوماسية حتى يتمكّن من إلقاء اللوم على طهران في حالة فشل المفاوضات وتأمين الدعم السياسي من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها.
لكن كلمة حق تُقال بأن كل الدلائل تشير إلى أن الولايات المتحدة وإيران تتجهان نحو المواجهة، ويوضح المدير في المنظمة الأميركية أن الديبلومسيّة لم تؤدِ يوماً إلى الحل المنشود مع إيران، فإدارة الرئيس جو بايدن كانت أكثر مرونة واعتدالاً من سياسة إدارة ترامب، ولم تتراجع إيران في الملف النووي قيد أنملة، على الرغم من إضعافها بسبب سلسلة عمليات اغتيال قادة وعلماء وتدهور جزء من دفاعاتها الجوية وقدراتها الصاروخية.
ومؤخراً، ألقى خامنئي تصريحات عامة حذر فيها من المفاوضات مع إدارة ترامب، قائلاً: “لا ينبغي للمرء أن يتفاوض مع حكومة مثل هذه”. واعتبر أن “التفاوض غير حكيم وغير ذكي وغير مشرّف”. إلا أن السلطات الايرانية تمارس هذه السياسة منذ أعوام طويلة، فيتوزّع مسؤولوها الأدوار، المرشد الأعلى يصعّد والرئيس بزشكيان يُمارس التقيّة ويترك المجال مفتوحاً للتفاوض وإن بطريقة غير مباشرة، والهدف من هذه الازدواجية كسب الوقت حتى تنتهي ولاية ترامب ويعود الديموقراطيون إلى البيت الأبيض.
من الواضح أن ترامب يعرف جيداً “الصبر” الاستراتيجي الايراني، وسيكون بالمرصاد لأي محاولة ابتزاز ايرانية، وبالتالي خطته التصعيدية متدرجة وتمهّد الطريق للمواجهة العسكرية، وليس للتوصل إلى اتفاق.
لكن التحوّل الأميركي في ما يتعلّق بالحرب الروسية-الأوكرانية، قد يخلط الأوراق مجدداً، وفق مدير السياسات ضد ايران النووية، ولا شيء مستبعداً بأن يستفيد ترامب من علاقته الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحل الأزمة مع ايران، وبالفعل أعربت موسكو عن اهتمامها بالتوسط في اتفاق نووي جديد مع ايران. وهي قد تشكّل مخرجاً للنظام الايراني لتفادي أي حرب مع الولايات المتحدة، لأنه سيخرج منه بهزيمة تاريخية، وخصوصاً أن ايران دولة كبيرة ومتنوعة ذات أعراق متعددة قد تتفتت وتصبح دويلات متناحرة على غرار العراق في العام 2006.