أحداث الساحل السوري تكشف خللاً خطيراً: الفصائل تعمل منفردة ولا بنية موحّدة للجيش (فيديو)
في خطوة لافتة، سارعت قيادة “فرقة العمشات” والتي تحمل رسمياً إسم الفرقة 62 إلى إصدار بيان ذكرت فيه أن مشاركتها في العملية العسكرية جاءت بناء على أوامر من وزارة الدفاع.
لم تكن المجازر الدموية هي السمة الوحيدة التي كشفت عنها العملية العسكرية التي أطلقتها وزارة الدفاع في حكومة تصريف الأعمال، الخميس، للرد على مغامرة العميد غياث دلّا. فقد كشفت هذه العملية الواسعة أيضاً عن خلل بنيوي في هيكلة وزارة الدفاع نفسها. وسلطت الأضواء على عدم اندماج الفصائل بشكل مؤسساتي ضمن جيش واحد كما أعلن سابقاً، بل ظهرت الفصائل كأنها تعمل ككيانات منفصلة في أكثر من مناسبة وبأكثر من طريقة.
في البداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنه منذ سيطرة غياث دلّا على أرياف الساحل بعد إعلانه تشكيل “المجلس العسكري لتحرير سوريا”، صدرت دعوات فردية وجماعية من محافظات عدة تدعو إلى النفير العام باسم الجهاد. ومعظم هذه الدعوات وثّقها أصحابها بمقاطع فيديو أظهرت استجابة آلاف المدنيين للدعوة من أجل القتال في الساحل.
وتحيل هذه الفورة الشعبية إلى أمرين: إما إلى افتقار وزارة الدفاع السورية إلى العديد الكافي في تشكيلاتها العسكرية للتصدي لهجوم المجلس العسكري، أو أن وزارة الدفاع لا تملك القرار المركزي في الحرب، بحيث يكون بمقدور أي جهة أن تعلن مشاركتها في المعركة بعد تشكيل قوات شعبية بشكل عشوائي.
ومن نافلة القول أن هذه الثغرة كانت أحد الأسباب الجوهرية التي أدت إلى تصاعد العنف في الساحل وصولاً إلى وقوع أكثر من 40 مجزرة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. فقد تصرفت المجموعات الشعبية بطريقة منفلتة من أي ضوابط قانونية أو إنسانية، وهو ما أقرت به وزارة الدفاع عندما بررت التجاوزات الأولى قبل أن تتطور إلى مجازر كبيرة بأنها نتيجة مشاركة مجموعات شعبية.
وليست هذه النقطة السلبية الوحيدة التي تكشفت في عمل وزارة الدفاع السورية، بل ثمة نقاط أخرى كثيرة قد يكون أهمها غياب الإطار المؤسساتي الصارم لعمل مؤسسة الجيش، وهو ما تجلى فعلياً من خلال تحرك فصائل أو أرتال عسكرية بين المناطق في أرياف الساحل مرتكبة أفظع الانتهاكات والتجاوزات بحق المدنيين والأملاك والمباني من دون معرفة تبعية هذه الأرتال وممن تأخذ قرار التحرك.
وقد انتشرت مقاطع فيديو عدة نسب المتحدثون فيها، وبعضهم عناصر في الجيش أو الأمن، تبعية الأرتال التي ارتكبت المجازر إلى فرقتي “العمشات” و”الحمزات”، وهو ما تحول خلال اليومين الماضيين إلى اعتقاد سائد حتى لدى غالبية المواطنين في الساحل الذين أصبح اسم “العمشات” عندهم يضاهي الكابوس.
وفي خطوة لافتة، سارعت قيادة “فرقة العمشات” والتي تحمل رسمياً اسم الفرقة 62 إلى إصدار بيان ذكرت فيه أن مشاركتها في العملية العسكرية جاءت بناء على أوامر من وزارة الدفاع، وأنها عملت ضمن المحاور المحددة لها ولم تدخل إلى جبلة وبانياس وطرطوس، أي المناطق التي شهدت النسبة الكبيرة من المجازر. ولا شك في أن قيادة الفرقة أرادت من خلال ذلك تبرئة نفسها من التهمة التي ألصقت بها خلال اليومين الماضيين، لا سيما بعد تشكيل الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لجنة تحقيق في أحداث الساحل.
ومن الناحية المؤسساتية بدا من غير المتعارف عليه أن تقوم فرقة في أي جيش بإصدار بيان خاص باسمها، إذ ينبغي أن تكون هذه مهمة وزارة الدفاع أو ناطق رسمي باسمها.
لكن ما هو أهم من ذلك أن النفي الصادر عن قيادة “العمشات” ترك السؤال حول الفصائل المنفلتة والأرتال الغامضة مفتوحاً ومن دون أي جواب، وهو ما يعني وجود فصائل أو مجموعات مسلحة تعمل من تلقاء ذاتها ومن دون أوامر عسكرية من وزارة الدفاع.
ويتناقض ذلك مع ما أعلنه وزير الدفاع اللواء مرهف أبو قصرة الشهر الماضي عن موافقة كل الفصائل على الاندماج بالوزارة ضمن جيش واحد.
وفي دلالة إلى هشاشة المؤسسة العسكرية الجديدة وعدم قيام عملية اندماج الفصائل فيها على أسس صحيحة، تبين منذ اللحظة الأولى للهجوم الذي أعلنه غياث دلا أن كل فصيل من الفصائل أصبح يستخدم اسم فصيله الخاص وليس الجيش السوري، وقد ظهر ذلك في مرحلة الاستعداد والنفير، ثم في مرحلة النشاط العسكري على محاور الاشتباكات. وحتى قيادة الفرقة 62 التي أصدرت النفي السابق لم تنس ذكر لقبها “العمشات” مرادفاً لرقم الفرقة.
وليست هذه ملاحظة هامشية، خصوصاً عند الإشارة إلى اسمي القائدين اللذين يقودان الفرقة 62، فهما نفساهما كانا يقودان فرقة “العمشات” أو كما كانت تعرف باسم “السلطان سليمان شاه”، وهما محمد الجاسم أبو عمشة باعتباره القائد العام للفرقة، وشقيقه فادي الجاسم بصفته القائد العسكري لها.
وطالما أن البيان ذكر أن الفرقة تُلقب بـ”العمشات”، فهذا يعني أن ما حصل عملياً هو مجرد تغيير اسم الفرقة وإعطائها اسماً جديداً، بينما قيادتها وعناصرها وتشكيلاتها ظلت كما هي، كما أنها على ما يبدو تملك هامشاً من الاستقلالية أتاح لها على الأقل إصدار بيان خاص بها.