في العاشر من آذار عام 2025 أُبرِمت بالخطوط العريضة و في عرف بروتوكولي رسمي اتفاقية تاريخية بين إدارة شمال شرق سوريا و الحكومة المؤقتة في دمشق , وقع عليها كل من الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع و قائد قوات سوريا الديمقراطية الجنرال مظلوم عبدي , و قد تم ذلك بحضور شهود و وسطاء دوليين …..
هكذا سيسجل في كتب التاريخ .
الاتفاق – من وجهة نظري – هو مبدئي و بالخطوط العريضة , بنوده هي خلاصة النقاشات التي تمت في أكثر من لقاء ستتحول الى تفاصيل من خلال لجان متخصصة محكومة بسقف زمني مذكور في الاتفاق نفسه .
قد تسير الأمور بسلاسة و قد تتعثر في التفاصيل لكنها في جميع الأحوال وثيقة مهمة جداً بمعناها و طابعها البروتوكولي الرسمي بين طرفين نِدّين مع تسجيل ملاحظة سالبة هنا هي : تزامن التوقيع مع مجازر الساحل السوري التي هي محل سخط و إدانة رغم أن الاتفاق جاهز منذ شهر على الأقل كما تقول التسريبات .
لا أخفي سعادتي ككردي و كسوري من رؤية الأطراف السورية تُغلِّب لغة الحوار و التفاوض على لغة التصعيد و العنف, تتفاوض و تتصافح .. بغض النظر عن ملاحظاتي على هذا و ذاك ,عن خطاب و سلوكيات هذا الطرف أو ذاك .
على الصعيد الوطني , يشكل الاتفاق (اذا صدقت النوايا ) علامة فارقة و محطة تاريخية في حياة السوريين , إذ سيوثّق عُرى الشراكة و يعزز مفهوم الوطنية , سيسرع من وتيرة النهوض , سيضع حدا للشكوك بنوايا “الكرد” و “قسد” و سيُحرج المحرضين و تجار الكلام , العنصريين و المتطرفين , سيخفف من لهجة العداء المستشرية بين المكونات السورية و يعزز لغة الحوار و يضخ في الشارع الوطني دفأ و أملا بعد عقد ونصف من الدمار و الانكسار…
على الصعيد الكردي : يعد هذا الاتفاق أول وثيقة رسمية مزيّلة بتوقيع رئيس للجمهورية , تُقرّ بخصوصية الكرد السوريين و تضمن كامل حقوقهم الدستورية , فهي من حيث المردود السياسي ترتقي إلى سوية إتفاق الحكم الذاتي لكردستان العراق الموقع بين صدام حسين و الملا مصطفى البارزاني عام 1970 و الصدفة أنه كان في 11آذار , يدعو الاتفاق أيضاً إلى تيسير و ضمان إعادة المهجرين الكرد إلى مدنهم و قراهم و هذا يعني إفشال جزئي على الأقل لمشروع التغيير الديمغرافي الذي دأبت تركيا خلال السنوات الماضية على تنفيذه , تعزيز شعور الانتماء السوري لدى الكردي و إعادة الاعتبار لشخصيته التي تعرضت للطعن و الإساءة على مدار عقود في الخطاب الرسمي كما في فضاءات نخبوية خارج السلطة…. ناهيكم عن أن الاتفاق سيغلق باب الحروب و يضع حداً للتهديدات التركية بالاجتياح مع تسجيل ملاحظة هنا هي أن الجنرال مظلوم يخوض معركة تقرير المصير بمفرده أيضاً , أو بمعية دائرته الضيقة , كأية معركة عسكرية , ربما يبلي فيها حسناً أيضاً , لكن دقة المرحلة كانت تقتضي الاستفادة من استشارات سياسية و قانونية ضمن الدائرة الكردية الأوسع بل و مرجعية يعود إليها.
على صعيد الحكومة الانتقالية في دمشق , يعد الاتفاق انتصاراً لعقلية الدولة على عقلية العصبيات و الفصائلية , يضمن عودة ثلث مساحة سوريا و سلة غذاء السوريين للالتحام مع الكل , إلى التابعية للمركز بأقل الخسائر ( و هذا يسجل للفريق الحاكم ) بعد انقطاع دام أكثر من عقد من السنين , الاتفاق مع قسد و الكرد سيسهل مفاوضات دمشق مع أهلنا في السويداء و الجنوب و لاحقا مع أهل الساحل إضافة إلى أن التوقيع على هذا الاتفاق و في هذا التوقيت قد يخفف السهام الموجهة من دول العالم و المنظمات الإنسانية للرئيس الشرع نفسه و لأركان حكمه بعد مغامرتهم غير المحسوبة في الساحل و الجرائم التي ارتكبتها حشودهم غير المنضبطة ضد المدنيين منذ ايام .
نعتقد أن جميع الأطراف مستفيدة من الاتفاق رغم وجود ثغرة هنا و عبارة مبهمة هناك و أن الشهور القادمة كفيلة برسم التفاصيل التي نتمنى ألا تكون مخيبة .