-حيث إن الدستور أب القوانين، ومن جعبته تخرج كل القوانين بالتوافق معه لتنظم كل أوجه الحياة في المجتمع. لذا يجب أن يتم اعداده بروية وليس خلال عشرة أيام. وأن يتم إعداده من قبل جهابذة القانون الدستوري والمدني والجزائي والشرعي المشهود لهم بالخبرة الدستورية والفقه القانوني، وبالتشارك مع ممثلي المجتمع وقواه السياسية والمدنية، ممن يتوافق الشعب عليهم. وهذا لم يتحقق في أعضاء لجنة الصياغة، مما شكّل مساس بمبدأ الديمقراطية الذي غاب فعلاً من نص المادة 2 من هذا الدستور، الأمر الذي يؤكد رغبة لجنة الصياغة في عدم الأخذ بمبدأ الديمقراطية في الحياة السورية.
2- وحيث أن الدستور هو الناظم لحقوق المواطنين/ت وحرياتهم/ن، ممن يحملون/ يحملّن جنسية الدولة، على اختلاف انتماءاتهم الدينية والقومية والعرقية والإثنية، لذا كان من المستحسن الإبقاء على الصيغة القديمة بأن “الشريعة الإسلامية مصدر رئيس للتشريع”، وعدم التأكيد على ال التعريف بالنص “الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع”، لأن ذلك يمنع المشرع القانوني من الاستعانة بمصادر التشريع الأخرى، كمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والذي كانت سورية من أولى الدول التي وقعت عليه، باعتباره احد المصادر التي تمكّن المشرع من البناء على تلك المبادئ في صياغة النصوص الناظمة خاصة في باب الحقوق والحريات، بكل ما تتضمنه تلك المبادئ من حقوق المواطنة المتساوية غير المنقوصة لجميع أبناء الوطن الواحد وفي كل مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والاجتماعية، وهو الأمر الذي يمكن معه الحدّ من مشاعر الإقصاء والتهميش والاحتقان الطائفي التي عانى منها المجتمع السوري لأكثر من نصف قرن، أودت به إلى حرب أهلية استمرت لأكثر من 14 عاماً، دُمّرت خلالها علاقاته الإنسانية ومُزّقت لحمته المجتمعية، وزادت من حدة الاستبداد الدموي بمواجهته.
ثم أن الأخذ بمبدأ “الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع”، سوف يلزم المشرع بإضفاء صفة الأحكام الشرعية الإسلامية ونواظمها على كل القوانين الوضعية وفي كافة المجالات القانونية، من قانون الجنسية، أو القانون المدني، أو الجزائي، أو الشرعي، أو حتى قانون العمل، وإخضاع كل مكونات المجتمع السوري لمضامينها. الأمر الذي يشكّل مساساً دستورياً بحيادية الدولة تجاه كافة أبنائها. وبالتالي سيزيد من التهميش والاقصاء والاحتقان لدى البعض من المكونات المجتمعية، وقد يدفع بالبلد إلى مزيد من الاقتتال الطائفي أو الإثني أو القومي.
3- ورد في نص المادة 2 “إن الدستور يؤسس لنظام سياسي يرتكز على مبدأ الفصل بين السلطات”، وهذا يفيد أولا: عدم تحديد شكل نظام الحكم، هل هو نظام رئاسي أم برلماني أم مختلط. لكن الأهم يكّمن في عبارة “الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات” إذ أن حقيقة الأمر تؤكد غير ذلك، حيث نصت لجنة الصياغة على حصر السلطات في يد رئيس الجمهورية، فهو رئيس السلطة التنفيذية والقائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة، وهو من يعين أعضاء الحكومة ويقيلهم. وهو أيضاً من يعيين ثلث أعضاء مجلس الشعب، ويعين لجنة لاختيار الثلثين الباقين من أعضاء السلطة التشريعية (مجلس الشعب)، وبهذا تكون السلطة التشريعية قد تحولت إلى أحد أجهزة السلطة التنفيذية، وتتبع مباشرة لرئيس الجمهورية بصفته رئيس السلطة التنفيذية.
كما نصت اللجنة في المادة 47 على منح رئيس الجمهورية صلاحية حلّ المحكمة الدستورية وحق تعيين قضاة المحكمة الدستورية الجديدة…، بحيث نعود إلى ما كانت عليه المحكمة الدستورية في عهد النظام السابق مجرّدة من أية استقلالية وحيادية ونزاهة، بسبب تابعيتها لمن عيّن قضاتها، الا وهو رئيس الجمهورية، مما حال سابقاً وسيحول لاحقاً من قيام المحكمة بمهامها الدستورية وأولها الرقابة على دستورية القوانين، بالإضافة إلى مهمة الحق في مساءلة رئيس الجمهورية ومحاسبته في حال ارتكابه مخالفة للدستور والقانون، الأمر الذي يفيد تابعية السلطة القضائية للسلطة التنفيذية بما يضمن حماية الرئيس من أي مساءلة قانونية، وحماية النص القانوني من أي رقابة دستورية.
4- أكدت مواد الدستور على “ضمان الدولة حرية التعبير والرأي والإعلام والنشر والصحافة”، … وعلى “ضمان حق المشاركة السياسية وتشكيل الأحزاب”… على أن تُمارس هذه الحقوق بما يضمن حماية النظام العام واحترام حقوق الآخرين، وبما لا يتعارض والقانون الذي سيصدر لتنظيمها. وهذه أولاً عبارات تفسح المجال للكثير من الاجتهاد، إذ يمكن اعتبار أي تعبير عن الرأي وبأي وسيلة كانت هو عمل مخالف للنظام العام. كما أن النص على تعطيل العمل بتلك الحقوق لحين صدور القانون الناظم لها دون تحديد المدة أو المحتوى، يعدّ ذلك انتهاك لحقوق الإنسان الأساسية وفق مبادئ الشرعة الدولية لحقوق الإنسان والعهود المنبثقة عنها.
5- كما نصت المادة 15 على أن “تصون الدولة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وفق المواثيق والأعراف الإنسانية”. أي أن الدولة لا تصون هذه الحقوق وفقاً للمواثيق والأعراف الدولية، وإنما وفقاً للمبادئ القائمة على حسن الجوار ولهفة المظلوم ومساعدة المحتاج، وفي ذلك انتهاك لمبادئ حرية وحقوق الإنسان الأساسية وأهمها حقه في الحياة والحرية والأمان الشخصي والكرامة الإنسانية المنصوص عليها في الصكوك الدولية. وبالتالي سيصبح من الجائز دستورياً، تعرض حياة الأبرياء- على اختلاف انتماءاتهم وأجناسهم ودياناتهم- للخطر وانتهاك أمنهم وسلامتهم.
بناء على كل ذلك نقول: إن افتقاد لجنة الصياغة إلى الخبرات الدستورية والفقه القانوني، وافتقادها للتشاركية، والغياب الفعلي لمبدأ فصل السلطات وغياب مبدأ الديمقراطية، وغياب مبدأ المواطنة المتساوية غير المنقوصة بما في ذلك غياب الضمانات الحقيقية للحريات والحقوق الأساسية، بالإضافة إلى النص على مبدأ “التشريع الإسلامي هو المصدر الرئيسي للدستور”، كل ذلك لن يعيد اللّحمة إلى المجتمع السوري، بل على العكس تماما، سيزيد من التهميش والإقصاء وسيرفع حدة الاحتقان الطائفي السائد حالياً، إلى درجة قد يؤدي لنزاعات أو حرب أهلية جديدة، ربما تتضمّن أو تؤدي إلى إبادة جماعية.
لهذا كله فأنا أدعو جميع السوريين/ت، في الداخل وفي الخارج، من وطنيين ووطنيات إلى الانضمام إلى حملة “ملاحظات جدّية من أجل دستور مؤقت يمثلنا جميعاً”، والمطالبة باستبداله بدستور 1950 كدستور مؤقت، ريثما تتم صياغة دستور جديد لسورية جديدة فعلاً، دستور يلبي احتياجات الشعب السوري وتطلعاتهم إلى مجتمع يعيش فيه الجميع أحرار كرماء متساوون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الدين، أو الجنس، أو اللون، أو العمر، أو الحالة الاجتماعية، أو الصحية، أو الأيديولوجية.
alsafina.net
