الخوفُ واجبٌ من جرِّ (أو إنجرار) لبنان الى مفاوضات سلام مع العدو الإسرائيلي، لكنه سابق لأوانه بعض الشيء. الخطرٌ موجودٌ طبعاً، غير أن تحويله الى خطة عمل إسرائيلية-أميركية، وبالتالي الى عبوة ناسفة للاستقراراللبناني النسبي، ما زال يتطلب توفر الكثير من الشروط الصعبة، التي لم يستطع العدو فرضها في اعقاب غزوه للبنان في العام 1982، ولن يستطيع طرحها في ضوء الحرب المتواصلة منذ خريف العام 2023.
الفكرة واردة في واشنطن وتل ابيب، لكن، حتى الآن، كنظرية فقط، يجري تداولها وترويجها من قبل بعض أصحاب النوايا السيئة، والآراء المتطرفة، من الجانبين الأميركي والإسرائيلي، الذين لا يدركون عواقب هذا الطرح على الداخل اللبناني، وما يمكن ان يثيره من اضطرابات غير محمودة، ولا يتذكرون التجارب الأميركية والإسرائيلية المريرة مع لبنان وانقساماته العميقة التي لم تتبدل كثيرا، منذ نصف قرن مضى او أكثر.
ليس هناك طموح رسمي أميركي أو إسرائيلي في تجديد تلك التجارب، التي كانت وستظل تستدعي إنتشاراً عسكرياً للقوات الإسرائيلية والأميركية على معظم الأراضي اللبنانية. في واشنطن وتل ابيب، وربما بيروت، ثمة من يحاول ان يستكشف الفرص والآفاق البعيدة المدى، لمثل هذا الاحتمال، من دون إدراجه صراحة في مشاريع “التسوية” المطروحة على الفلسطينيين، ولا في مشاريع السلام المقترحة على السعودية وغيرها من دول الخليج. يمكن العثور، في عملية الاستكشاف هذه على سياق واحد يربط المسار اللبناني، بالمسار السوري وحده، من دون أي تفصيل او تأويل، سوى أنهما يشكلان الجبهة الشمالية المتوترة لدولة إسرائيل.
ولا حاجة الى أدلة للتأكد من أن الاختراق الإسرائيلي المتصاعد لسوريا، سواء عسكرياً او سياسياً او حتى إجتماعياً، بات بلا أدنى شك، أكبر وأخطر وأبعد مدى من الانتهاك الإسرائيلي المتواصل للمجال اللبناني، الذي لو بلغ الحد الذي يتعرض له الاشقاء السوريون، لوجب قرع أجراس الإنذار اللبنانية، والاستعداد لمرحلة أسوأ من الحرب الإسرائيلية الراهنة.. مع الاخذ بالاعتبار الرغبة الإسرائيلية الواضحة باختبار فرص التعامل مع الحكام الجدد في دمشق، وفق قواعد جديدة لاتفاق فصل القوات الذي ظل سائداً على جبهة الجولان منذ العام 1973 حتى اليوم.
بناء على تلك الخلفية، التي تميز جاءت فكرة تشكيل ثلاث مجموعات عمل لبنانية إسرائيلية تعمل في ظل اللجنة الخماسية الدولية في الناقورة، واحدة تعني بإكمال ترسيم الخط الأزرق الحدودي، وثانية تتابع قضية الاحتلال الإسرائيلي للمواقع الخمسة ( السبعة) داخل الأراضي اللبنانية، وثالثة تهتم بمصير الاسرى والمخطوفين اللبنانيين من قبل العدو.. وقد باشرت عملها بتلقي “بادرة حسن نية” مفاجئة، خص بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الرئيس جوزف عون، المسؤول اللبناني المكلف بتنفيذ القرار 1701 بكامل بنوده وملحقاته.
لا تريد واشنطن ولا تل ابيب، “توريط” لبنان بمفاوضات سلام الآن. هما تكتفيان بمراقبة ردود الأفعال اللبنانية على عملية تنفيذ القرار 1701، التي يفصح بعضها عن الكثير من الانتهاكات لمناعة موقف المفاوض اللبناني، ويقفز الى ما هو أبعد مما هو مطلوب أميركياً واسرائيلياً، في هذه المرحلة بحجة أن شرط إعادة الاعمار هو “التطبيع” مع إسرائيل.. مع أن الجميع يدركون أن التمويل بات مستحيلاً، بعدما سقط لبنان من لائحة أولويات الدول المانحة المعنية بتمويل غزة وسوريا وأوكرانيا والكثير غيرها من الدول المحتاجة..وهو لن تخصص أي مبالغ مالية للجنوب اللبناني حتى ولو فُتحت سفارة إسرائيلية في وسط بيروت!
الخطر الأميركي الإسرائيلي ليس داهماً، لكنه لسوء الحظ يتحول الى محور رئيسي للنقاش الداخلي اللبناني، ما يمكن ان يقود اللبنانيين جميعاً الى هاوية تعيد الى الأذهان تجربة العام 1982 البائسة، ومعها شروط إعادة بناء الدولة وتشكيل السلطة وفرز المجتمع في لبنان.
بيروت في 14 / 3 / 2025