قيادة الاتحاد الوطني تدرك أن ما كان مسموحا به في عهد إدارة بايدن لم يعد ليمر على إدارة ترامب.
تشخيصُ مطّلع على الخبايا والخلفيات
موقع لاهور شيخ جنكي وخبرته بشؤون السياسة في العراق وإقليم كردستان وخصوصا في محافظة السليمانية معقل العائلة السياسية التي يتحدّر منها يتيحان له تشخيص الوضع بدقة، وإصدار التحذير لقيادة الاتحاد الوطني الكردستاني في الوقت المناسب وقبل فوات الأوان، من تبعات السياسة التي سلكتها تلك القيادة وألحقت المحافظة بمحور إيران وجعلتها بالتالي عرضة مثلها للضغوط الأميركية القصوى.
السليمانية (العراق)- حذّر السياسي الكردي العراقي لاهور شيخ جنكي من تبعات سياسات الاتّحاد الوطني الكردستاني بقيادة بافل طالباني على محافظة السليمانية معقل الحزب وموطن نفوذه.
وقال لاهور زعيم ومؤسس حزب جبهة الشعب إنّ السليمانية قد لا تنجو بسهولة من الاصطفافات التي أنشأها ابن عمّه بافل وجعلت الاتحاد في نظر الإدارة الأميركية جزءا من محو المقاومة بقيادة إيران التي أصبحت مع عودة الرئيس الجمهوري إلى سدّة الحكم في مرمى الضغوط الأميركية القصوى.
ويشير شيخ جنكي بذلك إلى العلاقات الواسعة التي أقامها رئيس الاتحاد الوطني مع الأحزاب والفصائل الشيعية المسلّحة ذات النفوذ الكبير في الدولة العراقية والصداقات المتينة التي باتت تربطه مع كبار قادة الميليشيات مثل قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق ما جعل بافل طالباني وحزبه أقرب إلى صفّ إيران وموضع ثقتها قياسا بقوى وشخصيات كردية عراقية أخرى، وخصوصا الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني الذي تنظر إليه طهران بارتياب وتعتبره منحازا لصف أعدائها ومنافسيها على النفوذ في العراق والمنطقة.
التغير في خطاب قيادة الاتحاد بعد شعورها بالخطر لن يمر على واشنطن، فهي ذكية وتعرف من هو بافل ومن هو لاهور
ولم تكن تلك العلاقات والصداقات من دون فوائد سياسية لقيادة الاتّحاد التي لم تتردّد في الاستعانة بهؤلاء الأصدقاء وبنفوذهم وهيمنتهم على مؤسسات الدولة الاتّحادية في تحسين وضعها السياسي في إقليم كردستان العراق، وهو ما تجسّد على سبيل المثال في تدخل القضاء العراقي بطلب من الاتحاد نفسه لتعديل قوانين وإجراءات الانتخابات البرلمانية للإقليم أملا في قلب ميزان القوة في البرلمان لمصلحته وعلى حساب منافسه الأول الحزب الديمقراطي الكردستاني، وهو ما لم يتحقق بالفعل خلال الانتخابات الماضية على الرغم من أنّ التعديلات التي فرضها القضاء العراقي كانت تصبّ بالفعل لمصلحة الاتحاد وضد مصلحة الديمقراطي.
وظل حزب بارزاني محافظا على مركزه الأول من حيث عدد المقاعد البرلمانية، واحتفظ حزب طالباني بمركزه الثاني، فيما لم تحصل جبهة الشعب سوى على مقعدين، وهو الأمر الذي عزاه زعيمها لاهور شيخ جنكي إلى تدخل إيران في شؤون الانتخابات، قائلا إن قرار تحجيم حزبه في الانتخابات صدر سلفا من إيران وطبّق بالفعل.
لكنّ ما حققته الاتحاد الوطني من وراء صداقته بأركان المحور الإيراني لم يكن سوى إنجازات جزئية وآنية إلى حدّ بعيد، بل قد تتحوّل إلى خسائر في ظل عودة واشنطن في عهد ترامب إلى ممارسة الضغوط على إيران ومحورها.
ونفى لاهور شيخ جنكي خلال لقاء تلفزيوني على إحدى الفضائيات العراقية أن تكون السليمانية بقيادة بافل طالباني وحزبه قد نجحت في تحقيق التوازن في العلاقة بين الولايات المتّحدة وإيران، مرجعا احتفاظ الحزب بعلاقات مع واشنطن خلال الفترة السابقة بأنّه كان نتيجة تساهل إدارة الرئيس الأميركي الديمقراطي جو بايدن مع إيران رغبة في عدم إثارة المشاكل معها، وسماحها في هذا السياق للعراق وقواه السياسية بتمتين العلاقة معها ومشاركتها التنسيق في عدّة قضايا وملفات.
وقال زعيم جبهة الشعب إنّ ما كان مسموحا في به في عهد بايدن لم يعد من الممكن أن يمر على إدارة ترامب. وجدّدت الإدارة الأميركية ممارسة ضغوطها القصوى على إيران مستهدفة تجفيف منابع تمويلها التي ترى تلك الإدارة أنها تستخدمه في دعم الإرهاب وزعزعة الاستقرار في المنطقة.
العراق يعتبر متنفّسا اقتصاديا وماليا لإيران، ولذلك توجه جزء من ضغوط إدارة ترامب رأسا نحو بغداد بدءا بإنهاء الإعفاء الممنوح لها لاستيراد الكهرباء والغاز الإيرانيين
ويعتبر العراق متنفّسا اقتصاديا وماليا لإيران ومصدرا لتزويدها بعملة الدولار، ولذلك توجه جزء من ضغوط إدارة ترامب رأسا نحو بغداد بدءا بإنهاء الإعفاء الممنوح لها لاستيراد الكهرباء والغاز الإيرانيين، رغبة في حرمان طهران مما يتأتى لها وراء ذلك من أموال بالعملة الصعبة. وأشار شيخ جنكي إلى خطورة جعل السليمانية ضمن المتنفس الإيراني وذلك من خلال تحوّل حدود المحافظة إلى معبر وممر لتهريب شتّى أنواع السلع والمواد.
وبشأن موقف قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني مع المتغيرات التي بدأت إدارة ترامب في فرضها، قال زعيم جبهة الشعب إنّ رئيس الاتحاد بافل طالباني يشعر بالفعل بوجود بعض المخاطر وأن ذلك بدأ يُلمس في خطابه السياسي الذي يتضمن إشارات بانحيازه إلى الولايات المتحدة. لكنّ شيخ جنكي استدرك بالقول “أميركا ذكية وتعرف من هو لاهور ومن هو بافل.. فهي تعرف الجميع”.
وتطرق لاهور خلال اللقاء التلفزيوني إلى العديد من التطورات الإقليمية والدولية وخصوصا في علاقتها بوضع العراق وإقليم كردستان. وقال في هذا السياق إنّ التغيير في المنطقة بدأ بالفعل في لبنان وسوريا وينبغي الاستعداد لتحولات أكبر قادمة، مشيرا إلى أنّ واشنطن باتت تنظر إلى البلد باعتباره مجرّد آلة لإصدار الأموال لإيران.
كما كشف عن نقله رسالة تحذير أميركية إلى الإطار التنسيقي المشكّل لحكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من أن عقوبات ستفرض على شخصيات ومؤسسات عراقية.
وعرض في حديثة لقضية الحشد الشعبي الذي أصبح موضع ضغوط أميركية لتحجيمه وضبط سلاحه موضّحا أن الولايات المتحدة لا تسمح بوجود قوة تعتبرها مصدرا للتهديد، ولذلك تريد إخضاع الحشد للحكومة الاتحادية أو استبدال الحكومة بأخرى قادرة على السيطرة عليه.
وحذّر من أنّ “مشاكل كثيرة سيواجهها العراق إذا لم نكن حذرين،” مشددا على “أهمية تحصين الوضع الداخلي الكردي والعراقي تحسبا للمزيد من المتغيرات المقبلة”.