يبدو انخفاض العدد مبرراً بسبب الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد منذ 6 آذار / مارس الذي شهد انطلاق الهجوم العسكري بقيادة العميد غياث دلاّ للسيطرة على أرياف الساحل السوري.
تزامنت الذكرى الأولى لاندلاع الثورة السورية بعد سقوط النظام مع متغيرات عدة طالت المشهد السوري على الصعيدين الداخلي والخارجي. داخلياً، ارتفعت حدة التوتر والخوف في مناطق مختلفة لأسباب سياسية وأمنية، بينما برزت خارجياً مؤشرات جدية على انتهاء شهر العسل بين السلطة الانتقالية والدول الغربية وذلك على خلفية انعقاد مؤتمر بروكسل للمانحين.
وصدرت الأسبوع الماضي بيانات شجب وإدانات عن عدد من الدول الغربية بسبب تصاعد العنف وقتل المدنيين في الساحل، كما صدر بيان من مجلس الأمن الدولي بعد جلسة مغلقة دعت إليها روسيا والولايات المتحدة في خطوة نادرة الحدوث، ما أشار إلى مدى اهتمام هاتين الدولتين بمجريات الساحل واحتمالات انعكاسه على المشهد السوري. وعلى خلفية هذه الأحداث، كذلك، امتنع الاتحاد الأوروبي عن دعوة رئيس سوريا الانتقالي أحمد الشرع لحضور مؤتمر بروكسل للمانحين. وأصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً ذكرت فيه أن مشاركتها في المؤتمر “غير محسومة”.
ولم تُلق أي خطابات سياسية من قبل مسؤولين في الصفّ الأول، بالرغم من أنها المرة الأولى التي يجري فيها الاحتفال بالثورة بعد نجاحها في إسقاط نظام بشار الأسد.
في المقابل عمّت الاحتفالات عدداً من المدن السورية التي امتدت من دمشق في الجنوب إلى إدلب في أقصى الشمال. وكان واضحاً منذ الشروع بالتحضير لهذه الفعاليات الاحتفالية أن الأجواء الإيجابية التي انتشرت مع صباح يوم الثامن من كانون الأول / ديسمبر بدأت بالانحسار تدريجياً لتحل مكانها مشاعر التوتر والترقب، ولا سيما وسط التطورات الأمنية والسياسية التي مرت بها البلاد خلال الأسبوعين المنصرمين.
وانعكس ذلك بوضوح على عدد المشاركين في الاحتفالات، إذ لم يتعد نصف العدد الذي شارك في احتفالات النصر التي دعا إليها الشرع شخصياً في الجمعة الأولى بعد سقوط النظام واستمرت لأسابيع عدة وسط حماسة كبيرة من السوريين للحضور والمشاركة.
ويبدو انخفاض العدد مبرراً بسبب الظروف الأمنية التي تمر بها البلاد منذ 6 آذار / مارس الذي شهد انطلاق الهجوم العسكري بقيادة العميد غياث دلاّ للسيطرة على أرياف الساحل السوري.
وأصيبت البلاد بشلل تام في الأيام الأولى من المجازر، فانكفأ المواطنون في منازلهم، وامتنعوا عن الخروج بسبب التشدد على الحواجز من جهة وخشية من تعرضهم لأي مكروه بسبب تفشي أجواء الانتقام من جهة ثانية. وحلّ موعد الذكرى السنوية للثورة بينما لم تكن البلاد قد تعافت من حالة الجمود التي أصابتها، بل لا تزال الحركة في الشوارع والأسواق في حدها الأدنى.
كذلك، فإنّ الأجواء الإيجابية التي فرضها توقيع الاتفاق بين الشرع والقائد العام لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) مظلوم عبدي، سرعان ما تلاشت إثر الخلاف بين الجانبين على مضمون وثيقة الإعلان الدستوري التي أعلنت “قسد” ومجلسها السياسي “مسد” رفضها، لعدم تلبيتها شروط التنوّع السوري. وعمّت في مناطق سيطرة “قسد” تظاهرات عدة رفضاً للوثيقة من جهة وتضامناً مع الساحل من جهة ثانية، وهو ما فاقم من حالة التوتر في الشارع السوري.
يضاف إلى ذلك، التوتر الذي شهدته محافظة السويداء لسبيين رئيسيين:
الأول، بسبب التصريحات النارية التي أدلى بها رئيس المرجعية الروحية في المحافظة الشيخ حكمت الهجري ضد الحكم الجديد، متهماً إياه بأنه مطلوب للعدالة للدولية، وذلك في معرض رفضه للإعلان الدستوري من جهة وللاتفاق المسرّب مع دمشق من جهة أخرى.
والثاني، بسبب الزيارة التي قام بها 100 رجل دين درزي إلى الأراضي المحتلة في الجولان وما تلاها من توجيه اتهامات إلى الهجري بـ”الخيانة”، الأمر الذي دفع إلى إنزال العلم الرسمي عن مباني المحافظة ورفع علم التوحيد الخاص بالطائفة الدرزية، في إشارة إلى بدء مرحلة قطيعة بين الطرفين. وقد تسبب ذلك بحالة كبيرة من التوتر والاحتقان في الشارع، ولا سيما على خلفية تشدد بعض الحواجز في التعامل مع المواطنين الدروز.
وبلغ التوتر ذروته مساء السبت مع خروج تظاهرات غاضبة في ريف درعا الغربي نادت بهتافات طالت الشرع شخصياً، الأمر الذي دفع بعض الناشطين الثوريين إلى توجيه شتائم لأهالي درعا الذين شاركوا في هذه التظاهرات مستخدمين ألفاظاً جعلت البعض يستذكر الشتائم المنسوبة إلى عاطف نجيب ضدهم. وتدخّلت قوات الأمن لتفريق التظاهرات وسط إطلاق الرصاص الحيّ في الهواء، وهو ما زاد من حالة الغليان في الشارع.
وبدا مشهد تفريق التظاهرات في درعا من خلال استخدام الرصاص صادماً، ذلك أن درعا طالما وصفت بأنها مهد الثورة، وفيها جرت أول محاولات النظام السابق لإسكات المتظاهرين بواسطة العنف.
وتبين أن استياء الدرعاويين عائد إلى عدم تبني يوم 18 آذار /مارس كموعد رسمي لذكرى الثورة السورية، في حين أشار آخرون إلى رغبة بعض الجهات في درعا بتوجيه رسائل إلى السلطة الانتقالية بسبب تهميش المحافظة التي اعتادت أن تكون لها حصة وازنة في كعكعة الحكم والسلطات.