قرّر ترامب “فتح أبواب الجحيم” على الحوثيين في هذا التوقيت الدقيق من المفاوضات الجارية لإنقاذ اتفاق غزة، الذي يُنسب الفضل فيه إلى الجهود التي بذلتها إدارته
ترمي الحملة العسكرية الواسعة التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد الحوثيين في اليمن السبت، إلى توجيه جملة من الرسائل في أكثر من اتجاه، في وقت يمر اتفاق وقف النار الهش في غزة بمرحلة دقيقة، وتزامناً مع العرض الأميركي على إيران بالمجيء إلى طاولة المفاوضات أو تحمّل تبعات الضغوط القصوى، وصولاً إلى عدم استبعاد الخيار العسكري.
بما يعني الحوثيين مباشرة، أراد ترامب توجيه ضربة استباقية للاستعدادات التي أعلن عنها الحوثيون قبل أيام، من أجل استئناف الهجمات الصاروخية وبالمسيّرات ضد السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن.
وقال الحوثيون الثلاثاء، إنهم سيستأنفون الهجمات، رداً على عدم امتثال إسرائيل لمهلة حدّدوها لها كي تعاود إدخال المساعدات إلى قطاع غزة. وسبق لإسرائيل أن أوقفت إمداد غزة بالمواد الغذائية وقطعت عنها الكهرباء، في مسعى للضغط على حركة “حماس” كي تواصل إطلاق المزيد من الأسرى الإسرائيليين المحتجزين لديها وتمديد وقف النار، الذي بدأ سريانه في 19 كانون الثاني / يناير، من دون الدخول في المرحلة الثانية من الاتفاق والتي تنصّ على وقف دائم للحرب.
ويضغط المبعوث الأميركي الخاص ستيف ويتكوف لحمل “حماس” وإسرائيل على تمديد وقف النار لمدة 50 يوماً يصار خلالها إلى إطلاق المزيد من الأسرى الإسرائيليين، بينما تستأنف إسرائيل إدخال المساعدات إلى القطاع، وتجري في الوقت ذاته مفاوضات مع الوسطاء بغية التوصّل إلى تفاهم لوقف دائم للحرب وإعادة الإعمار، ربطاً بالخطة العربية التي أُقرّت في قمّة القاهرة في وقت سابق من الشهر الجاري.
قرّر ترامب “فتح أبواب الجحيم” على الحوثيين في هذا التوقيت الدقيق من المفاوضات الجارية لإنقاذ اتفاق غزة، الذي يُنسب الفضل فيه إلى الجهود التي بذلتها إدارته.
الحملة الأميركية على الحوثيين، ليست بعيدة إطلاقاً عن محاولة إضعاف حليف إقليمي آخر لإيران، بعدما أضعفت الحرب الإسرائيلية على مدى 16 شهراً “حماس” في غزّة و”حزب الله” في لبنان.
ذلك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالهدف الأميركي، وهو جلب طهران إلى طاولة الحوار حول برنامجيها النووي والصاروخي ونشاطها الإقليمي. ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني، وضع البيت الأبيض إيران بين خيارين: التفاوض أو العقوبات القصوى وصولاً إلى الخيار العسكري.
وبعث ترامب برسالة إلى المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي يعرض فيها التفاوض. وبينما لم ترد طهران مباشرة على الرسالة، فإن المسؤولين الإيرانيين يتمسكون بموقفهم القائم على “عدم التفاوض تحت الضغط”، وكأنهم بذلك يريدون بادرة حسن نية من واشنطن قبل ولوج باب المفاوضات، ويحذرون في الوقت نفسه بـ”رد قوي” في حال تعرّضهم لهجوم إسرائيلي أو لهجوم إسرائيلي – أميركي مشترك.
ترامب الذي حذّر، في معرض إعلانه عن الحملة العسكرية على الحوثيين، طهران من المضي في مساندة حركة “أنصار الله”، علّق الأسبوع الماضي الاستثناء الممنوح للعراق في شأن استيراد الغاز من إيران لتشغيل محطات الكهرباء لديه. كما فرض عقوبات على وزير النفط الإيراني محسن باكنجاد وكيانات تقول واشنطن إنها مرتبطة بـ”أسطول الشبح”، الذي يشكل متنفساً لبيع النفط الإيراني خارج منظومة العقوبات الأميركية.
والرسالة الأخرى الموجّهة إلى طهران، هي أنّ الوقت ليس مفتوحاً أمامها للرد على العرض الأميركي بالتفاوض، في وقت تتشاور إيران مع حليفتيها، روسيا وإيران، بشأن الضغوط الأميركية. وكان هذا فحوى المباحثات الثلاثية في بكين الأسبوع الماضي، وقبلها المناورات البحرية المشتركة في ميناء جهابار الإيراني.
والحملة الأميركية بمعنى ما، تشكل أيضاً اختباراً للعلاقات الأميركية – الروسية المتجددة، على خلفية الجهود الأميركية للتوصّل إلى هدنة في أوكرانيا. وفي إشارة بالغة الدلالة، اتصل وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بنظيره الروسي سيرغي لافروف، وأبلغه بقرار استهداف الحوثيين.