أمّا وقد أعلنت (سرّبت) الرئاسة السورية عن تشكيل لجنة (5 أعضاء) برئاسة حسين السلامة، لاستكمال الاتفاق مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، فمن المفيد إلقاء بعض الإضاءات.
لكن قبل ذلك: من هو حسين السلامة؟
يبدو أن السلامة هذا من قرية “الشحيل” التابعة لدير الزور، وقد كان قبل ذلك قيادياً في “جبهة النصرة” تحت اسم “أبو محمد الشحيل”. وحدثت الخلافات بعد أن حاول شرعي الجبهة “أبو ماريا القحطاني” (وهو من الجبور في العراق) وأبو محمد الشحيل، إقناع مجلس شورى “النصرة” بإلقاء القبض على أبي بكر البغدادي، ووأد تمدد تنظيم “داعـ.ـ.ـ.ـش” عندما كان في زيارة إلى ريف دير الزور الشرقي. لكن حينها رفض “أبو محمد الجولاني” الخطة. وانتهت بعزل القحطاني من منصبه الشرعي، وانتقل بعدها مع أنصاره المقربين، ومن بينهم الشحيل إلى محافظة درعا. تلاقت الطرق مجدداً مع “النصرة” في منطقة إدلب، وحدثت توترات وخلافات انتهت بمقتل القحطاني، واعتقال الشحيل. ويبدو أن “الجولاني” الذي يُعرف بمهارته في عقد التسويات، استطاع ضمه تحت جناحه، وعيّنه بعد سقوط الأسد، محافظاً على دير الروز. لم يرق للشحيل الحياة المدنية، وصعوبة إدارة التشابكات العشائرية، فقدّم استقالته مفضلاً حياة المقاتل.
الآن، تسلّم الرجل إحدى أكثر الملفات تعقيداً، وحساسية، وسياسية في سوريا: المفاوضات مع قسد حول مصير شمال شرق سوريا.
وعندما يتحدث علماء السياسة عن الحركات مثل “قسد”، فهم دائماً يضعون على الطاولة واحدة من المعضلات المعقدة وهي: معضلة الانفصال (Secessionists Dilemma). ولا تسري هذه المعضلة على الانفصاليين وحدهم، بل تطال أيضاً تلك الحركات التي تنادي بالفيدرالية والإدارة الذاتية.
فمع أن المزيد من الشعوب/الجماعات تسعى إلى الانفصال (من 8 حركات في عام 1915 إلى 58 حركة في عام 2015)، قلّ عدد الحركات التي تلجأ إلى العنف لتحقيق هذا المطلب، وتميل أكثر نحو السلم.
فالكثير من هذه الحركات تولي اهتماماً كبيراً بالإشارات التي ترسلها الدول الكبرى والمنظمات الدولية التي تطلب من هذه الحركات أن تتبع “سلوكاً جيداً” بعدم اللجوء إلى العنف، والحذر من استهداف المدنيين إذا اندلعت مواجهات، وعدم إعلان الاستقلال (أو الفيدرالية) من طرف واحد، كي يتمكنوا من تحقيق مطالبهم في الانفصال.
المعضلة هي أن المزيد من الحركات الانفصالية تستجيب لمطالب الدول والمنظمات الكبرى، طمعاً أن تكافئها بدعم مطلبها في الانفصال أو الفيدرالية، غير أن “هذا السلوك الجيد” نادراً جداً ما يُكَافَأ.
فإقليم كردستان في العراق التزم بهذا “السلوك الجيد”، ولم يلقَ بالمقابل مكافآت تذكر. وتحركت تركيا وأمريكا سريعاً لإسكات أيّ حديث عن قيام دولة كردستان مستقلة. ولم تعترف أيّ دولة بأرض الصومال كدولةً ذات سيادة رغم “السلوك الجيد” الذي تتبعه. والحكومة الإسبانية قضت بعدم دستورية استفتاء استقلال كتالونيا، وتجاهلت نتيجته.
في المقابل، حظي أحدث عضو في “نادي الدول”، جنوب السودان، باعتراف دولي على الرغم من انتهاكه الواضح للقانون الدولي وحقوق الإنسان في أثناء كفاحه من أجل الاستقلال.
تسبّبت هذه المفارقة بمعضلةٍ لدى الانفصاليين: هل عليهم تصديق ما يُقال لهم بشأن “أفضل سبيل” نحو تأسيس دولة مستقلة أم تصديق ما يشاهدونه على أرض الواقع وهو أنّ طُرقًا أخرى –أشدّ عنفًا – يمكن أن تنجح فعلًا؟
أي أن هنالك تبايناً واضحاً لا يمكن تجاهله بين الخطاب النظري (التزموا السلوك بالجيد لتحقيق مطالبكم) وبين الحقيقة العملية (العنف وحده يحقق هذه المطالب).
وتواجه الحركات الانفصالية شكوكاً كبرى بمدى قدرة استمرار الدول الكبرى في إقناعهم بـ”وهم أن السلوك الجيد يؤدي إلى النجاح”. وإذا خلصت هذه الحركات إلى أنّ الالتزام بالقواعد لا يحقق مكاسب حقيقية، فقد تكون العواقب وخيمة.
قد يستمر بعضهم بالانضباط لأسبابٍ داخلية تخصّ حركاتهم، أما من يرى هذه القواعد مجرد قيودٍ خارجية، سيتخلّى عنها بسرعة. قد يؤدي ذلك إلى عكس المسار الأخير الذي مالت فيه الحركات الانفصالية إلى اللاعنف، وإلى زيادة الخسائر البشرية في مناطق شهدت بالفعل تمرداً مسلحاً من الانفصاليين.
وتواجه “قسد” اليوم هذه المعضلة. إذا حاولت تركيا أن تنزع مكاسبها، قد تضطر “قسد” عند نقطة معينة إلى التفكير بمدى كون “السلوك الجيد” يستحق التضحيات التي قدمتها خلال 14 سنة.