كتاب «عبد الله النفيسي. الرجل الفكرة التقلبات. سيرة غير تبجيلية» للناقد والكاتب السعودي علي العُميم مثالٌ مُلهمٌ لكيفية صناعة النقد الحقيقي، والتتبّع الجادّ والعمل الدؤوب والحرص التفصيلي، حين توجّه النيّة لكتابة نقدية تبقى ولا تُنسى.

النفيسي رجلٌ مثيرٌ للنقد، فهو يختزل في فكره وتقلّباته، سيرة جيل بل جيلين في الكويت بل الخليج والعالم العربي، كان – وما زال – مرجعية فكرية وحاكماً ثقافياً على عقول وأفئدة فئات من الناس، شباباً وشِيباً، عندهم أن النفيسي مصدر الحقيقة ومنبع الحق، وهادي الفكر وحادي الركب، والرائد الذي لا يكذب أهله.

الناقد العُميم تميّز بجدّية كتاباته وغزارة تفاصيلها، وطرافة معلوماتها، وجرأة أفكارها، ولذلك كان السابق في تسليط معاوله النقدية على ما يراه نشازاً، فراغ عليه ضرباً باليمين.

نشر العُميم دراسته عن الدكتور والناشط الكويتي عبد الله النفيسي في مجلّة «المجلّة»، ثم نُشرت في كتاب «شيء من النقد شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة وفي الليبرالية واليسار»، ولقي إقبالاً من القراء رغم ضخامة حجمه، وأخيراً أُفرد الفصل الخاص بالنفيسي من ذلك الكتاب الضخم في كتاب لطيف الحجم، وهو مناسبة حديثنا اليوم، من منشورات «دار جداول».

شرح علي العمُيم، في لقاء سابق مع برنامج «سجال» على شبكة «العربية» جملةً من التفاصيل الكثيرة حول مراحل النفيسي ومكامن الضعف والزيف في فكره ومروياته.

مثلاً، قال إن د. عبد الله النفيسي أقرب ما يكون للداعية السياسي المهيِّج ثورياً، وسبق وألف كتباً تكفيرية في السبعينات، فالمحلل السياسي يقتضي حداً معيناً من الحيادية والتأمل الموضوعي، لكن النفيسي منخرط بالموضوع وداعٍ له ولا ينطبق عليه تصنيفه محللاً سياسياً.

وذكر العُميم أن عبد الله النفيسي قدّم ثلاثة تصورات متناقضة لأمن الخليج وفق تقلباته، فلديه التضارب والتناقض، وهو لا يجهل ذلك، ولكنه وجد أن لديه جمهوراً يبرر له!

وقال إن النفيسي منهجه كان معادياً للقومية العربية واليسار، والشيوعية، وهذا يتفق مع اتجاه اليمين الفكري، فهو ينتهج منهجاً إخوانياً قطبياً، ولكن مع الثورة الإيرانية أخذ موقعاً مناقضاً.

من لم يقرأ هذا الكتاب النقدي الأصيل والشجاع للباحث السعودي علي العُميم، فأظنّ أنّه قد فوّت على نفسه متعة فكرية ومغامرة قراءة ممتعة وثورية، خصوصاً من يرى في المنقود مصداقية الفكر وعمق التحليل واتساق النهج.