تتهيأ محافظة درعا، جنوب سورية، لإحياء ذكرى الثورة السورية التي يصرّ الأهالي على أنها بدأت من جامعها العمري بوسط البلدة القديمة بمدينة درعا، في 18 مارس/آذار من عام 2011، فسقط أول قتيلين في الثورة التي غيّرت التاريخ المعاصر لسورية برمته، وبدّلت المعطيات السياسية في البلاد التي عاشت نحو 60 عاماً تحت سيطرة نظام مستبد.

ذكرى الثورة السورية في درعا
وتحل ذكرى الثورة السورية هذا العام، للمرة الأولى بعد سقوط نظام الأسد الذي ظلّ لنحو 14 عاماً يواجه الثورة بكل وحشية وقسوة، ما أدى إلى مقتل وإصابة واعتقال وتهجير أكثر من نصف سكّان البلاد. وبحسب الناشط الإعلامي يوسف المصلح، في حديث لـ”العربي الجديد”، سيتم تقسيم الاحتفال في درعا بالذكرى، إلى مرحلتين: صباحية عند الساعة 11 في ساحة السرايا بمدينة درعا، ومسائية في الساعة التاسعة بساحة البانوراما.

يطالب سكّان درعا باعتماد 18 مارس “يوماً وطنياً” بقرار حكومي، واعتباره تاريخ انطلاق الثورة

وسيطرت فصائل محلية على محافظة درعا في السادس من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وكانت أول الواصلين إلى العاصمة دمشق صباح الثامن من الشهر ذاته، يوم سقط النظام مع هروب بشار الأسد إلى قاعدة حميميم الروسية، ولكن هذه الفصائل عادت إلى مواقعها في الجنوب السوري، مع وصول قوات إدارة العمليات العسكرية بعد ساعات إلى دمشق.

مقاتلون في درعا، 5 يناير 2025 (بكر القاسم/فرانس برس)
تقارير عربية
محاولات حل عُقدة فصائل درعا… خطوات لا تبدد الهواجس

وكان أهالي درعا أعلنوا الثورة على نظام الأسد في 18 مارس 2011 ردّاً على اعتقال الأجهزة الأمنية لأطفال مدارس وتعذيبهم بسبب كتابة شعارات مناهضة للنظام على الجدران، فضلاً عن تجاوزات أخرى بحق سكّان هذه المحافظة المتاخمة للأردن جنوباً. وتجاوبت كل المحافظات السورية مع الحراك الثوري في درعا، آنذاك، فعمّت البلاد ثورة شعبية استمرت نحو 14 عاماً، سقط خلالها نحو مليون قتيل، فضلاً عن ملايين المهجرين والمعتقلين والمغيّبين. وكانت درعا من المحافظات السورية التي دفعت أثماناً قاسية نتيجة الوحشية التي مارسها نظام الأسد، ما أدى إلى مقتل واعتقال عدد كبير من السكّان، واضطرار عشرات الآلاف للجوء إلى الأردن حيث لا يزال يقيم عدد منهم في مخيم الزعتري.

وشهدت محافظة درعا معارك كبرى بين الجيش السوري الحرّ وقوات النظام السابق، وصولاً إلى عام 2018 حيث استعاد نظام الأسد السيطرة على درعا بمساعدة روسية. ومنذ ذاك العام وحتى لحظة سقوطه، مارس نظام الأسد حرب انتقام ضد سكان درعا عبر عمليات اغتيال وقتل قامت بها مجموعات محلية مرتبطة بالأجهزة الأمنية. كما حوّل النظام درعا خلال سنوات الثورة إلى بوابة واسعة لتدفق المخدرات إلى الأردن ومنها إلى دول عربية أخرى. كما لعب النظام طيلة سنوات على الوتر الطائفي محاولاً خلق نزاع دموي بين درعا والسويداء ذات الغالبية الدرزية والتي تتاخم درعا شرقاً، من خلال عصابات خطف من كلتا المحافظتين، إلا أن هذه المحاولات فشلت.
ويعتبر أهالي درعا أن ذكرى الثورة السورية السنوية تحل في 18 مارس من كل عام، رافضين احتفال السوريين بالذكرى في منتصف مارس، وهو اليوم الذي خرجت فيه أول تظاهرة في دمشق ضد نظام الأسد من قبل عدد محدود من الناشطين. ويطالب سكّان درعا باعتماد 18 مارس “يوماً وطنياً” بقرار حكومي، واعتباره تاريخ انطلاق الثورة السورية.

عماد المسالمة: الفصائل العسكرية المحلية بصدد تشكيل الفرقة 50 التي ستتبع وزارة الدفاع

وقال عماد المسالمة، وهو أحد وجهاء محافظة درعا، لـ”العربي الجديد”، إن ذكرى الثورة السورية السنوي “تحل في 18 مارس”، مضيفاً أن الاحتفال بالذكرى في 15 مارس “هو تزوير للحقيقة لن نسمح به على الإطلاق”. وذكّر بأن “أول شهيدين في الثورة السورية العظيمة كانا في درعا”، واصفاً الأوضاع الأمنية في المحافظة اليوم بـ”الجيدة”، موضحاً أن الفصائل العسكرية المحلية بصدد تشكيل الفرقة 50 التي ستتبع لوزارة الدفاع.

تنسيق عالٍ مع دمشق
وتوصلت الإدارة الجديدة في دمشق أخيراً إلى تفاهمات مع فصائل درعا من أجل ضمّها إلى الجيش السوري الجديد، وبسط الدولة سلطتها على كامل المحافظة. وفي هذا الصدد، أكد العقيد نسيم أبو عرة، وهو المتحدث باسم غرفة عمليات الجنوب، في حديث مع “العربي الجديد”، أن هناك تنسيقاً وصفه بـ”العالي” مع وزارة الدفاع وإدارة شؤون الضباط “على تنظيم العناصر”. ونفى وجود أي مشاكل مع الإدارة في دمشق، مضيفاً أنه “يتم التوافق على إدارة المرحلة بما يتناسب مع مصلحة المنطقة”.

وفي السياق، أشار العميد عبد الله الأسعد، المتحدر من محافظة درعا، لـ”العربي الجديد”، إلى أن 18 مارس 2011 “يوم تاريخي”، مضيفاً أنه “في ذلك اليوم، بدأت الثورة وبدأ بطش النظام البائد”، وفق تعبيره. وبيّن الأسعد أن الدولة السورية في العهد الجديد “وضعت يدها على كامل محافظة درعا”، مؤكداً أنه “تمّ حلّ جميع القضايا العالقة مع الإدارة الجديدة”.

زيدون الزعبي: التدخل الإسرائيلي في جنوب سورية لن يساعد على استقرار الأوضاع في درعا

وكانت فصائل درعا تريّثت قبل إعلان الاندماج في وزارة الدفاع في حكومة تسيير الأعمال بدمشق بعد سقوط الأسد، وهو ما كان مصدر قلق للأهالي، لا سيما أن إسرائيل استغلت الخلافات بين هذه الفصائل والإدارة الجديدة وتوغلت قواتها وصولاً إلى ريفي درعا الغربي والشمالي، وهو ما فجّر مخاوف لدى سكّان الجنوب السوري من تبعات هذا التوغل، خصوصاً أن الجيش السوري الوليد لا يملك القدرة على مواجهة هذا العدوان. ورأى الباحث السياسي زيدون الزعبي (المتحدر من درعا) في حديث مع “العربي الجديد”، أن التدخل الإسرائيلي في جنوب سورية “لن يساعد على استقرار الأوضاع في محافظة درعا”.

ولا يزال أهالي المحافظة، كما كل السوريين، يرزحون تحت وطأة ظروف معيشية صعبة، وفق الناشط الإعلامي أبو محمد الحوراني، الذي بيّن في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الأزمات الاقتصادية التي كانت أيام نظام الأسد “لا تزال تلقي بثقلها على كاهل المواطنين”. وأعرب الحوراني عن اعتقاده بأن الإدارة الجديدة للبلاد تحتاج إلى الكثير من الوقت لإرساء الاستقرار الاقتصادي وضبط الأسعار ورفع الحد الأدنى للأجور.

أما بالنسبة إلى الأوضاع الأمنية في المحافظة، فأشار الناشط الإعلامي إلى أنها “مستقرة”، مؤكداً أن الحكومة موجودة “في كل المفاصل”. وأوضح الحوراني أنه تمّ افتتاح مراكز تابعة لوزارة الدفاع لـ”توثيق أسماء مقاتلي الجيش السوري الحر وأرقام أسلحتهم”، لافتاً إلى أن “مراكز أخرى للتطويع لصالح الوزارة فُتحت في درعا وتشهد إقبالاً كبيراً من قبل شبّان المحافظة”. وأكد عدنان العمار، وهو أحد المواطنين القاطنين في مدينة درعا، بدوره في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الأوضاع المعيشية في المحافظة “صعبة”، وأن “أبناء المحافظة المغتربين يساعدون الفقراء والمحتاجين في نواح متعددة”.

حي الخالدية في حمص، 10 فبراير 2025 (لؤي بشارة/فرانس برس)
تقارير عربية