ليس لأن سورية دولةٌ مركزيةٌ في المشرق العربي، ولا لأن نهوضَها شرطٌ لنهوض الأمة، وأن انتكاستَها تأخُذ العرب، كل العرب، إلى الخلف… ليس لهذه الأسباب، وأخرى غيرِها، نتحمّسُ لسورية الطالعة من اختناقها الذي أثقلَ عليها طويلاً، وتجوسُ عيونُنا في كل تفاصيلها التي تتوالى، منذ انتهى نظام الأسد فجر الثامن من ديسمبر. وإنما لأن قناعتنا أننا، ونحن واقفون في ضفّتنا، شركاء في المسير والمصير، لا يجوز أن نترك هذا البلد من دون أن نُراقب كلّ ما فيه، أو نتركَه في مهبّ الأسئلة. ولهذا سنبقى نخافُ على سورية التي تضجّ بأشواق ناسِها إلى أن يسيّجوا حرّيتهم التي أحرزوها. نقلقُ على شعبها المدمّى، الذي نهشَت في لحمه سكاكينُ بلا عدد، منذ اختار آل الأسد إخضاعَه نهجَ تحكّمٍ وتسلّطٍ، وهي التي زادتْها أقدار الجغرافيا أسئلة الوجود والحدود. ولأننا مسلّحون بحبّ سورية وأهلها، في كل قراهم وبلداتهم ومدنهم وأريافهم وبواديهم، لن نتعَب من هذا القلق وذلك الخوف، ولن نُجيز لليأس أن يطوف حواليْنا، أو يعبُرَ فينا، فقد كانت أولى لطائف ذلك الفجر الرائق، لمّا أفقنا على فرار بشّار الأسد، أننا شُفينا من أيّ يأس، وصار في المقدور أن ننتظر سورية المشتهاة، الذاهبةَ إلى أفقٍ تستحقّه، وضوءٍ في مرمى العيون، وسلامٍ في المبتدأ والخبر.
لأن سورية هكذا في حواشينا، وفي عقولنا وقلوبنا، نحنُ الذين رابطْنا على موقفٍ أخلاقي، في الأول والمنتهى، لمّا اشتعلت الثورة، ثم بقينا عليه لمّا تشوّشت خرائطُها، ولم نُغادره عندما بدا لغيرنا أن اللّطف مع الأسد من لزوم ما يلزم مع قدرٍ لا رادّ له. لأن سورية، بعد انتصار الثورة، تنعطفُ إلى ثورةٍ أخرى، تشقّ مجراها إلى بناء فضاءٍ سياسيٍّ حر، تتحقّق فيه للسوري مواطنتُه التي يمتلك فيها وطنَه، ويكون له صوتُه الحرّ، ويرفل بالأمان، مطمئناً إلى دولةٍ عادلةٍ، تحميه، وتصون كرامته. لأن سورية تمشي إلى مداواة جروحها الصعبة، وأعداءٌ فيها وحواليْها لا يريدون إلا أن يظلّوا أعداء. فإننا، لا شكَّ، سننتصر لسورية الناهضة هذه، والتي ترسم لنفسها خطوط سيْرها وقدّامها أضواءُ حمراء وخضراء، لنعينها، ونسعفَ أهلها بكل بلسم. ولسنا نملك غير قول ما نراه مُعيناً ومُسعفاً، من دون أن ندّعي كل الصواب. لسنا نملكُ، نحن أهل الإعلام، غير أن نبقّ كل بحصة، وأن نُصارح ولا نُماري، وأن لا نماشي أي عوار أو حول، وأن نكون حيث يكون الإنسان يلزم أن يظلّ كريماً، حرّاً، في منجاة من الحاجة، ينتسب إلى دولةٍ له ومنه، يتمثّل فيها ويصعد في سلالمها إلى مواقع الإنجاز، بكفاءته وأهليّته، لا بجهته ولا بطائفته ولا بمنبته، وله حقّ اختيار من يسوس أمرَها، في كل شأن.
هذه مهمّتنا، في الصحافة التي نجدنا فيها، وتلك سورية التي نرى ونحبّ أن نرى. ولهذا وذاك، يأتي إصدار الملحق الأسبوعي “سورية الجديدة” موصولاً بخيارِنا الذي كنّا عليه وسنبقى فيه، أن منعة الأمّة من منعة سورية، دولةً عادلةً قوية، لا تُخدَش فيها مواطنة أيّ فردٍ من أبنائها وبناتها. سنُحاول في “العربي الجديد” أن يلبي هذا الملحق حاجةً سورية، نظنّها ملحّة، لإشاعة ثقافة السؤال واحتكاك الرأي بالرأي، بالاتزان والتوازن اللازميْن، وهو يواكب مستجدّات المشهد السوري، بكل حافاته وأطرافه وأبعاده، والمركّب، وهو ينفتح أيضاً، ما أمكن، على كل الحساسيات السياسية والثقافية والاجتماعية في شعب سورية الموزّع في الداخل والمغتربات، والواحد من قبل ومن بعد.
سنجتهد، ونحن نعمل، ونحن نتواصل مع أهل الرأي والرؤية والخبرة والمعرفة والدراية والتجربة، من نخبٍ سوريةٍ، متنوعة الأجيال والأمزجة والميول. مدفوعين دائماً بحرصٍ على أن تكون مساهمتُنا هذه، المهنية والثقافية والفكرية، هنا في صفحات الملحق، في الممشى نفسِه الذي سِرنا عليه، منذ أولى صيحات سوريات وسوريين في انتفاضتهم الجبّارة.
لن ندّعي الكمال والاكتمال، ولن نطلبَ الثناء والتثمين، وإنما نرجو من أصحاب الرأي إسنادَنا بما يروْنه ينفع رؤيتنا المشتركة، لنلتقي معاً ونعمل معاً… الرفعة والسلامة لكل سوريٍّ وسورية، في دولة القانون والحرية والمؤسّسات، في دولة يسير أبناؤها موحّدين إليها، إن شاء الله.