Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • صرخات الحرب ..جوزيف روث.. ترجمة وتقديم: إسكندر حبش.المصدر:موقع ضفة ثالثة
  • مقالات رأي

صرخات الحرب ..جوزيف روث.. ترجمة وتقديم: إسكندر حبش.المصدر:موقع ضفة ثالثة

khalil المحرر مارس 18, 2025

 

قبل أن يصبح ذاك الروائي والكاتب الشهير، كان جوزيف روث (الكاتب النمساوي– المجري، 1894 – 1939) صحافيًا متميزًا، عمل مراسلًا لعدد من الصحف الناطقة باللغة الألمانية. عديدة هي كتبه التي أعيد إصدارها منذ سنوات قليلة لتعيد التذكير به كواحد من كبار كتاب النصف الأول من القرن العشرين، أو تلك التي عمل بعض الناشرين على تجميع مقالاته، لتذكر بتلك المرحلة التاريخية التي كان يجتازها العالم والتي أفضت إلى الحرب العالمية الثانية.

يصف روث تلك المرحلة من حياته بالقول (في مقدمة كتابه “تخطيط للسفر”): “أصبحت صحافيًا بسبب اليأس من عدم قدرة جميع المهن على إرضائي. أنا لا أنتمي إلى جيل الأشخاص الذين دخلوا وخرجوا من سن البلوغ بسبب كتابة الأبيات الشعرية، ولا أنا جزء من هذا الجيل الأخير الذي سيصل إلى مرحلة النضج الجنسي من خلال كرة القدم والتزلج والملاكمة. لم يكن بوسعي سوى ركوب دراجة ذات تروس ثابتة، وكانت موهبتي الشعرية مقتصرة على صياغات دقيقة في مذكراتي”.

في هذين النصين اللذين يعودان إلى نهاية عشرينيات القرن الماضي، يكتب روث عن إيطاليا موسوليني بعد أن زارها، وهما يقدمان لنا “وثيقة” تاريخية، لما كانت عليه ذاكرة تلك المرحلة.

I – الدكتاتورية في الواجهة

في واجهات المكتبات، وفي واجهات مكاتب تحرير الصحف، وعلى أغلفة المجلات المصورة وداخل صفحاتها، وفي الأكشاك وعلى أبواب استوديوهات التصوير الكبيرة، وفي محلات الفنون حيث يتم شراء الصور، وعلى أرفف العديد من متاجر الأثاث حيث يتم تقديم ما يسمى بـ “ديكور الحائط” إلى جانب الأَسرّة والمكاتب، وفي المطاعم والمقاهي الصغيرة والكبيرة، في جميع الأماكن التي يتجمع فيها الجمهور وحيث يتجلى حسّ الناس في الديكور والأشياء المنزلية- في كل مكان يرى المرء صورة موسوليني. إذا افترضنا أن هناك إيطاليًا متحمسًا بما يكفي لجمع كلّ صوره، فإن هذه الصور المعلقة في صف واحد، الواحدة بجانب الأخرى، ستوفر نظرة عامة كاملة إلى حدّ ما على الجزء التمثيلي من حياة الدكتاتور؛ وسنعرف ما هي الإجراءات التي اتخذها في كلّ من المواقف التاريخية التي تزخر بها إيطاليا في الوقت الحاضر. لم يتم تصوير أي إنسان على الإطلاق أكثر منه. لم يكن التصوير الفوتوغرافي قط مساعدًا مهمًا للاقتصاد الوطني، ولم تتمكن الدكتاتورية قط من التمتع بأصالة أكبر. إن التاريخ المعاصر بأكمله -بقدر ما يمثل موسوليني تجسيدًا له- مزين بطريقة كتاب مصور. أنا الآن أعرف الصورة الشخصية اليمنى والصورة الشخصية اليسرى للديكتاتور، يديه، الرودونغوت، قفازاته، قبعاته، حذائه. أنا أعرف التعبير على وجهه عندما يحيي نوبيل [1] ويراقب المناورات، عندما يجلس في مدرجات ميدان سباق الخيل ويصفق لمباراة كرة قدم، عندما يستعرض القوات، عندما يصعد أو ينزل الدرج، عندما يعزف على الكمان، وفي المنزل، بين عائلته، يعيش حياة الأب المقدر له أن يكون محط أنظار الجمهور. كل الوظائف التي كانت حتى الآن مخصصة حصريًا للكائنات المهيبة – مثل المشي، وصعود أو نزول الدرج، والابتسام، والإيماء، وقبول أو تسليم شيء ما، والتلويح، والتوقف – يبدو أن موسوليني، وفقًا للصور، قد استولى عليها بتصميم رجولي. من المؤكد أن لكلّ لحظة أهميتها في حياة الرجل العظيم. وبطريقة ما، أشعر بخيبة الأمل لأن التقارير المصورة تتجاهل تصوير أولئك الذين من المرجح أن يكونوا أكثر تمثيلًا للإنسان عندما يكون تحت علامة السلطة. هنا، كما هو الحال في كلّ مكان حيث توافق شخصية سياسية بارزة على إبراز نفسها، أشعر بالأسف على اللحظات التي نرى فيها، على سبيل المثال، هذا الشخص يتثاءب، أو يقوم بانحناءة عميقة، أو يخلع سترته، أو يُخرج أوراقًا نقدية في متجر أو مطعم. ولا يبدو لي هذا الفضول هائلًا، بل على العكس من ذلك، هو النتيجة الطبيعية للفتنة التي أشعر بها تجاه اللقطات. حيث تم تصوير الكثير من المهابة والكرامة والشدة والود والسعادة المنزلية، فإن المراقب يترك برغبة في التعرف أيضًا على الحياة اليومية وعلى الأقل بعض اللحظات التاريخية غير السارة. ويحدث بالفعل أن نستشعر عند قراءة صحيفة أجنبية معينة خيبة أمل طفيفة تكشف عن أن الأمل المعقود على نهج دبلوماسي معين قد خاب أو أننا لسنا راضين تمامًا عند فحص مالية الدولة! لا يمكن رؤية أي شيء من هذا في واجهات المتاجر.

إن التفاؤل الذي يسود الشوارع الإيطالية مطلق للغاية، وصادق للغاية، إلى درجة أننا قد نشك في أنه قسري. وليس فقط الرسوم التوضيحية التي يبدو أنها تنبثق عنها وتساهم في نشرها، بل إن ظواهر الحياة العامة هي بمثابة العديد من الرسوم التوضيحية المتوقعة لها؛ حتى يكون ما نراه في الواقع مشابهًا للمادة المختارة للمراجعة. الفاشيون يسيرون في الشوارع على أنغام الموسيقى. إنهم يشكلون نوعًا من المرافقة التطوعية التي ترافق المسيرات العسكرية في جميع أنحاء العالم. إنهم يمشون بالخطوة المألوفة والمجنحة عمدًا للأتباع الذين ليس لديهم رأي، ولكن لديهم نوع من الموسيقى في أرجلهم. ولكن بما أنه ليس هناك ما يمكن قراءته على وجوههم غير نوع من الدوار الداخلي المتحرك، الذي يبدو أنه ناتج عن اتحاد نظراتهم الفارغة العنيدة وخدودهم المهتزة بإيقاع -وهو ما يعطي انطباعًا بالحماس الجماعي- فإن المصور الذي يقف على برميل ويصور فيلمًا، يستطيع بسهولة أن يلتقط لقطة للفيلم الإخباري مستر [2]، الذي سيعرض تحت عنوان “المسيرة المنتصرة للفاشية” على شاشات أميركا الدائنة.

“في هذين النصين اللذين يعودان إلى نهاية عشرينيات القرن الماضي، يكتب روث عن إيطاليا موسوليني بعد أن زارها، وهما يقدمان لنا “وثيقة” تاريخية، لما كانت عليه ذاكرة تلك المرحلة”

في بعض الأحيان تتوقف الموسيقى. ثم يطلق فاشي في الخلفية، على فترات قصيرة، صرخة الحرب المعروفة، والتي تذكرنا بشكل خطير للغاية بالعصور ما قبل التاريخ، وتجعلني أفكر -مع صرخات الحرب من المستحيل التحدث عن أي شيء آخر غير الانطباعات الشخصية- أكثر من ظلمة الماضي الأسطوري من الوضوح القاسي للتاريخ الروماني القديم. هذا واحد، وهو انفجار بوق مدوي ومنضبط، يثير في أذني أكثر من هذه الصرخة القادمة من حنجرة بشرية. أغلبية الفاشيين هم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين والخامسة والعشرين عامًا. ولكن في صفوفهم يوجد أيضًا رجال كبار السن يتمتعون بمظهر جدي مثل الآباء، ويبدو مظهرهم الحازم أكثر عسكرية لأن المرء معتاد، عند رؤية النضج الرجولي، على السماح لنفسه بالاقتناع حتى من خلال المظهر القتالي. ومع ذلك، فإن نوعًا من الابتذال المروع إلى حد ما ينبعث من هؤلاء الشيوخ. إنه يأتي من مزيج ذكي من القمصان السوداء وقبعات الكشافة الواسعة، المتطابقة مع اللون الأخضر الأمغر للمعاطف الطويلة.

هناك متفرجون فضوليون على جانب الطريق. إنهم لا يقولون شيئا، ولا يستجيبون لصرخات الحرب التي يطلقها المتظاهرون. لكن في بعض الأحيان، يبتعد رجل أو امرأة عن مجموعة المتفرجين، ويقترب من حافة الرصيف، ويطلق صرخة “هايل!” طويلة. هايل! “يرفع يده للتحية الشهيرة – تلك التحية المقدسة التي تعني كل شيء في آن واحد: “تحيا!”، “أهلًا!”، “صباح الخير!”، “وداع!”. أما الآخرون فيظلون صامتين ولا يتحركون. وبينما هو يبقى وحيدًا مع صراخه وتحيته، فإن صمت الآخرين، الذين ظلوا بلا حراك، له تأثير الصمت العدائي. وهذا ليس صحيحا بالتأكيد. أعتقد أن هذا يظهر عدم مبالاتهم فقط. ورغم ذلك، فمن المقنع بما فيه الكفاية أن مجرد مظاهرة واحدة تبدو وكأنها احتجاج شجاع.

 

في جميع الأماكن التي يتجمع فيها الجمهور وحيث يتجلى حسّ الناس في الديكور والأشياء المنزلية – في كل مكان يرى المرء صورة موسوليني

خلف الفاشيين البالغين يأتي المراهقون، ثم الصغار. جميعهم يرتدون الزي الرسمي. في حين أنه يمنح البالغين مظهرًا أكثر مغازلة وشبابًا، فإنه يحول الأطفال إلى نوع من الشخصيات العسكرية المتكلفة. لقد لاحظت في كثير من الأحيان أن العقلية القومية تفتقر إلى الشعور بالسخرية. في مشهد شارع وطني حيوي، يضرب الأطفال بالزي الرسمي ويحملون الأعلام نغمة تذكرنا بلطف بالمسرح المتنوع وتدريب حيوانات السيرك، وتوقظ في المتفرج فكرة أنه نسي دفع رسوم الدخول. لذلك عندما أرى فاشيين في الثامنة من عمرهم، لا يسعني إلا أن أفكر أن موسوليني نفسه، وهو في الثامنة عشرة من عمره، كان لا يزال مضطرًا إلى الخضوع لسلسلة كاملة من التغييرات في عقليته وآرائه؛ ويبدو لي من السخف أن نعترف هنا بأن الطفل الذي يتعلم القراءة والكتابة يعرف بالفعل أن الدكتاتورية الفاشية تمثل خلاص إيطاليا.

أنا أعلم، بطبيعة الحال، أن زيّه العسكري وطريقة مشيه ليست سوى النتيجة الواضحة للتعليم الديني الفاشي الذي يدرس في المدارس، والذي يقول شعاره الرئيسي: “أنا إيطاليا، سيدك، إلهك”!”؛ “أنا أؤمن بعبقرية موسوليني”!؛ “وبقداسة أبينا الفاشية، وباتحاد الشهداء”!؛ “وبتحول الإيطاليين وقيامة الإمبراطورية – آمين”.

أعرف أن هذا “التعليم المسيحي”، الذي لم يجرؤ على الاحتجاج عليه سوى رجل دين واحد في بلد البابا، وهو أسقف بريشيا، ليس هو الأكثر فعالية بين الوسائل المستخدمة في “باليللا” [3]، هذه الدورات التمهيدية المخصصة للأطفال.

ومع ذلك، فإن أي مظاهرة عامة يقوم بها قاصرون تثير دائمًا المفاجأة، لأنه من الصحيح أن الموافقة على مشاركة طفل في مظاهرة تشكل اعتداءً خطيرًا على سلامة هذا الطفل – تمامًا كما أن هذا التعليم الديني يشكل إساءة إلى الكنيسة (أو تدريب الأفيال الذي يمارس في مسارح المنوعات، يشكل إساءة إلى الطبيعة).

من وقت لآخر، كان الأطفال أيضًا يجبرون أنفسهم على الصراخ بأصواتهم الواضحة “إيا!” يا! ” بقناعة. وكان الأمر محبطًا حقًا. كنت أفكر في طيور الكناري المولودة في الأسر، والتي علمها مقلدو أغاني الطيور ألحانًا معينة. إذا استعادوا حريتهم في يوم من الأيام، بالصدفة، فلن يعرفوا الغناء بعد الآن. لا يعلمنا التاريخ أي شيء محدد عن طفولة عائلة غراتشي. ولكن يمكننا أن نفترض أنهم في سن الثامنة لم يصرخوا “إيا!” يا!”، ولا “أوه!”.

(*) صحيفة “فرانكفورتر تسايتونج”، 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1928.

II – الشرطة الكليّة القدرة

بعد يومين في روما، وجدت أن بواب الفندق شخص غير لطيف. يختلط ودّه المهني بالفضول الذي لا يخفيه جيدًا والذي يفضح المخبر العادي. فهو لا يمتلك الصفات التي تؤهله للعمل في خدمة الشرطة. لقد عمل في مجال الفنادق لمدة عشرين عامًا، كما يقول هو نفسه. لقد كان يعمل بوابًا في وقت كان فيه الأجنبي في إيطاليا لا يزال ضيفًا، وليس موضع شك من جانب السلطات. أول ما يلاحظ الأجنبي التغيير في النظام هو عند البواب. لقد كاد أن يلقي عليك التحية عندما أخذ جواز سفرك. أعترف بأن لدي انعدام ثقة عميق في الدول التي تشترط تسليم جوازات السفر عند الوصول إلى الفندق (وهناك مسافرون لا يبالون بهذا الأمر). وتصبح الضيافة التقليدية لبلد عاش على السياحة لسنوات، والذي ربما لن يتمكن من الاستغناء عنها لسنوات قادمة، موضع شك بالنسبة لي عندما يبدأ موظفو الفندق في ممارسة الوظائف التي تقع عادة على عاتق السلطات، ويحرمونني من جواز سفري، وبالتالي من حرية حركتي – حتى ولو لنصف يوم فقط. لكن حارس البوابة في فندقي يفعل أكثر من ذلك. إذا طلبت منه طوابع بريدية، بدأ في قراءة أسماء مراسليني، وحرصًا منه على إنقاذي من المتاعب، منعني من اتخاذ خطوة في اتجاه صندوق البريد. النتيجة: تصل الرسائل متأخرة بيوم أو يومين عن الموعد المتوقع.

هذا البواب لديه أصدقاء غريبون! نلتقي عدة مرات في اليوم ضمن حاشيته بأفراد ليسوا بالتأكيد من نزلاء الفندق. إنهم أفراد فضوليون، وعندما أسلمهم مفاتيحي، يقعون على الفور في صمت بليغ. عندما ابتعد، أشعر بنظراتهم على مؤخرة رقبتي. أحيانًا ألتقي في المقهى بالرجل الذي كان مع الحارس قبل نصف ساعة وفجأة يصمت عندما اقتربت منه!

نحن نعرف بعضنا البعض، إيا! إيا!

وأعلم أن هناك أجانب ينسون الجاسوس عندما يرون الآثار. ولكن بالنسبة لي، فإن الحساسية التي اكتسبتها وطورتها خلال إقامتي في الدول البوليسية، أي في الدول التي تتمتع بقوة شرطة هائلة، لا يمكن لأي نشاط سياحي أن يصرف انتباهي عنها عن الاضطرابات الشرطية الحيوية.

في كلّ مرة أذهب فيها لرؤية الرجل الذي أوصاني به صديقي من ميلانو، ينظر إلي البواب باهتمام شديد. كان هذا الرجل، وهو تاجر وكاثوليكي متحمس، مشتبهًا به في نظر الشرطة لفترة من الوقت. عندما نخرج من منزله معًا، يحيي حارس الباب ويبتسم له مرتين أكثر مما ينبغي، وأحيانًا يعطيه إكرامية. “رجل خطير!” لقد أخبرني المضيف. يمكنه الإبلاغ عني في أي وقت! -لماذا؟- هل يمكننا أن نعرف”؟

من المستحيل في الواقع أن نعرف لماذا يصبح شخص ما مشتبهًا به في نظر البواب الذي يحظى بثقة الشرطة. ويعيش المواطن في هذا الخوف بشكل مستمر. ويخضعه القانون بالكامل لسيطرة الشرطة التعسفية. ومن الضروري هنا أن نعطي لمحة موجزة عن مدى عجز المواطن في إيطاليا اليوم.

 

أومبيرتو نوبيل الذي قاد الحملة المأساوية إلى القطب الشمالي

وبحسب تصريحات موسوليني في 26 مايو/ أيار 1927، كان هناك 60 ألف دركي و15 ألف ضابط شرطة في إيطاليا الفاشية، بما في ذلك 5 آلاف في روما، بالإضافة إلى ميليشيا السكك الحديدية والبريد والبرق، التي كانت تتألف من 10 آلاف رجل. ويجب أن نضيف إلى ذلك ميليشيا الحدود وأكثر من 300 ألف متطوع يشكلون الميليشيا المسؤولة عن “الأمن الوطني”.

إن وجود هذه القوات وحده كافٍ لتقييد حرية المواطن الإيطالي. لكن هناك قوانين فاشية تمنع ذلك تماما.

لا يستطيع الإيطالي السفر داخل بلده إذا لم يحصل على بطاقة الهوية الإلزامية التي لا يمكن إصدارها إلا عن طريق خدمات الشرطة في المكان الذي يقيم فيه بشكل دائم. لن يتمكن أي فندق من إقامته. لن يتمكن من العثور على مكان حتى في المستشفى. الهجرة مستحيلة عمليا. لا تصدر السلطات جوازات سفر للأجانب. سيتم تغريم أي شخص يحاول عبور الحدود من دون جواز سفر بمبلغ 20 ألف ليرة والحكم عليه بالسجن لمدة لا تقل عن ثلاثة أشهر.

ومن ناحية أخرى، في إيطاليا، هناك فكرة مفادها أن الشخص يتمتع بـ “سمعة سيئة”. والمواطن الذي ينتمي إلى هذه الفئة لم يعد يتمتع بأية حرية فردية. إن الشرطة -أو بالأحرى الدرك- تراقبه باستمرار. ويحدد بدقة الأوقات التي يمكنه فيها مغادرة مكان إقامته. وتتمتع لجنة مكونة من ضباط الشرطة بسلطة كاملة في تعيين منزل له: في إيطاليا أو في المستعمرات. الشرطة وحدها هي التي تقرر مجرى أيامه، عمله، نومه، جولاته، وراحته. إن تفسير موسوليني لهذا النوع من الإجراءات هو كما يلي: “نحن نمنع هؤلاء الأفراد من ممارسة أنشطتنا العادية، تمامًا كما يعزل الأطباء أولئك الذين يعانون من أمراض معدية”.

لو التزمنا بهذه الصورة، فقد يعتقد المرء أن عزلة أولئك المتأثرين بمناهضة الفاشية كافية، وأن أولئك الأصحاء يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون. أوه! لا ينبغي لنا أن نخطئ! يجب الإعلان عن أي حدث عام لأغراض علمية أو رياضية أو خيرية قبل شهر واحد على الأقل إلى مدير الشرطة. هذا يمكن أن يمنعه. وتقدم له لجنة المشورة في قراره. ومن هم أعضاء هذه اللجنة؟ سكرتير الاتحاد الفاشي الإقليمي، وبجانبه: بوديستا -قائد الحامية. لا يجوز للمعلمين، والموظفين الحكوميين، وطلبة التعليم الثانوي والعالي، تكوين جمعيات – حتى الجمعيات ذات الهدف العلمي. (لم تكن مثل هذه القوانين موجودة في روسيا القيصرية ولا تزال غير موجودة في روسيا الحالية). حتى مراسم التأبين لا يمكن أن تتم بدون تصريح من الشرطة. ولها الحق في تحديد تاريخ ومكان أي فعالية عامة. ومن السهل أن نتخيل أنه حيث لا تستطيع أو لا تريد منع المظاهرة لأسباب خاصة بها، فإنها ستكون هي التي تقرر التاريخ والمكان، بحيث تصبح المظاهرة مستحيلة أو غير فعالة مسبقًا.

الآن فهمنا لماذا مضيفي خائف من بوابه. ومن خلال ممارسته البوليسية، أصبح يشكل نوعا من عامل الرأي العام. ومن المؤكد أن القانون يعرف المواطنين الذين، حسب نفس الرأي العام، لديهم سمعة سيئة. ولكن حراس هذا القانون لا يستطيعون دخول البيوت للاستماع والتأكد من أسس الشائعة. لذلك نحن نعتمد على المخبرين. منذ عهد مترنيخ، أصبح البوابون بمثابة عيون وآذان الشرطة.

يخشى الإيطالي بائع الصحف أو السجائر على زاوية الشارع، ومصفف الشعر، والبواب، والمتسول، وجاره في الترام، ومفتش التذاكر. وبائع السجائر، ومصفف الشعر، والجار، والمسافر، والمفتش يخافون من بعضهم البعض. عندما سألت صديقي في يوم وصول نوبيل، في مقهى في ميلانو، دون انتظار إجابة جادة منه، ولكن فقط لكسر الصمت الثقيل: “ما رأيك في نوبيل؟” أجابني من دون تردد: “أنا لا أهتم بالسياسة! -في القطب الشمالي، تقصد [4]؟- لا للسياسة! “واصل بإصرار. وفتح صحيفته وانغمس في سرد ​​المناورات.

ثم بدأت أتصفح خطابات موسوليني الكاملة، ووقعت عيناي على السطور التالية: “يجب أن تكون مقتنعًا بأن الوزراء وأمناء الدولة في الدولة الفاشية ليسوا سوى جنود. يذهبون إلى حيث يأمرهم الزعيم بالذهاب، ويبقون حيث آمرهم بالبقاء. “نظرت إلى الأعلى ورأيت نظرة مألوفة. على بعد طاولتين مني، جلس صديقي في الفندق، مرتديًا ربطة عنق مخططة باللونين الأحمر والأبيض، وشعره لامع بسبب دهن الشعر، وعصا رفيعة من الخيزران على الكرسي المجاور له، ويده مغطاة بحلقات وردية لامعة تستقر على ظهره، وابتسامة ضعيفة على شفتيه -يعتبرها أمرًا مفروغًا منه-. لقد سمع أننا نتحدث بلغة أجنبية. ما هذه اللحظة المهمة! مقابل ليرتين ونصف سيبلغ الشرطة. أوه!

(*) صحيفة “فرانكفورتر تسايتونج”، 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1928.

هوامش:

[1] جنرال ومهندس طيران (1885-1978) قاد الرحلة القطبية الفاشلة عام 1928. نُشر في كتاب “في سفينة هوائية إلى القطب الشمالي” عام 1970.

[2] أوسكار ميستر (1866-1943): أحد مؤسسي صناعة السينما الألمانية (UFA)؛ مبتكر أول نشرات الأخبار منذ عام 1914: M. Wochen (Messterwochen).

[3] تمّ تسميتها على اسم جيوفاني باتيستا بيراسو، المعروف باسم باليلا، وهو شاب من جنوى أعطى إشارة الثورة ضد النمساويين في عام 1746. لي باليلا: جريدة مصورة، تتكون من قصص مصورة للأطفال.

[4] إشارة إلى الحملة المأساوية إلى القطب الشمالي التي قادها الجنرال أومبيرتو نوبيل، والتي كان موسوليني يتوقع منها أفضل النتائج.

 

المترجم: إسكندر حبش
شارك هذا المقال

Continue Reading

Previous: القطاع الطبي في سوريا: بين توقّف الدعم الدولي والفساد الإداري….المصدر:موقع درج…مصعب الياسين – صحافي سوري
Next: الأمم المتحدة تتطلع لضمان حقوق المكونات السورية بالنسخة النهائية للدستور.المصدر:رووداو ديجيتال

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

عراقجي في بيروت.. تغيير الخطاب أم الأسلوب؟ حسن فحص…….المصدر:أساس ميديا

khalil المحرر يونيو 7, 2025
  • مقالات رأي

حكاية رئيسين: الحريري الوسيط وعبيد المستشار (2/3)المصدر:أساس ميديا

khalil المحرر يونيو 7, 2025
  • مقالات رأي

وزير الخارجيّة السّوريّ يزور لبنان… أخيراً محمد قواص……..المصدر:اساس ميديا

khalil المحرر يونيو 7, 2025

Recent Posts

  • عراقجي في بيروت.. تغيير الخطاب أم الأسلوب؟ حسن فحص…….المصدر:أساس ميديا
  • حكاية رئيسين: الحريري الوسيط وعبيد المستشار (2/3)المصدر:أساس ميديا
  • وزير الخارجيّة السّوريّ يزور لبنان… أخيراً محمد قواص……..المصدر:اساس ميديا
  • إسرائيل تعلن الحرب على جوزف عون؟ جوزفين ديب……..المصدر:اساس نيديا
  • “أمّة” من متعدّدي الجنسيّات … هل لكلّ سوري وطنان؟…المصدر: موقع درج…..أحمد ابراهيم- صحافي فلسطيني سوري

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • عراقجي في بيروت.. تغيير الخطاب أم الأسلوب؟ حسن فحص…….المصدر:أساس ميديا
  • حكاية رئيسين: الحريري الوسيط وعبيد المستشار (2/3)المصدر:أساس ميديا
  • وزير الخارجيّة السّوريّ يزور لبنان… أخيراً محمد قواص……..المصدر:اساس ميديا
  • إسرائيل تعلن الحرب على جوزف عون؟ جوزفين ديب……..المصدر:اساس نيديا
  • “أمّة” من متعدّدي الجنسيّات … هل لكلّ سوري وطنان؟…المصدر: موقع درج…..أحمد ابراهيم- صحافي فلسطيني سوري

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

عراقجي في بيروت.. تغيير الخطاب أم الأسلوب؟ حسن فحص…….المصدر:أساس ميديا

khalil المحرر يونيو 7, 2025
  • مقالات رأي

حكاية رئيسين: الحريري الوسيط وعبيد المستشار (2/3)المصدر:أساس ميديا

khalil المحرر يونيو 7, 2025
  • مقالات رأي

وزير الخارجيّة السّوريّ يزور لبنان… أخيراً محمد قواص……..المصدر:اساس ميديا

khalil المحرر يونيو 7, 2025
  • مقالات رأي

إسرائيل تعلن الحرب على جوزف عون؟ جوزفين ديب……..المصدر:اساس نيديا

khalil المحرر يونيو 7, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.