أنفق الأسد ثمانين بالمائة من الميزانية على تجهيز الجيش السوري ومخابراته، بينما ظل حزب البعث حصنًا لكل العربان الحاميَ الرؤوس. ملايين البشر انخرطوا فيه، وأشغلوا الكوكب بهتافاتهم وعنترياتهم، حتى إن صداها سُمع في قبرص. كل ذلك اختفى في صباح الثامن من ديسمبر عندما غادر جميع الجنود والبعثيين مرديين معاً “يالله، السلام عليكم”، وكأن شيئًا لم يكن، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حدث في العراق بعد انهيار نظام هدام وهروب جرذانه، وكأننا من جديد أمام مسرحية هزلية بميزانية دولة.
لقد بُنيت هذه المنظومة خلال ثمانية عقود، لكنها انهارت في لحظة واحدة، دون مقاومة تُذكر، وكأنها لم تكن سوى سراب. ورغم فداحة الخسائر، ورغم أن مثل هذا الحدث يستدعي مراجعة نقدية عميقة، لم تجد مثقفًا عربيًا واحدًا يدعو إلى تحليل هذا الأحداث الغريبة أو مساءلة أسس بنائه. بل على العكس، انشغل جميع المثقفين واشباههم بالتصفيق والهتاف للكافور الجديد، وكأن الفشل مجرد محطة مؤقتة في طريق النصر العظيم الذي لا يأتي أبدًا.
إن هذا الإهمال الجماعي للمراجعة، وهذه اللامبالاة أمام فشل منظومة استمرت لعقود وتقبلها يدعوان للدهشة. كيف يمكن أن تُمحى كل هذه التكاليف والجهود من الذاكرة في لحظة؟ ومن يضمن أن القادم سيكون أفضل؟ بل، كيف لا يكون أسوأ؟ وما هو السبب ؟ لكن لا بأس، فدائمًا هناك خطاب جديد يعدنا بأن “النصر قريب”، فقط اصبروا… ثمانية عقود أخرى!