احتجاجات غير مسبوقة
أنقرة- تتوسع رقعة الاحتجاجات في تركيا وباتت تتجاوز مصير رئيس بلدية إسطنبول الموقوف أكرم إمام أوغلو إلى تحدي سلطات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فيما حمل المتظاهرون الشباب لافتات كُتب عليها “نحن أبناء اللصوص الذين كبروا”، ساخرين من التعبير الذي استخدمه أردوغان في عام 2013 عندما كان رئيسا للوزراء، لوصف المتظاهرين.
ويجد الرئيس التركي نظامه أمام خطورة جيل ليس متحزبا ولكنه صاحب قضية يدافع من خلالها عن بلده، ولا يقبل أن ينتهي كل سياسي تركي بقضية ملفقة تحاك له كي يستبعد من الحياة السياسية حتى لا ينافس أردوغان على الانتخابات الرئاسية أو حزبه على مناصب مهمة مثل رئاسة بلدية إسطنبول.
ويقول مراقبون إن الجيل الذي يرفع لواء تحدي أردوغان مختلف عن الجيل السابق، إذ لا يمكن اتهام الآلاف من الشباب بانقلاب وتدفقهم بهذه الأعداد إلى الشوارع وفي كل هذه المحافظات دليل وزنهم وصعوبة السيطرة عليهم أو الصدام معهم باستخدام قوات الأمن والشرطة.
يوكسل تاسكين: ثمة غضب عارم. الناس يخرجون إلى الشوارع بشكل تلقائي. لأول مرة يهتم بعض الشباب بالسياسة
واعتبر الطالب آرا يلدريم أن “الذين يحكموننا ينتهكون حقوقنا” آملا في ألا “يستسلم” الشباب الأتراك. وقال يلدريم (20 عاما) وهو طالب في الطب متحدثا من أحد الشوارع المكتظة في حي يلدجيرميني في منطقة كاديكوي، أحد معاقل معارضي أردوغان في الجانب الآسيوي من إسطنبول “سنعيش في تركيا لمدة 20 أو 30 أو 40 عاما، يتعين علينا أن ندفع هذا البلد إلى الأمام“.
وتجمع عشرات الآلاف من المتظاهرين، معظمهم من الشباب أمام مبنى بلدية إسطنبول مساء الجمعة، فيما نُظمت تظاهرات مماثلة في عشرات المحافظات.
وأضاف يلدريم الذي ولد فيما كان أردوغان رئيسا للوزراء “إذا لم يستسلم الناس فربما نتوصل إلى نتيجة إيجابية“.
وأسفت صديقته إنجي إركان (19 عاما) أيضا لـ”انعدام الحرية” في تركيا.
وقالت الفتاة “غالبا ما يكون مصير الشخصيات السياسية المعارضة السجن. منذ صغري، كانت هناك تظاهرات، لكن السلطات لا تتغيّر. يحتج الناس، ويُقمعون، وتقف الأمور عند هذا الحد“.
وتشهد تركيا منذ الأربعاء تظاهرات متزايدة خرجت في أكثر من ثلثي محافظات تركيا البالغة 81، حتى في معاقل حزب العدالة والتنمية الحاكم، مثل قونية (وسط) وطرابزون وريز على البحر الأسود، رغم حظر السلطات التجمعات والانتشار الكثيف للشرطة.
وشاركت أطياف سياسية مختلفة في هذه التجمعات التي غالبا ما كان يقودها شباب، لاسيما الطلاب الذين يوصفون بأنهم لا يهتمون عادة بالسياسة.
وموجة التظاهرات هذه غير مسبوقة منذ احتجاجات جيزي الحاشدة في إسطنبول عام 2013 والتي انتشرت تدريجيا إلى كل أنحاء البلاد تقريبا.
وقال يوكسل تاسكين، النائب عن حزب الشعب الجمهوري المعارض الذي ينتمي إليه إمام أوغلو الموقوف منذ الأربعاء “ثمة غضب عارم. الناس يخرجون إلى الشوارع بشكل تلقائي. لأول مرة يهتم بعض الشباب بالسياسة“.
واعتبر كمال كان، الصحافي ومؤلف العديد من الكتب عن المجتمع التركي، أن “الشعور بأن الحصار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وحتى الثقافي، بات سائدا على نطاق واسع. أثار ذلك (الاعتقال) رد فعل شديدا، لاسيما بين الشباب القلقين على مستقبلهم في بلدٍ تزداد فيه القيود على الحريات. إنه رد فعل يتجاوز إمام أوغلو“.
إلهان أوزغل: نحن عازمون على إجراء هذه الانتخابات التمهيدية
وفي إشارة إلى الطبيعة غير الحزبية للتعبئة، دعا حزب الشعب الجمهوري جميع الأتراك، حتى غير الأعضاء فيه، للمشاركة الأحد في تصويت رمزي في الانتخابات التمهيدية التي من المقرر أن تفضي إلى تسمية أكرم إمام أوغلو، مرشحه الوحيد، لخوض الاستحقاق الرئاسي.
وأكد إلهان أوزغل، نائب رئيس الحزب “نحن عازمون على إجراء هذه الانتخابات التمهيدية. يحاولون منعنا، لكننا سنقوم بها“.
كما أعرب فرع إسطنبول لـ”حزب المساواة وديمقراطية الشعوب” (ديم) المؤيد للأكراد، ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي، عن دعمه للتظاهرات التي أصبحت حدثا يوميا أمام بلدية المدينة.
وأشار غونول تول من معهد الشرق الأوسط في واشنطن إلى أن محاولة الحكومة “إثارة خلاف” بين “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب” وأحزاب المعارضة الأخرى خلال مبادرة السلام مع حزب العمال الكردستاني فشلت بعد الانتقادات القوية التي وجهها “حزب المساواة وديمقراطية الشعوب” لتوقيف إمام أوغلو.
وأوضح كان “يبدو أن الحكومة تختبر الآن قدرة الاحتجاجات على الاستمرار. وتأمل في إضعافها من خلال الضغط وحظر التظاهر والاعتقالات. ولكن إذا استمرت هذه الموجة، فيمكننا حينها التحدث عن زخم اجتماعي وسياسي جديد“.
وأضاف “إذا خشيت المعارضة من تهديدات السلطات التي تتهمها باستفزاز الشارع وتُلمّح إلى ضعف عزيمتها، فستزيد الحكومة من الضغط. فالأيام المقبلة حاسمة“.
والسبت، أعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي كايا، أنه تم توقيف نحو 343 شخصا بعد الاحتجاجات. وبحسب وسائل الإعلام التركية، تواصلت عمليات التوقيف طوال الليل، وأوقف متظاهرون في منازلهم في الكثير من المدن عبر أنحاء البلاد، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة وإزمير وأنطاليا.