ماذا ينتظر “حزب الله” بعد كي يقتنع بأن ثمة قراراً اقليمياً – أميركياً اتخذ بعد السابع من أكتوبر للقضاء على أذرع ايران الواحدة تلو الأخرى، وأن لا سبيل الى تغيير هذا القرار قبل التأكد من أن الجمهورية الاسلامية باتت بلا خطوط دفاعية أمامية سواء في سوريا أو غزة أو لبنان وبلا أي فرصة لانتاج قنبلة نووية.
ولعل من سوء طالع الايرانيين وصول دونالد ترامب الى البيت الأبيض، هو الذي يرى في طهران مصدر خطر على الأمنين الاقليمي والدولي وعلى أمنه الشخصي أيضاً اضافة الى بقاء بنيامين نتنياهو في الحكم هو الذي يهمس أمام أعوانه أنه يريد أن يدخل التاريخ بصفته الرجل الذي أنقذ اسرائيل.
وما يجري في غزة واليمن والى حد ما في لبنان بعد قضية الصواريخ الثلاثة، يؤشر الى أن الجيشين الاسرائيلي والأميركي يخوضان معركة فاصلة تهدف الى سحب “حماس” والحوثيين من المعادلة العسكرية الايرانية نهائياً، وتبقي “حزب الله” مكشوفاً ومحاصراً في لبنان لا بل ذريعة تستغلها واشنطن وتل أبيب لتدفعا في اتجاه حرب لا توفر هذه المرة لا قيادات عسكرية ولا سياسية.
وليس من قبيل المصادفة أن تغتال اسرائيل شخصيتين سياسيتين من “حماس” هما صلاح بردويل وإسماعيل برهوم الذي يشغل منصب رئيس حكومة الحركة في خطوتين تثيران مخاوف من أن تعمد اسرائيل الى اغتيال قيادات سياسية من “حزب الله”، لا سيما أن الاغتيالات الأخيرة أثبتت أن الحزب لم يتمكن بعد من سد الخرق الأمني الفاضح الذي يعانيه منذ حرب ٨ أكتوبر.
ونقل عن مصادر أمنية غربية أن على الحزب تطبيق القرارين الرقمين ١٥٥٩ و١٦٨٠ اذا أراد فعلاً الاحتفاظ بمن تبقى من قادته وعناصره، مشيرة الى أن استهداف القادة الحوثيين في اليمن والفلسطينيين في غزة لا يعني أن هذه الحملة لن تشمل لبنان خصوصاً أن قادة الحزب الأمنيين والسياسيين باتوا مكشوفين تماماً لا سيما بعد اقفال المعبر السوري نحو ملاذات في العراق وايران، وبعدما بات ملجأ البرلمان الذي تحصنوا فيه ملجأ مكشوفاً ومفضوحاً.
وليست معادلة بيروت في مقابل المطلة سوى مؤشر على أن بنك الأهداف الاسرائيلية لن يستهدف أبنية ومؤسسات ومخازن أسلحة بمقدار ما قد يستهدف نواباً ووزاء من “حزب الله” في اطار خطة تشبه ما يجري في غزة أي تجريده من أي قيادات قادرة على التأثير في القرارات المصيرية أو على الأقل في عرقلة أي محاولة تبذلها واشنطن لتحويل القرار ١٧٠١ مدخلاً الى تطبيع محتمل بين اسرائيل ولبنان.
ويقول مصدر قريب من محور الممانعة ان مسؤولي الحزب يدركون ذلك ويتحسسون رقابهم، مشيراً الى أنهم يقرون في كواليسهم بأنهم خسروا الحرب، وأن ايران التي والوها حتى الانتحار تشهد أسوأ أيامها منذ الثورة الاسلامية في العام ١٩٧٩، وأن جل ما يطلبونه الآن هو البقاء خارج دائرة التصفيات أو على الأقل ضمن مظلة رسمية يستطيعون من خلالها الاحتفاظ بمتنفس ما، بعدما باتوا محاصرين من اسرائيل جنوباً وسوريا شرقاً وشمالاً، وبعدما بات الجيش اللبناني الجهة العسكرية الوحيدة المولجة أمن الحدود والبلاد، وبعدما باتت روافد العيش المتأتية من أعمال التهريب عملاً معقداً وخطيراً.
ويضيف: سواء كان “حزب الله” وراء اطلاق الصواريخ نحو المطلة أو أن هناك من يحاول جر اسرائيل الى استكمال ما بدأته في الحرب الأخيرة، فثمة حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي أن الرجل الذي قتل أقوى رجال ايران أي قاسم سليماني والرجل الذي قتل أقوى رجال الممانعة أي حسن نصر الله لن يجدا أي صعوبة في الانقضاض على ما يعتبرانه هيكلاً قيادياً يجب التخلص منه سواء كان من حجم نعيم قاسم أو من أي حجم لا يزال يشرّع السلاح وينصُب خيمته بين شمال الليطاني وجنوبه.