هل نعيد أياماً خلت جلسنا فيها نتابع تحليلات وتأويلات وآراء سياسية منها ما يتحدث عن حتمية وقوع الحرب وأخرى تقول باستحالة نشوبها حتى لو دخلنا وقتها في حرب الإسناد لغزة أو الإشغال لتخفيف وجعها، ظناً منهم أن عدواً كإسرائيل يهمه أو يهتم حتى بما فكر فيه “حزب الله” حينها، لكن الحرب القاسية والتي لم تمر بخير على كل اللبنانيين وليس على من خسروا أهلهم وبيوتهم وحسب، كانت تحمل رسالة إسرائيلية واضحة وهي: لا حرب ولا مواجهة مع إسرائيل بعد اليوم، وشمال فلسطين المحتلة سيبقى آمناً مهما كلف الأمر.
“مهما كلف الأمر” جملة من ثلاث كلمات، لكن معناها التطبيقي كبير، فهي وإن تؤكد ضرورة عدم وقوع حروب بصورة دائمة ومستمرة، إلا أنها في المضمون تقول أكثر من ذلك، فهي تظهر نية إسرائيل ومن ورائها أميركا في نقطة أساسية وهي حصرية السلاح بيد الدولة من جهة، وعدم وجود سلاح غير شرعي بالمطلق وخصوصاً سلاح الحزب من جهة أخرى، وهو ما يفتح صفحة من صفحات لبنان الدقيقة والخطيرة في آن.
يبدو أنها حرب لم تنتهِ وإن وقّع الطرفان على إنهائها وفقاً للقرارات الدولية، لكن هذه القرارات وعلى رأسها الـ ١٧٠١ ترى إسرائيل أنه لم يطبق لا من الحزب ولا من الحكومة اللبنانية، والأخيرة تحمّلها إسرائيل المسؤولية هذه المرة في عدم تطبيقه، وهنا بيت القصيد، هل نعد العدة لحرب جديدة تطال العاصمة، أم أن ما فعله الرئيس جوزاف عون لدى اطلاق الصواريخ من الجنوب عند اتصاله بالطرف الأميركي لعدم استهداف بيروت، سيكون لمرة واحدة؟
أسئلة كثيرة تدور في رؤوس اللبنانيين، شعباً ومسؤولين عن المرحلة القادمة، وهل سيكون شهر نيسان شهر الحسم في وقوع الحرب مرة ثانية من عدمها؟
الجواب حتى الساعة غير معروف، لأننا عدنا الى المربع الأول في التحليلات السياسية والتي تقول بحصول حرب والتي ترى أيضاً أن اسرائيل قلقة ليس من احتمالية المواجهة البرية مع “حزب الله” وحسب، بل لأن المقاومة تملك القدرة على إيذاء العدو من خلال قوتها الجوية والصاروخية، يعني ما حصل مجدداً في غزة امكان حصوله في لبنان كبير، وما حصل حتى الآن يؤكد لإسرائيل أن المشكلة لا تزال موجودة في لبنان، وأن “حزب الله” لم ينتهِ، وأنه قادر على إعادة بناء نفسه بطريقة مختلفة، وهذا التحليل بالذات واقعي ليس لأن الحزب يمكنه إعادة التموضع، بل لأن إسرائيل لن تقبل ولا تريد أن تسمح له بذلك، بدليل أنها لم تخرج بالكامل من لبنان وبدليل أكبر أنها لا زالت تقصف وتستهدف من تشاء وأينما تشاء ومتى تشاء، والكل يعرف أن ما يجري هو تكملة للاتفاق الذي أوقف الحرب، بمعنى آخر الكل على علم ببنود الاتفاق وبخفايا بعضها، والتي لم تعد على ما يبدو خافيةً على أحد.
المهم في كل الموضوع هو أن الأمور لا يجب أن تتفلت خصوصاً من يد لبنان، والأهم ألا يعود البلد الى حرب جديدة، لا سيما وأن الضغوط كثيرة عليه، وإسرائيل تنتظر على حافة النهر وتكون لديها الذريعة الكاملة للانقضاض مجدداً على الساحة اللبنانية، وهي التي تبدع في اختلاق الذرائع، لن تمر على ما حصل في عملية إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان مرور الكرام، بل ستتمسك بها كنقطة انطلاق لتهدد بها وتتوعد اذا ما تكرر هذا الخرق الكبير لاتفاق وقف اطلاق النار.
من هنا يجب التشديد على دور الديبلوماسية في الحلول المطروحة، والتعويل على المواقف التي صدرت من رئيسي الجمهورية والحكومة وسحبت أي مشروعية في استخدام الجنوب ساحة من جديد، كذا الحديث عن طي صفحة سلاح “حزب الله”، والتي من المفترض أن تشكل ركائز التحرك الديبلوماسي باتجاه لبنان أولاً لحمل إسرائيل على تجنب تفجير الوضع وثانياً وضع مسارات التفاوض على السكة الصحيحة، وأهمها النقاط الثلاث التي طرحتها المبعوثة الأميركية مورغان أورتاغوس في زيارتها للبنان، والتي تعدّ لزيارتها الثانية المتوقعة قريباً بعد زيارة لإسرائيل، في إطار مواكبتها للتطورات بين لبنان وإسرائيل والتحضير لتحريك المفاوضات غير المباشرة بينهما.
لبنان سيكون على موعد مع الكثير من الأحداث في المرحلة المقبلة كما سيكون الملف اللبناني موضع مباحثات سيتولاها الرئيس عون مع الدول الكبرى، علّ الآتي يحمل شيئاً من الاستقرار بدل الشعور القلق المتواصل بالخوف من تجدد الحرب، لأن ما جرى في الأيام الأخيرة يؤكد المؤكد: ضرورة استكمال إجراءات انتشار الجيش في الجنوب، التمسك بتطبيق قرار حصرية السلاح، لأنه تبين، أن أي سلاح خارج الدولة، سيورّط البلاد بما لم تعد قادرةً على تحمله شعباً ومسؤولين.