دخل اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل حيز التنفيذ فجر الأربعاء، 27 تشرين الثاني 2024، لمدة 60 يوماً، إلا أن الهدنة لم تضع حداً للانتهاكات الاسرائيلية، التي استمرت بأشكال متعددة، من القصف والخطف إلى القتل وتدمير البنى التحتية. وعلى الرغم من توقف الأعمال الحربية رسمياً، لا تزال إسرائيل تحتل خمس نقاط داخل الأراضي اللبنانية، بل وتعمل على تهويد موقع العباد، ما يزيد من التوتر في الجنوب.
99 ضحية و298 جريحاً
قبل سريان وقف إطلاق النار، بلغ عدد الضحايا 3,961، بينما وصل عدد الجرحى إلى 16,520. لكن النزيف لم يتوقف، إذ ارتفع عدد الضحايا منذ الهدنة إلى 99، فيما وصل عدد الجرحى إلى 298، في ظل استمرار الاعتداءات الاسرائيلية التي تضرب عرض الحائط بأي التزام بالاتفاق.
وتبرر تل أبيب استمرار احتلالها لتلك النقاط بعدم “تأكدها” من سيطرة الجيش اللبناني بصورة كاملة على الجنوب، ما يفتح الباب أمام المزيد من الخروق والتصعيد.
ضغط على العهد الجديد
تضع هذه التطورات العهد الجديد في لبنان أمام اختبار صعب، خصوصاً أن شعاره الأساسي هو بسط سيادة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح بيد القوات المسلحة الشرعية. لكن استمرار الاعتداءات الاسرائيلية يعزز موقف “حزب الله” في التمسك بسلاحه، ليس على مستواه وحسب، بل أيضاً في أوساط الجنوبيين الذين يرون أن إسرائيل تسرح وتمرح بلا رادع، ما يدفع بعضهم الى التفكير في تنظيم نفسه ضمن أطر مقاومة جديدة إذا تراجع الحزب عن دوره.
أهداف إسرائيلية تتخطى الخروق
مصادر مقربة من “حزب الله” ترى أن الضغوط العسكرية الاسرائيلية تهدف إلى تحقيق هدفين رئيسيين:
– إضعاف بيئة المقاومة داخلياً، عبر تكثيف الهجمات لإثارة السخط الشعبي ضدها.
– دفع لبنان نحو التطبيع، باعتبار أن ذلك سيكون الضمانة الوحيدة لاسرائيل لإنهاء أي تهديد مستقبلي على حدودها.
وتتساءل المصادر عن دور اللجنة المنبثقة عن اتفاق وقف إطلاق النار، قائلة: “هل تخبرها إسرائيل بوجود خرق، فتبقى اللجنة بلا حراك، ما يدفع تل أبيب إلى التصرف من تلقاء نفسها؟”. وتشير الى أن “إسرائيل لا تكتفي بالاعتداء العسكري، بل تسعى الى فرض معادلة جديدة تمنع حتى الانتماء السياسي للمقاومة، بحيث استهدفت كوادر غير عسكرية، من بينها عناصر لوجيستية”.
وتعتبر المصادر أن إسرائيل وجدت فرصتها سانحة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إذ تتصرف وكأنها تمتلك الغطاء اللازم لفرض شروطها بالقوة.
هل تعود الحرب؟
على الرغم من التصعيد، تستبعد المصادر عودة الحرب في الوقت الراهن، مؤكدة أن المقاومة لن تنجرّ إلى توقيت تل أبيب، بل تفسح المجال أمام العهد الجديد والمساعي الديبلوماسية. لكن إسرائيل، وفق المصادر، “تحاول بكل الطرق إعادة إشعال الجبهة، وما قصفها الشامل لكل لبنان السبت الماضي، باستثناء مواقع إطلاق الصواريخ، إلا دليلاً على ذلك”، متسائلة: “كيف تدّعي إسرائيل أنها استهدفت مواقع للمقاومة بعد انتهاء الحرب؟ هل علمت بها فجأة؟ لماذا لم تستهدفها خلال الحرب نفسها؟”، لتخلص إلى أن إسرائيل “تكذب بكل وقاحة، وتمارس الترهيب بلا مبررات”.
وعلى الرغم من أن المقاومة لا تنوي التصعيد حالياً، فإنها “جاهزة لأي حرب تفرضها إسرائيل، ولن تبقى متفرجة إذا تعرّض اللبنانيون للاستهداف”.
رهان أميركي على الانتخابات؟
في موازاة الضغوط الاسرائيلية، تتخوف المصادر من أن تلجأ الولايات المتحدة إلى إعطاء تل أبيب الضوء الأخضر لافتعال مواجهة جديدة، في حال فشلت خطتها لتحجيم المقاومة سياسياً في الانتخابات المقبلة. وإذا لم تحقق واشنطن أهدافها عبر صناديق الاقتراع، فقد تسعى، وفق التقديرات، إلى تعطيل نتائج الانتخابات من خلال “خضة أمنية، سواء عبر إسرائيل مباشرة أو عبر عمليات استخباراتية معينة”.