تواترت الأنباء عن سرقة قوات الاحتلال جثامين شهداء، وقد سُرقت جثث الشهداء في مشفى الشفاء الذي لم تجد تحتَه النفق المزعوم. وتتابعت أخبارٌ بالقبض على عصابة من حاخامات ونخبة أميركية تتاجر بالأعضاء البشرية. الإسرائيليون صيادو بشر وحضارة. ذكرت الأخبار أنّ “جيش الهجوم” وجد نفقاً قديما بناه المحتلون كما قال إيهود باراك. ويبدو أن سحر إسرائيل قد بطل وكيده انقلب ولا يفلح الساحر حيث أتى، سؤال: هل بناء الأنفاق رجسٌ من عمل الشيطان؟
يقول مثل إنكليزي: لا تدع المصيبة تمرّ من غير أن تفيد منها. يقول المثل العربي المماثل “مصائب قوم عند قوم فوائد”، لكن المثل الإنكليزي يدعو المرء إلى الاستفادة من مصيبته والتجارة بها. وقد سرق المحتلون كل شيء، وكانوا يبحثون عن هيكل سليمان المزعوم تحت الأقصى، فشغلهم “طوفان الأقصى” بالطوفان وبأنفاق غزّة. سرقوا أرض فلسطين، وثمارها وماءها وسماءها، وقد نفد الماء من أرضها، وقد ثبت أن إسرائيل أحد المشجّعين على بناء سد النهضة الإثيوبي، لأسباب عديدة ليس هنا محلّ عرضها.
كان الصيادون يصيدون الدبّ من أجل جلده السميك الواقي من البرد. أما الفرنسيون فاحتفظوا بجماجم الجزائريين الشهداء في متاحف للزينة والفخر. حصل هذا بعد الثورة الفرنسية وشعاراتها البرّاقة، يعلّق الصيادون رؤوس الطرائد والحيوانات المفترسة بعد تحنيطها في غرف الاستقبال عادة، وكان الظن الأول ورودا إلى الذهن أنّ إسرائيل تسرق الجثث للمقايضة بها مع جثث قتلاها، لكن تقارير أخرى ذكرت أنها تفعل ذلك من أجل استخدام جلود الضحايا في عمليات الترميم وتجميل الوجوه المشوّهة، أو ربما من أجل التنكّر كما في حكاية “ليلى والذئب”، فالذئب مثّلَ دور الضحية طويلا، وليلى هنا هي فلسطين.
سرق المحتل كل شيء من الفلسطيني كما سبق القول، طعامه وثوبه وزيّه ودموعه وعرقه ودمه، بل إنّ إعلاميا إسرائيليا يُحسن العربية تحوّل، في السنوات الأخيرة، إلى داعية يفتي ويهنئ المسلمين برمضان ويتلو آياتٍ مختارة من الذكر الحكيم!
إنّ سرقة الجلد بدعة حديثة ما عرفناها من قبل، لكنَّ بحثاً في بطن التاريخ قادنا إلى رواية إسرائيلية سرق فيها نبيٌّ منزلة نبي آخر، تقول الرواية إن العيص توأم يعقوب كان أحبّهما إلى أبيه، وكان يعقوب أحبّهما إلى أمه، وسمّي العيص عيصا لمّا عصى فخرج قبل يعقوب، فالصراع بينهما بدأ في رحم الأم، وكان إسحاق قد عمي، فقال لعيص: يا بنيّ، أطعمني لحم صيد واقترب مني، أدع لك بدعاء دعا لي به أبي. … وكان عيص رجلا أشعر، وكان يعقوب رجلا أمرد، فخرج عيص يطلب الصيد، فقالت أمّه ليعقوب: يا بنيّ، اذهب إلى الغنم فاذبح منه شاة، ثمّ اشوِها والبس جلدها، وقدّمها إلى أبيك، فقل له: إنّك عيص، ففعل ذلك يعقوب، فلمّا جاء قال: يا أبتاه كل. قال: من أنت، قال: ابنك عيص، قال: فمسّه فقال: المسُّ مسّ عيص والريح ريح يعقوب. قالت أمه: هو ابنك (يا راجل، كما تفعل ماما أميركا بولاية عهد فلسطين)، فادع له، قال: قدّم طعامك، فقدّمه فأكل منه. … ثم قال: أدن مني، فدنا منه، فدعا له أن يجعل في ذرّيته الأنبياء والملوك. وقام يعقوب، وجاء عيص فقال: قد جئتك بالصيد الذي أمرتني به. فقال: يا بني، قد سبقك أخوك يعقوب، فغضب عيص، وقال: والله لأقتلنّه، قال: يا بني، قد بقيت لك دعوة، فهلمّ أدع لك بها، فدعا له فقال: تكون ذرّيتك عددا كثيرا كالتراب ولا يملكهم أحدٌ غيرهم.
وهذه قسمة عجيبة وحيلة انطلت على نبي، حاشاه، قسم فيها إسحاق أمتي ولديه إلى ملوك وعبيد، ولتجدنّ إسرائيل تكرّر هذه الكذبة، فتقول: منّا العلم ومن العرب المال، بل إنك لتجد علماء من المسلمين العرب يخطبون على المنابر مبجّلين علوم إسرائيل و”حمق” العرب. الرواية الإسرائيلية غنيّة بالدلالات والتأويلات، وفيها سرقة يعقوب جلد شاة وديعة، وكسله عن الصيد، وتبرئته من الخداع، وفيها قوّة شمّ إسحاق التي سيرثها يعقوب في قصّة يوسف، ويذوق المكر الذي مكر به أباه!
إني لأجد ريح العزّة في غزّة.