ملخص
مع وصول الإدارة السورية الجديدة وقوات “قسد” إلى اتفاق، وإن بدا هشاً وغير واضح المعالم بعد ويحتاج إلى كثير من التفاصيل حول المستقبل السياسي والعسكري في الشمال الشرقي، إلا أنه يعد بوابة تجدها دمشق لإبعاد المقاتلين من جبال قنديل، والحفاظ على وحدة الأراضي بعد الحديث عن نوايا انفصالية من قبل أكراد سوريا شمالاً.
في الحديث عن المقاتلين الأجانب في سوريا، وما يدور حولهم من قلق حيال مستقبل حضورهم العسكري والسياسي بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024، لا سيما تسلم بعضهم قيادة في الجيش والقوات المسلحة، لا بد من الحديث عن المقاتلين الأجانب “أكراد جبال قنديل” وحضورهم الفاعل في معارك شمال شرقي سوريا.
جاء أخيراً الاتفاق بين حكومة دمشق وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” ليحل كثيراً من القضايا الخلافية، ولعل أبرزها تنظيم العمل العسكري بين الطرفين ودمج المقاتلين عبر جسم واحد، وكان انسحاب المقاتلين الأجانب ولا سيما أكراد قنديل شرطاً أساساً لإتمام اتفاق طال انتظاره.
وتقع جبال قنديل على بعد 120 كيلومتراً من شمال أربيل، وتمتد من أطراف جبال زاغروس في جنوب غربي تركيا وحتى إيران غرباً، وتلتقي هذه الجبال عند تقاطع الحدود العراقية – الإيرانية.
وبرز اسم هذه الفصائل المحاربة في سوريا مع اندلاع الحرب السورية، لكن في عام 2015 بدأ حضورها الطاغي على أثر تشكيل “قوات سوريا الديمقراطية” (تحالف عسكري من مكونات عرقية وقومية ودينية لمحاربة “داعش” بقيادة من المكون الكردي).
وتحدث رئيس مركز “جي أس أم” للأبحاث والدراسات من العاصمة الروسية موسكو آصف ملحم عن أهمية جبال قنديل الواقعة في أربيل على الحدود العراقية – الإيرانية وهي منطقة شديدة الوعورة، “وتعتبر المعقل الرئيس لحزب العمال الكردستاني ومعسكرات تدريباته منذ ثمانينيات القرن الماضي، وهنا بدأت جذورها تنشأ بهذه الجبال، وتمكنوا من توليد الكهرباء عن طريق الأنهار الموجودة هناك”.
لا توجد إحصاءات دقيقة حول أعداد المقاتلين الأجانب
في غضون ذلك لا توجد إحصاءات دقيقة حول أعداد المقاتلين الأجانب من جبال قنديل من المنخرطين في الصراع السوري، لكن تقديرات ترجح أنهم نحو 3 آلاف مقاتل، في وقت تقلل قوات “قسد” العدد إلى المئات من المقاتلين بعدما رفضت الاعتراف بوجودهم بعد اتهامات تركية بحضور مقاتلي “حزب العمال الكردستاني” في الصراع السوري.
وسلمت تركيا أخيراً التحالف الدولي في سوريا أسماء ما يقارب 1000 مقاتل، ودارت معارك ضارية بين الجيش التركي من جهة، و”قسد” ومقاتلي قنديل من جهة ثانية، وتعدى القصف حدود استهداف مقرات عسكرية لهم إلى تدمير محطات توليد الطاقة، وآبار نفط تسيطر عليها “قسد” المدعومة أميركياً.
وينتمي مقاتلو جبال قنديل إلى عدد من الدول، تركيا والعراق وإيران، ومنهم متطوعون من دول أوروبية عدة.
مفترق طرق تاريخي
ولفت الباحث ملحم إلى وجود قرابة 11 ألف مقاتل كردي من جبال قنديل وفق تقديرات تقارير روسية، وأضاف “يعتبر جبل قنديل قلب حزب العمال الكردستاني”، ويستشهد الباحث بكلام لعضو بالحزب الكردستاني أدهم البرزاني الذي قال “من دون قنديل لتحولنا إلى لحم ضعيف بيد العدو”.
في الأثناء، قال المختص بالصراعات في العالم العربي والإسلامي، عبدالغني مزوز في حديث خاص، “إن مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل أمام مفترق طرق تاريخي، فعبدالله أوجلان (مؤسس وزعيم حزب العمال الكردستاني) وافق على وقف إطلاق النار وحلّ حزب العمال وتسليم سلاحه، وهو ما استجابت له قيادات بارزة في الحزب”، وتابع “ثمة حديث عن بدء تنفيذ بنود هذا الاتفاق التاريخي، الذي وإن لم يستجب له الحزب بعناصره وكوادره كافة، فإنه في الأقل سيُحدث تصدعات في بنيته التنظيمية مما سينعكس بالضرورة على أدائه وفاعليته الميدانية”.
وفي الـ17 من فبراير (شباط) الماضي توصلت دمشق و”قسد” إلى اتفاق طوى الخلافات التي دارت بين الإدارة الذاتية الكردية والعهد الجديد، وتناول الاتفاق دمج المؤسسات العسكرية والأمنية، وإخراج غير السوريين، كذلك دار الحديث بعد يوم واحد من الاتفاق عن مطالبة “وحدات حماية الشعب” وأعضاء “حزب العمال الكردستاني” غير السوريين بالمغادرة.
وقال قائد “قوات سوريا الديمقراطية” مظلوم عبدي إن الاتفاق الأخير فرصة حقيقية لبناء سوريا جديدة تحتضن مختلف المكونات، وجاء في منشور على حسابه بمنصة “إكس” “في هذه الفترة الحساسة نعمل معاً لضمان مرحلة انتقالية تعكس تطلعات شعبنا في العدالة والاستقرار، ملتزمون ببناء مستقبل أفضل يضمن حقوق جميع السوريين، ويحقق تطلعاتهم في الإسلام والكرامة”.
أضاف الباحث السياسي مزوز “من جهة أخرى، يكشف الاتفاق بين السلطة الجديدة في دمشق و’قسد’ أن هذه الأخيرة تدرك محدودية الخيارات التي باتت تملكها، وألا جدوى من المواقف المتصلبة لا سيما بعد أحداث الساحل التي أكدت أن الفوضى والحلول العسكرية لن تكون في صالحها، خصوصاً والرئيس الأميركي دونالد ترمب، وفي خضم حروبه التجارية، لم تعد سوريا والبقاء فيها ضمن أولوياته”.
من جهته، اعتبر مدير مركز “جي أس أم” أنه في منطقة قنديل توجد 61 قرية تخضع لـ”حزب العمال الكردستاني”، “ومنذ عقود، تحاول تركيا الوصول إلى تلك المنطقة وتدمير البنية التحتية العسكرية، وشنت أيضاً غارات جوية عليها، ومنظمة العفو الدولية تتهم تركيا بقتل المدنيين القاطنين في تلك القرى”.
في المقابل، تنظر أنقرة، بقلق دائم، حول ما يدور في شمال سوريا منذ اندلاع الصراع السوري المسلح عام 2013، وترى في فصائل “حزب العمال الكردستاني” و”قوات سوريا الديمقراطية” والمجموعات التي تحارب إلى جانبهما تهديداً لأمنها القومي، وسعت إلى التوغل في الأراضي السورية لبناء منطقة عازلة بين البلدين، وشنت إسطنبول ثلاث عمليات عسكرية امتدت بين عامي 2016 ـ 2019 تحت مسميات عدة، “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، والهدف منها استكمال منطقة عازلة بعمق 30 كيلومتراً.
التهديدات المستقبلية
ومع وصول الإدارة السورية الجديدة وقوات “قسد” إلى اتفاق، وإن بدا هشاً وغير واضح المعالم بعد ويحتاج إلى كثير من التفاصيل حول المستقبل السياسي والعسكري في الشمال الشرقي، إلا أنه يعد بوابة تجدها دمشق لإبعاد المقاتلين من جبال قنديل، والحفاظ على وحدة الأراضي بعد الحديث عن نوايا انفصالية من قبل أكراد سوريا شمالاً، في وقت علّق وزير الخارجية التركية هاكان فيدان عن مراقبة بلاده الاتفاق من كثب ولم يخفِ مخاوف بلاده من التهديدات المستقبلية المحتملة على بلاده.
في هذا الوقت شن الجيش التركي هجمات متكررة على مواقع في الشمال الشرقي للبلاد على رغم الاتفاقية الموقعة بين حكومة دمشق وقوات “قسد”.
المقاتلون الأجانب… في تصريحات وقرارات الحكومة السورية
أكثر القضايا حساسية في البلاد ولم يتطرق إليها خطاب رسمي مباشر وتفصيلي
“اندبندنت عربية ”
ملخص
تؤكد الحكومة الجديدة في سوريا أن بناء المؤسسة العسكرية قادم لا محالة وأنها تسعى إلى دمج جميع المقاتلين الأجانب في صفوف الجيش الوطني، وإلى إقامة “علاقة متوازنة مع الدول العربية والأجنبية”.
في ظل تعقيدات المشهد الأمني والسياسي في سوريا الجديدة يبرز ملف المقاتلين الأجانب المنتظمين في صفوف عدد من الفصائل الموجودة اليوم على الأراضي السورية، كإحدى أهم وأكثر القضايا حساسية في البلاد، لا سيما بعد الأحداث الدامية التي شهدتها منطقة الساحل في مارس (آذار) الماضي.
وعلى مدار 14 عاماً منذ بدء انطلاقة شرارة الثورة السورية حاز الملف اهتماماً كبيراً إقليمياً ودولياً وتصاعد هذا الاهتمام أكثر تزامناً مع إطلاق عملية ردع العدوان في الـ28 من نوفمبر من عام 2024، إذ ظهرت تساؤلات عدة عن بنية وانتماءات فصائل المعارضة التي قادت العملية من شمال غربي سوريا وصولاً إلى السيطرة على العاصمة دمشق وإطاحة نظام بشار الأسد.
كذلك ومع إصدار رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع بعد أيام قليلة من رحيل الأسد قراراً يقضي بحل الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي، في خطوة أولى لإعادة تأسيسها وهيكلتها وفقاً لمعطيات المرحلة، علت الأصوات المطالبة بتفسيرات واضحة حول مستقبل المقاتلين الأجانب وكيفية التعامل معهم، وسط مخاوف من قدرة الإدارة السورية الجديدة على ضبطهم، ومدى قابليتهم للانصياع إلى أوامرها، وما يتطلبه ذلك من تخليهم عن “الأيديولوجيا الجهادية” التي يعتنقونها.
ولعل السؤال الأبرز هنا ما أهم القرارات والتصريحات التي صدرت عن الحكومة السورية الجديدة حول هؤلاء المقاتلين الأجانب؟ وبداية، يجدر التنويه إلى أن الباحث في هذا الملف، ستواجهه أولاً، حقيقة عدم وجود خطاب رسمي ومباشر وواضح تطرق للقضية، وثانياً عدم وجود جهة إعلامية حكومية رسمية تفيده بالتوثيق.
تعيين مقاتلين أجانب في الجيش السوري
في الـ29 من ديسمبر (كانون الأول) 2024 وفي إطار “عملية تطوير وتحديث الجيش والقوات المسلحة السورية، وبناء الأطر الوطنية لتحقيق الأمن والاستقرار” نشرت القيادة العامة الجديدة عبر حسابها على “تيليغرام” قائمة تضم عشرات أسماء الضباط الذين جرى ترفيعهم.
من بين الترفيعات رُفع ضابطان إلى رتبة لواء أحدهما وزير الدفاع الحالي مرهف أبو قصرة، فيما تم ترفيع 5 ضباط آخرين إلى رتبة عميد، والبقية إلى رتبة عقيد.
أثارت قائمة الترفيعات جدلاً واسعاً في الأوساط الشعبية والسياسية، إذ تضمنت أسماء ستة “جهاديين أجانب” بينهم ألباني وأردني وطاجيكي وآخر من الإيغور ينتمي إلى الحزب الإسلامي التركستاني، وتركي كان “قائد لواء” في “هيئة تحرير الشام”.
وقد جاء في المرسوم المنشور أن القرار اتخذ بناءً على مقتضيات العمل العسكري وتحقيقاً لأعلى معايير الكفاءة والتنظيم، ومن أجل تعزيز الثقة بقدرات الجيش العربي السوري بكل فئاته ومرتباته.
يجب مكافأة المقاتلين الأجانب
تناقلت وسائل إعلام عدة ما قيل إنه تصريحات لرئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع في مؤتمر صحافي انعقد في مقر رئاسة مجلس الوزراء بدمشق أوضح فيها أن الجرائم التي ارتكبها النظام المخلوع هي التي أدت إلى “الاعتماد على مقاتلين أجانب”. وأشار الشرع في تصريحاته إلى أن هؤلاء المقاتلين يستحقون “المكافأة” على مساندتهم الشعب السوري، إذ إنهم أسهموا في إسقاط الأسد، ولمح إلى إمكان منحهم الجنسية السورية في المستقبل.
وبناءً على السبب المذكور بين أن الإدارة السورية تسعى إلى دمجهم في الجيش الوطني للبلاد، وأن هناك خططاً لإخراجهم من الفصائل المستقلة ووضعهم تحت قيادة موحدة، وهم لا يشكلون خطراً على الدول الأخرى، مؤكداً أنه ستتم معالجة أوضاعهم وتسويتها وفقاً للقانون.
من جهته أشار وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة في لقائه مع وكالة الصحافة الفرنسية بعد 10 أيام من سقوط النظام السوري إلى أن بناء المؤسسة العسكرية في البلاد قادم لا محالة، وتحت جناحها ستنضوي كل الفصائل المعارضة بما في ذلك جناح “هيئة تحرير الشام” العسكري. وقال إن الإدارة الجديدة تطمح إلى بلوغ مرحلة لا يتم خلالها التكلم ضمن مبدأ “الفصائلية” التي كانت وسيلة لتحقيق غاية التحرير.
وفي تصريح آخر نسبته له وسائل الإعلام قال أبو قصرة إن أعداد “المقاتلين الأجانب” قليلة وهم ملتزمون السياسة العامة للبلاد، مؤكداً أن سوريا لن تشكل خطراً على أي دولة، إذ إن الحكومة السورية تسعى إلى “علاقة متوازنة مع الدول العربية والأجنبية”.
“مقاتلون أجانب” إلى جانب أطراف أخرى
في يناير الماضي أجرى رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع مقابلة تلفزيونية على قناة “a-haber”، هي الأولى على وسيلة إعلام تركية، قال خلالها بصفته القائد العام للإدارة السورية الجديدة، آنذاك، إن الإدارة لن تقبل بوجود أي مجموعات مسلحة خارج سيطرة الدولة، مؤكداً عدم قبوله بوجود “مجموعات المقاتلين الأجانب” في سوريا.
في تصريحه مع القناة التركية كان من الواضح أن الشرع رافض لأي “جماعات أجنبية مسلحة” على الأراضي السورية، لكن تجدر الإشارة في الوقت نفسه أن التصريح جاء في إطار حديثه عن عدم سماح إدارته لوحدات حماية الشعب الكردية، وهي المكون الرئيس لقوات سوريا الديمقراطية، بأن يكون لها أي جماعات مسلحة خارج سيطرة الدولة أو أن يكون لها “مجموعات من المقاتلين الأجانب” في سوريا.
من جانب آخر نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” عن المدير العام للشؤون المدنية عبدالله عبدالله تصريحاته بأن الإدارة السورية الجديدة ستبدأ قريباً إجراءات إلغاء الجنسية التي منحها رئيس النظام المخلوع بشار الأسد لمقاتلين عرب وأجانب شاركوه في حربه ضد السوريين خلال السنوات الـ14 الأخيرة.
وأوضح عبدالله أن القرار يستهدف فقط من حصلوا على الجنسية لأسباب سياسية أو عسكرية، ويستثني من اكتسبها وفقاً لحالات مثل الزواج من سوريين، وأن إجراءات إلغاء الجنسيات ستتم فور اكتمال تجهيز الشبكة.
أما فيما يخص أعداد أولئك المقاتلين المجنسين خلال الحرب فلم يستطع عبدالله أن يعطي رقماً دقيقاً بسبب الأضرار التي لحقت بأنظمة السجل المدني، مشيراً إلى أن معظم المقاتلين الأجانب الذين حصلوا على الجنسية السورية فروا من البلاد بعد سقوط الأسد في ديسمبر 2024، مرجحاً توجههم إلى العراق.
مجتمعات المقاتلين الأجانب في سوريا ما بين الاندماج والانعزال
شكلت المضافات المقر الأساس لاستقبالهم وبعدها كانوا يوزعون في أماكن خاصة بهم للسكن والعيش قبل الانخراط في القتال
عبد الحليم سليمان مراسل
ملخص
لم يقتصر توافد المقاتلين الأجانب على المجيء للأفراد بل اصطحب عديد منهم عائلاتهم وشكلوا مجتمعات خاصة بهم، لكن الحياة الجديدة لهذه العائلات شكلت تحدياً لهم وللمجتمع السوري المستضيف.
شكل عام 2013 ذروة توافد المقاتلين المتطرفين إلى سوريا وتأسيس كتائب وفصائل عسكرية خاصة بهم والانضمام للقتال إلى جانب جبهة النصرة (تنظيم القاعدة) وتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” ضد القوات الحكومية وحلفائها.
وتجاوز عددهم 300 ألف شخص مع عائلاتهم وفق دراسات حاولت حصرهم خلال أعوام توافدهم إلى داخل الأراضي السورية، وتنوعت أسباب قدومهم ودوافعهم للانضمام إلى القتال داخل سوريا لكنها كانت تتمحور حول العمل الجهادي والمشاركة في دولة الخلافة وفق الأدبيات الدارجة وقتها، وبخاصة بعد إعلانها من قبل تنظيم الدولة، كما أن كثيراً منهم دخل مع عائلاتهم بينما آخرون توافدوا فرادى سواء من الرجال والنساء.
شكل هؤلاء مجتمعات خاصة بهم داخل المدن والبلدات السورية كما في الرقة ومدن وبلدات محافظة دير الزور وإدلب وريف حلب وغيرها من المناطق السورية، التي سيطر عليها تنظيم “داعش” أو الفصائل السورية المسلحة التي جاءها هؤلاء المقاتلون.
وخلال حكم “داعش” كانت المضافات المقر الأساس للمقاتلين الأجانب خصوصاً في مرحلة الاستقبال، ولاحقاً كانوا يوزعون للسكن داخل ذات المدن التي أحكم التنظيم سيطرته عليها، وكانوا يمنحون شققاً سكنية استولى عليها التنظيم جراء عائديتها إما لأفراد سابقين في النظام أو جرى الاستيلاء عليها بالقوة من أشخاص معارضين للتنظيم، كما أن بعض هؤلاء العناصر استأجروا منازل خاصة بهم إما من حسابهم الخاص أو بدعم من التنظيم.
وانتشر المقاتلون الأجانب داخل مناطق وجود “جبهة النصرة” التي استضافتهم وعقدت معهم التواصل من أجل تأمين مشاركتهم في القتال، وعلى رغم ذلك فإن عدداً منهم شكل جماعات عسكرية خاصة به، ومجتمعات خاصة بعائلاتهم خصوصاً في إدلب وريفها، فمثلاً تمركز المقاتلون الإيغور داخل منطقة جسر الشغور وريفها وقرب بلدة حارم ودخل كثير منهم مع عائلاتهم، إذ انتقل بعضهم في بادئ الأمر من أفغانستان والذين كانوا يقاتلون إلى جانب تنظيم “القاعدة”، إضافة إلى توافد آخرين عبر دول مثل تايلاند وماليزيا وإندونيسيا وصولاً إلى تركيا التي تحضن مجتمعاً كبيراً منهم وترعاهم جمعيات خيرية، وهو أمر يثير حفيظة الصين.
وتشير بعض المصادر إلى أن عددهم كان نحو 20 ألف شخص عام 2017، ويتصدر المشهد الإيغوري عسكرياً في سوريا الحزب الإسلامي التركستاني الذي كسب سمعة قتالية كبيرة بين السوريين من خلال مشاركاته العسكرية في مناطق حلب وإدلب واللاذقية وحماة، وحتى في دير الزور والحسكة.
وعلى المنوال ذاته يوجد عدد من المقاتلين الأوزبك والطاجيك، وآخرون متحدرون من جمهوريات آسيا الوسطى والاتحاد السوفياتي السابق مع عائلاتهم داخل المنطقة وهم أيضاً مقاتلون شرسون مثل الإيغور ويحظون باهتمام المتطرفين في سوريا، كما أن كتيبة خاصة بهم كانت تنشط في مجال الدعاية لتجنيد الأطفال ومعروفة باسم “كتيبة الإمام البخاري” وصنفتها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية.
الأطفال الأشبال
وفي هذا الجانب، فإن مشاركة الأطفال في أشرطة دعائية للتدريب على القتال وحتى المشاركة في إعدامات ميدانية خاصة، في ما عرف بـ”أشبال الخلافة” مع تنظيم “داعش” شكلت صدمة عالمية وقتها، إذ كانت تشير تلك الأشرطة إلى نمط حياة هؤلاء الأطفال الذين قدموا مع آبائهم أو الذين ولدوا لاحقاً داخل سوريا، وباتوا جزءاً من التفكير الجهادي والتربية القتالية على أساس أنهم مقاتلون مستقبليون في صفوف هذا التيار، الذي وجد بيئته الفكرية والعسكرية مع احتدام الصراع في سوريا.
المقاتلون الأجانب في سوريا الجديدة… معضلة الوجود والمصير
كذلك شكل المقاتلون الشيشان مع عائلاتهم جسماً اجتماعياً وقتالياً في سوريا وكسب عدد منهم سمعة القوة القتالية، وبخاصة أن بعضهم يتحدر من خلفيات جهادية وشارك في حرب أفغانستان وضد القوات الروسية، كما أن معظم هؤلاء المقاتلين بقوا مع “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة) وتجنبوا القتال مع الفصائل، وقدر الرئيس الروسي عام 2017 عدد المقاتلين الروس بنحو 4 آلاف و5 آلاف مقاتل من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق.
الاختلاط في الحياة العامة
يشكل المقاتلون الأجانب مجتمعاتهم الخاصة التي تتميز بطابع علاقاتها ونمط الحياة الخاصة بها والمنغلقة إلى حد بعيد، بسبب عامل اللغة والثقافة المختلفة عن المجتمع السوري، ولو كانت المشتركات في العيش بمجتمع مسلم يجمع بينهم إلا أن ذلك يبدو ظاهراً في بيئة المقاتلين الأجانب أكثر من المقاتلين العرب الذي انضموا إلى القتال في سوريا، وبعضهم انخرط في المجتمع السوري وبخاصة داخل مناطق إدلب وريفها.
كما أن الحياة الاقتصادية لهذه المجتمعات غير نشطة أو واضحة مع المحيط السوري إذ لم يخرجوا من إطار المجتمع المتطرف، أي القتال فحسب، والعيش على المعونات والمساعدات والرواتب والمنح التي غالباً ما تصل إليهم من الخارج، في حين لا يظهر أي نشاط اقتصادي في العمل التجاري أو الصناعي والحرف أو التحصيل العلمي وغيرها من الأنشطة الحياتية اليومية، فيما يعتمد بعض آخر منهم على الدواجن والمحاصيل التي يعتاشون منها داخل منازلهم الريفية.
وشكل سقوط نظام بشار الأسد فرصة لبعض منهم للانتقال جغرافياً من إدلب إلى الداخل السوري، وأصبح هؤلاء المقاتلون الأجانب سكان العاصمة وغيرها من المدن، وباتوا يقيمون في منازل كانت تابعة لعناصر النظام السابق أو الميليشيات التي كانت تدعم النظام وموالية لإيران.
الزواج
من كلا الجنسين وبخاصة الرجال، عقدوا علاقات زوجية مع سوريات خلال الأعوام الماضية ونتج منها أعداد كبيرة من الأطفال، وعلى رغم عدم معرفة العدد الحقيقي لهذه الحالات فإنها لم توثق في السجل المدني الرسمي، سواء في فترة حكم الأسد أو بعد سقوطه، الذي لم يشهد سن قوانين تسمح بذلك.
وانتشرت الظاهرة بصورة كبيرة في عدة مدن كالرقة ودير الزور أثناء سيطرة تنظيم الدولة وكذلك في المحافظات الداخلية التي انتشر فيها المقاتلون الأجانب. وأُثيرت مخاوف وتحذيرات أطلقها عدد من الناشطين السوريين خلال فترات وأماكن مختلفة مفادها ضياع حقوق المرأة والأطفال الذين يولدون جراء هذه الزيجات غير الرسمية حكومياً، لا سيما أن ذلك ترافق مع مخاوف اجتماعية كأن يكون الزوج الأجنبي غير معروف النسب أو العائلة، ناهيك بعدد منهم قُتل في المعارك أو ترك البلاد أو اعتُقل، وبخاصة أولئك الذين قاتلوا إلى جانب تنظيم “داعش” والمحتجزين في سجون قوات سوريا الديمقراطية.
هذه الظاهرة دفعت في مناسبات عدة ناشطين داخل المجتمع المدني إلى إطلاق حملات ودعوات للتوعية بأخطار الزواج من المقاتلين الأجانب، إذ أطلقت مجموعة من الناشطين الإعلاميين والحقوقيين في مناطق إدلب وريف حلب الغربي وريف حماة الشمالي مبادرة مطلع عام 2018، دعت فيها السوريات لعدم الزواج من المقاتلين الأجانب تحت عنوان “مين زوجك؟”.
وبحسب موقع “سناك سوري” خلال العام ذاته، فإن هناك نحو 1750 حالة زواج لسوريات من مهاجرين، 1124 منهن أنجبن أطفالاً، وبلغ عدد المولودين لآباء مهاجرين 1826 طفلاً، في حين لا توجد أية إحصاءات لزواج رجال سوريين من أجنبيات مهاجرات لفصائل إسلامية.
ماذا عن مناطق “قسد”؟
في شمال شرقي سوريا يبدو مشهد المقاتلين الأجانب وعائلاتهم مختلفاً، فطوال أعوام القتال بين تنظيم “داعش” وقوات سوريا الديمقراطية قُتل عدد من المقاتلين الأجانب ومنهم من كان إلى جانب عائلاتهم إثر الغارات الجوية التي شنتها طائرات التحالف الدولي على مقراتهم داخل المنطقة، لكن ما إن انتهت المعارك واستسلم الآلاف من مقاتلي التنظيم بمن فيهم المقاتلون الأجانب داخل آخر معاقلهم في الباغوز أواخر مارس (آذار) 2019، أصبح الجميع معتقلين في مراكز الاحتجاز والبالغ عددها حالياً 26 سجناً وتحوي أكثر من ألف مقاتل ينتمون إلى أكثر من 50 جنسية أجنبية، في حين نُقلت العائلات المرافقة لأفراد التنظيم المقاتلين حتى آخر معقل، ويبلغ تعدادهم نحو 8 آلاف يقيمون داخل مخيمي الهول وروج في ريف الحسكة.
وخلال الأعوام الماضية سلمت الإدارة الذاتية عدداً من هؤلاء الأطفال خصوصاً الأيتام منهم وبعض النسوة لدولهم، التي لم ترضَ غالبيتها باستقبالهم في مجتمعاتهم المحلية، في حين تمكن بعض عائلات التنظيم من الهرب من مخيم الهول والتوجه نحو مناطق تحكمها الفصائل في إدلب، وكذلك الموالية لتركيا مثل جرابلس وإعزاز وتل أبيض وسري كانيه (رأس العين)، واستطاعوا تكوين تجمعات سكنية خاصة خلال الأخيرة والإقامة في منازل سكانها الأصليين الذين نزحوا منها جراء عملية “نبع السلام” خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2019.
في حين تمكنت منظمات إنسانية تركية مثل “IHH” من إخراج بعض هذه العائلات من المخيم من طريق التهريب بحسب اعترافات أدلتها نساء أجنبيات، وتمكنت المنظمة من نقل عائلات التنظيم من الجنسية العراقية من مدينة رأس العين إلى داخل الأراضي التركية وتسليمهم إلى دولتهم على عدة دفعات.