الحركة تلوذ بالسرية لتلافي إضعافها وتأهيل الحزب سياسيا يرتبط بتفكيك سلاحه.
لبنان نيولوك: وداع لافت لجداريات حزب الله
غزة / بيروت – تجد حركة حماس نفسها مضطرة إلى تشكيل قيادة جديدة غير معروفة وتتسم بالتشدد مع اللجوء إلى السرية لتلافي خطط استئصالها ضمن مقاربة اليوم التالي للحرب، فيما يجد حزب الله نفسه في وضع أقل سوءا؛ إذ يقول له المسؤولون اللبنانيون المدعومون، إقليميا ودوليا، فكّك سلاحك ومكانك السياسي مضمون في تشكيلة لبنان.
ويشير اختلاف الوضع بين حماس وحزب الله إلى التفاوت في مصائر حلفاء إيران بعد الضربات التي تلقوها على يد إسرائيل. وتجد حماس نفسها في منطقة رمادية داكنة من حيث ضبابية المستقبل، في حين أن منطقة حزب الله أقلّ دُكنة، فيما يجد الحوثيون أنفسهم إلى حد الآن في وضع أفضل رغم تواصل الضربات الأميركية.
ووضعت حماس تركيبة جديدة، لكنها أخفت هويات قادتها الجدد لحمايتهم من التعرّض للاغتيال وفي الوقت نفسه تأكيد العودة إلى السرية ليس لكتائب القسام، الذراع العسكرية للحركة، فقط وإنما أيضا لقادة التنظيم الذين يسطرون الخطط، فيما سيكتفي القلة ممن بقي حيا من الوجوه المعروفة بإطلاق التصريحات والمشاركة في الاجتماعات الفلسطينية – الفلسطينية أو الاجتماعات الخارجية.
ليلى سورا: لن نعرف من هم القادة الجدد. هناك إرادة للإبقاء على الأسماء سرية، والإبقاء على أسلوب القيادة الجماعية
ليلى سورا: لن نعرف من هم القادة الجدد. هناك إرادة للإبقاء على الأسماء سرية
ويرى متابعون للملف الفلسطيني أن حماس باتت مقتنعة بأن إدارتها لحكم غزة في مرحلة ما بعد الحرب أمر شبه مستحيل، في ظل تشدد الموقفين الإسرائيلي والأميركي، وميل أغلب الدول العربية إلى تخلّي الحركة عن الحكم وتجنيب القطاع ويلات الحرب، وما تقوله إسرائيل بالقصف يقوله العرب بالنصيحة والمشورة.
ولا تقف تعقيدات وضع حماس عند المنع من الحكم أو المشاركة فيه ولو من وراء الستار، إذ يقر مسؤولو الحركة بأن إسرائيل ماضية في تفكيك حماس وإضعافها كتنظيم قوي عبر تصفية قادتها السياسيين والعسكريين في عمليات منظمة ومسترسلة. وليس أمام الحركة من حل لوقف نزيف فقدان القيادات سوى الذهاب إلى السرية وتقليل حركة الفاعلين على الأرض، وهو ما قد يقود إلى اتخاذ قرار وقف العمليات ضد إسرائيل أو الاكتفاء بعمليات محدودة لتسجيل الحضور.
ويصب خيار تقليص العمليات ضد إسرائيل في صالح حماس من جانب آخر أكثر أهمية، وهو السعي لتبديد غضب الشارع في غزة على الحركة بعد ما شهده القطاع من مظاهرات وإن كانت محدودة، لكنها حملت مؤشرا على اتساع دائرة رفض أداء الحركة وبقائها لفترة أطول في الحكم.
واغتالت إٍسرائيل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وقائدها العسكري محمد الضيف، والعقل المدبر لهجوم 7 أكتوبر يحيى السنوار، إلى جانب عدد كبير من القياديين الآخرين. ويقول عضو في المكتب السياسي لفرانس برس “امتصّت حماس الضربات وأعادت صفوفها القيادية ولديها قدرة على الاستمرار،” لافتا إلى أن “آلية العمل معقدة وتدمج بين السرية والعلنية.”
وتقول الباحثة في المركز العربي للبحوث والدراسات السياسية في باريس ليلى سورا “لن نعرف من هم القادة الجدد. هناك إرادة للإبقاء على الأسماء سرية، والإبقاء على أسلوب القيادة الجماعية.”
◙ تعقيدات وضع حماس تتجاوز المنع من الحكم أو المشاركة فيه؛ إذ يقر مسؤولوها بأن إسرائيل ماضية في تفكيكها
لكن الوضع بالنسبة إلى حزب الله مختلف، فهو ليس مهددا في وجوده، كما أن الطبقة السياسية اللبنانية تدعم بقاءه شريكا سياسيا. ويتعلق الخلاف بسلاح الحزب، مع تشدد أميركي وإسرائيلي مدعوم عربيا لتسريع نزعه، وهو ما عبرت عنه مورغان أورتيغاس، المبعوثة الأميركية التي زارت بيروت مطلع الأسبوع، حين جددت موقف واشنطن الذي يقرّ بضرورة نزع سلاح حزب الله والجماعات المسلحة الأخرى، وأن هذا يجب أن يحدث في أقرب وقت ممكن، وأن المتوقع هو أن يضطلع الجيش اللبناني بهذه المهمة.
ولتخفيف هذه الضغوط بدأ حزب الله يُظهر انفتاحه على الأصوات الداخلية والخارجية المنادية بنزع سلاحه، وذلك بالتزامن مع خطط إيران للتهدئة بينها وبين واشنطن وتقديم التنازلات الكافية لتأمين مفاوضات مسقط المقررة غدا السبت.
وأشار الرئيس اللبناني جوزيف عون، المكلف بالتواصل مع حزب الله، إلى أن الحزب أبدى الكثير من المرونة في مسألة التعاون بشأن موضوع السلاح وفق خطة زمنية معينة. ولئن لم يبد الحزب التزاما واضحا بنزع سلاحه، فإنه دأب على إطلاق تصريحات توحي باستعداده للتنازل.
وأكد حسن فضل الله، النائب عن حزب الله، الخميس أن الحزب مستعد للدخول في محادثات مع الحكومة اللبنانية بشأن إستراتيجية وطنية للدفاع، وأن ثمة تواصلا مستمرا بين الحزب ورئيس الجمهورية.
وقالت مصادر سياسية لبنانية لرويترز إن من المقرر أن يبدأ الرئيس اللبناني محادثات مع حزب الله بخصوص ترسانة الأسلحة التي يمتلكها. وتعهد عون، المدعوم من الولايات المتحدة، عند توليه منصبه في يناير بالعمل على أن تكون الدولة هي المسيطر الوحيد على الأسلحة.
اقرأ ايضا: قوى تنظر إلى حماس كحقيقة في غزة
ومن شأن المرونة التي يبديها الحزب، وبتوجيه من إيران، أن تجنبه مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل، كما تجنبه صداما مع الجيش اللبناني، الذي صار في موقع قوة سياسيا، مع التزام إقليمي ودولي بدعمه إلى أن يصبح قادرا على التحكم في ملف السلاح.
كما أن التوجيهات الإيرانية يمكن أن تحد من أي صدام بين الميليشيات الحليفة لها في العراق وبين الولايات المتحدة أو إسرائيل، وتضمن عدم تعرض الحشد الشعبي، ذراعها الرئيسية في العراق، لخسائر بحجم ما تعرضت له حماس أو حزب الله، خاصة أن العراق يمثل مجالا حيويا لإيران.
ويفسر الحرص الإيراني على عدم الصدام في العراق التسريبات التي تحدثت عن التزام قادة أغلب المجموعات المنضوية داخل الحشد الشعبي بنزع السلاح وحل عمل المجموعات المسلحة، والانضواء في العملية السياسية. وهذا خيار من شأنه أن يؤجل الصدام لفترة زمنية محدودة، لكنه لا يمنع مواجهة مؤجلة بين الولايات المتحدة والمجموعات التي تطلق الصواريخ والمسيرات على قواتها ومواقعها في العراق وسوريا.
وإلى حد الآن يبقى الحوثيون هم الطرف الأقوى من حلفاء إيران، فرغم الضربات الأميركية المكثفة لا تزال الجماعة تستهدف السفن في البحر الأحمر وتطلق الصواريخ على إسرائيل، وإن كان ذلك دون تأثير واضح. لكن هذه القوة قد لا تستمر طويلا في حال تمسكت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتوسيع دائرة الاستهدافات لتطال القادة المؤثرين في الجماعة وضرب مخازن السلاح النوعي.
كما أن الأمر يظل مرهونا بموقف إيران، فقد يستدعي تقاربها مع الولايات المتحدة أمرَ الحوثيين بوقف التصعيد، وهي خطوة قد توقف الحرب وتسحب من الجماعة ورقة “إسناد غزة” التي تزايد بها في الداخل والخارج.