حين خرج السوريون في تظاهراتهم الشجاعة، كان هتافهم الأبرز هو “الحرية”. والحرية، كما هو معروف، لا تتحقّق إلا عبر مسار ديمقراطي حقيقي، تبدأ أولى خطواته بالانتخابات.
واليوم، رحل النظام الذي كتم الحريات لعقود، يُطرح سؤال جوهري: لماذا لا تُعتمد الانتخابات كخطوة نحو مستقبل يجنّب البلاد تكرار المآسي؟
الانتخابات كان القرار الأول لجميع الدول التي خرجت من الحروب.
بدلا من ذلك اصطفّت الأغلبية الكمية خلف نظام يُعاد تأهيله، لم يتغيّر فيه سوى الرئيس: من “ظريف الطول” إلى “كافور”.
فهل كانت كل تلك التضحيات من أجل إعادة إنتاج بنية السلطة نفسها؟ بل وبنسخة ذات طابع سلفي.
إن كنتم لا تريدون تغييرًا في بنية السلطة وتكتفون بالأمان، فربما كان من الأفضل، في بداية عام 2011، اختيار طريق التنازل والمصالحة، تقوده شخصيات عشائرية كـ الشيخ ذياب الماشي، وتقديم اعتذار للسلطة عن “شغب أطفال درعا”.
لقد كان بالإمكان إنقاذ الأرواح، وتجنّب النزوح والدمار والهجرة التي مزّقت المجتمع السوري، لو رضيتم بالرضوخ والذل… ذلك الذل ذاته الذي يتجدّد اليوم.
الحرية ليست شعارًا عاطفيًا، بل مشروع طويل الأمد، يتطلب صبرًا وتضحيات واعية.
لكن المؤلم أن هذه التضحيات، في الحالة السورية، أُهدرت في سبيل استبدال دكتاتورية بأخرى أشد تطرفاً.
اليوم، تبدو سوريا وكأنها استنفدت طاقتها على المقاومة والتجديد. إما أن تتخذ قرارًا شعبيا شجاعًا يضعها على مسار الإصلاح الديمقراطي السياسي والاقتصادي — وهنا نحيي السويداء المثابرة —
أو تستمر في الانحدار نحو التفكك، لتغدو مساحة منسية تتناهشه الغوغاء والحرافيش.
بلدًا منسيًا على خارطة العالم، يشبه قطعة جبن عفنة، قضمت الفئران أطرافها، وعشّش فيها الدود… وفرفش.