Skip to content

السفينة

alsafina.net

cropped-1صيانة.png
Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • ..زائر….ماريو فارغاس يوسا  ترجمة: حسونة المصباحي….المصدر:ضفة ثالثة
  • أدب وفن

..زائر….ماريو فارغاس يوسا  ترجمة: حسونة المصباحي….المصدر:ضفة ثالثة

khalil المحرر أبريل 20, 2025

 

 

يُعدّ ماريو فارغاس يوسا المولود في البيرو عام 1936 والذي توفي في الخامس عشر من شهر نيسان/ أبريل الحالي واحدا من أبرز الروائيين في أميركا الجنوبية الذين جاءت بهم موجة الواقعية السحرية. وبعد أن أكمل دراسته في العاصمة ليما، وأيضا في مدريد، أقام في باريس لفترة طويلة ليلمع نجمه عالميا انطلاقا من السبعينيات من القرن الماضي… حاز على العديد من الجوائز العالمية المرموقة مثل جائزة نوبل للآداب، وجائزة سرفانتس…
من أشهر أعماله: “البيت الأخضر”، “محاورة في الكاتدرائية”، “حرب نهاية العالم”.
هنا ترجمة لإحدى قصصه:

تَلْعَقُ الرمال واجهةَ المطعم البائس، ثم تنتهي هناك. من الفتحة التي تُسْتَعَمل كباب، أو بين القصب، ينزلقُ النظر فوق مُسَطّح أبيض يلاقي السماء. خلف المطعم، تلوح الأرض صلبة، قاسية. على مسافة أقلّ من كيلومتر، ترتفع الهضاب السّمْرُ مُتّحدات ببعضها البعض، كل واحدة منها أعلى من سابقتها، نافذة قممها في السحاب مثل سهام أو فؤوس. على اليسار تمتدّ الغيضة بمحاذاة الرمال مُلْتَفّة ومُتعرجة، وتظل تكبرُ شيئا فشيئا إلى أن تنتهي بين أكمتين هناك بعيدا عن المطعم الحقير… نباتات وحشية، وعلّيق، وعشب يابس يغطي كل شيء: الحقل الملثم، والمستنقعات الصغيرة. لكن الغيضة ليست سوى مثال للغابة، وصورة مُصَغّرَة لها… وهي تنتهي عند وهْد على سفح جبل كبير تمتد خلفه الغابة الحقيقية، ودونا مارسيديتاس تعلم ذلك…
في يوم، منذ سنوات، صعدتْ إلى قمة الجبل، ومن هناك تأملت باندهاش كبير من خلال قطع السحاب التي تطفو تحت قدميها، الامتداد الأخضر المنطلق طولا وعرضا من دون أية مساحة بيضاء…
والآن تغفو دونا مارسيديتاس ممددة على الأكياس. وهناك بعيدا عنها، تضرب الماعز التراب بخطمها، وتكشط بعناد قطعة خشبية، وتثغو في هواء المساء الفاتر… وفجأة رفعت أذنيها وظلت ساكنة…
فتحت المرأة عينيها قليلا:
– ماذا يحدث يا سيارا؟
راحت الماعز تجذبُ الحبل الذي يشدها إلى الوتَد. ونهضت المرأة، وعلى بعد خمسين مترا، ارتسم الرجل بوضوح في الأفق… كان ظله يسبقه فوق الرمال… ووضعت المرأة يدها على جبينها، ثم نظرت حولها بسرعة… بعدها ظلت جامدة. اقترب الرجل… كان طويلا، نحيلا، شديد السمرة… شعره مُجَعّد، وعيناه ماكرتان، وقميصه الحائل اللون يتموّجُ فوق سرواله المُشَمّر إلى الركبتين، وساقاه تشبهان أنبوبين سوداوين…
– مساء الخير سيدة مارسيديتاس…
كان صوته رخيما وساحرا…
همست المرأة وقد امتقع وجهها:
– ماذا تريد؟
– أنت تعرفينني ولا شك… وأنا سعيد جدا برؤيتك… وإذا لم يزعجك ذلك، فإني أطلب بعض الأكل، وبعض الشراب… أنا عطشان جدا…
– هناك توجد البيرة والفواكه…
– شكرا سيدة مارسيديتاس…أنت امرأة طيّبة مثلما كنت دائما… هل تستطيعين مرافقتي؟
– ولماذا؟
كانت المرأة تنظر بحذر شديد… هي ضخمة، ومتقدمة في السن… لكن جسدها ناعم، وساقيها حافيتان…
– أنت تعرف المحل…
قال بصوت ودّي:
– نعم… لكن لا أريد أن آكل وحدي…ذاك أمر تعيس بالنسبة لي… شكرا جزيلا يا سيدة مارسيديتاس… إلاّ أني افضّلُ الحليب… وبما أنك فتحت تلك الزجاجة فلماذا لا تشربينها؟
– هي لا تروق لي…
– هيّا يا سيدة مارسيديتاس… اشربيها على صحتي… ولا تكوني على هذا الحال…
– لا أريد
تعتّمَ وجه الرجل:
– أنت صمّاء… قلت لك اشربي تلك الزجاجة… على صحتك…
رفعت المرأة الزجاجة بين يديها، وشربت بجرعات صغيرة، وببطء. على المبسط القذر، المليء بالحفر، تلمعُ قربَةُ حليب. بحركة طارد الرجل الذباب الذي يدور حوله، ورفع القربة، وشرب جرعة كبيرة، وغطّت شفتيه هالة من القشدة مَسَحَها بلسانه بعناية فائقة بعد لحظات قليلة…
قال وهو يَتَلَمّظُ:
– آه… كم هو لذيذ حليبك يا سيدة مارسيديتاس… أكيد أنه حليب ماعز… أليس كلك؟ إنه لذيذ جدا… هل أنهيت زجاجتك؟ لماذا لا تفتجين زجاجة أخرى؟ على صحتك…
أطاعت المرأة من دون أن تحتج…
التهم الرجل موزتين وبرتقالة…
– لا تكوني مُتَشَنّجة إلى هذا الحد يا سيدة مارسيديتاس… البيرة تقطر من عنقك وستلطّخُ ثوبك… افتحي زجاجة أخرى واشربيها على شرَف نوما… على صحتك…
راح الرجل يُعيد “على صحتك” إلى أن أصبحت على المبسط أربع زجاجات فارغة… عندئذ باتت عينا المرأة كابيتين، وأخذت تتجشأ وتبصق… ثم جلست فوق كيس فواكه…
قال الرجل:
– يا الهي… يا لها ما امرأة… أنت سكيرة حقيقية يا سيدة مارسيديتاس…
– ما أنت تفعله بعجوز بائسة ستندم عليه يا جاما يبكين… سوف ترى…
كان لسانها قد تَعَجّنَ قليلا…
قال الرجل بنوع من الانزعاج:
– حقا؟… بالمناسبة متى يعود نوما؟
– نوما؟
– أوه… أنت مُزعجة يا سيدة مارسيديتاس حين لا تريدين أن تفهمي الأشياء… في أية ساعة سيأتي؟
– أنت لست سوى زنجي قذر يا جاما يبكين… سيقتلك نوما…
– لا تقولي هذا الكلام يا سيدة مارسيديتاس…
يتثاءب:
– طيب… أعتقد أنه لم تتبق لنا سوى مدة وجيزة… أكيد حتى الليل… سأنام قليلا… ما رأيك؟
نهض ثم خرج واتجه إلى الماعز… نظرت إليه بشيء من الريبة… فكّ عنها الحبل، ثم عاد من جديد إلى المطعم وهو يدير الحبل مثل مروحة، مُصَفّرا… لكن المرأة لم تكن هناك… بسرعة ذابت حركاته الشهوانية واللامبالية… مشى في القاعة بخطوات واسعة وهو يشتم مثل سائق عربة… بعدئذ توجّه إلى الغيضة تتبعه الماعز، واكتشفت هذه الأخيرة المرأة خلف شجيرة، وبدأت تلحسها… ضحك جاما يبكين وهو يشاهد النظرات الغاضبة التي تصوبها المرأة للماعز… أشار إشارة بسيطة، وتوجهت دونا مارسيديتاس إلى المطعم الحقير…
– أنت امرأة مزعجة… نعم مزعجة يا سيدة مارسيديتاس… ولك أفكار غريبة…
أوْثَقَ رجليها ويديها، ثم رفعها بسهولة فوق المبسط، وظل هناك ينظر إليها بخبث، ثم فجأة أخذ يدغدغ باطن قدميها العريضتين الخشنتين، وراحت المرأة تتلوى من الضحك، وفي وجهها لاح اليأس… كان المبسط ضيقا… وعندما كانت دونا مارسيديتاس تتململ، اقتربت من الحافة، ثم سقطت على الأرض بقوة…
– يا لك من امرأة مزعجة… نعم يا سيدة مارسيديتاس… أنت مزعجة جدا… أنت تتظاهرين بالغماء بينما تتجسسين عليّ بطرف العين… أنت امرأة لا يمكن اطلاقا إصلاحها يا سيدة مارسيديتاس…
راحت الماعز التي أدخلت رأسها في الغرفة تتأمل المرأة بانتباه شديد… ارتفع صهيل الخيل في نهاية الظهيرة…
كانت العتمة قد بدأت تزحف… رفعت السيدة مارسيديتاس رأسها، ومفتوحة العينين أنصتت:
– لقد أتوا…
نهض جاما بيكين، وقفز بينما واصلت الخيول صهيلها…
من باب الغرفة، صرخ الرجل غاضبا:
– أنت لست مجنونا يا سيدي الضابط…. أنت لست مجنونا…
من منعرج إحدى الهضاب، ومن بين الصخور، برز الضابط قصيرا مُدَوّرا… كان ينتعل جزمتين ووجهه مغمور بالعرق… نظر بحذر:
– لست مجنونا… ماذا حدث لك؟
راح يردد جاما يبكين…
قال الضابط:
– لا تكلمني بمثل هذه اللهجة أيها الزنجي… نحن وصلنا الآن…
– ماذا حدث؟
– كيف تقول لي ماذا حدث؟ أعط الأوامر لرجالك لكي يُبْعدوا خيولهم… أنت لا تعرف مهنتك…
بات الضابط قرمزيا من شدة الغضب، وقال:
– أنت لست حرّا إلى حد الآن أيها الزنجي… عليك ان تحافظ على احترامك لنا…
– اخفوا الخيول، واقطعوا ألسنتها إن أردتم… لكن لا يجب مطلقا أن يُسْمَعَ صهيلها… وانتظروا هناك حتى أعطيكم الإشارة…
حرك جاما يبكين شفتيه… وكانت الابتسامة التي على وجهه وقحة:
– ألا ترون أنه يتحتم عليكم إطاعتي الآن…
تردد الضابط بضع لحظات، ثم قال:
– الويل لك إن لم يأت…
ثم أدار رأسه، وأمر:
– رقيب ليتوما… اخف الخيول…
ومن خلف الهضبة قال أحدهم:
– أمرك سيدي الضابط…
ارتفع وقع الحوافر، ثم من جديد خيّم الصوت:
قال جاما يبكين:
– هذا يعجبني جدا… لا بد من الطاعة…. أليس كذلك يا سيدي الجنرال؟.. برافو أيها القائد… أشكرك… لا تتحولوا من ذلك المكان حتى آمركم بذلك…
لوّحَ له الضابط بقبضة يده واختفى بين الصخور، ثم دخل جاما يبكين إلى المطبخ القذر، وكانت عينا المرأة مفعمتين بالحقد… همست:
– أيها الخائن… أتيت بالبوليس أيها الوغد…
– يا إلهي… ما هذه الأخلاق يا سيدة مارسيديتاس؟ أنا لم آت بالشرطة… أتيت وحدي… والتقيت بالضابط هنا…. أنت تعرفين ذلك جيدا…
قالت المرأة:
– لن يأت نوما…. وسيأخذك البوليس إلى السجن من جديد…. حين تخرج منه، سوف يقتلك نوما…
– أنت قاسية يا سيدة مارسيديتاس… لماذا تتمنين لي هذه الأشياء…
ردت المرأة:
– خائن…
ثم توصلت للجلوس، وظلت مستقيمة:
هل تعتقد أن نوما غبي؟
– غبي؟ لا… أبدا… إنه مثل قرد… لكن لا تيأسي يا سيدة مارسيديتاس… أكيد سيأتي…
– لن يأتي… هو ليس مثلك…. له أصدقاء سوف يخبرونه بأن البوليس يترقبه هنا…
– أتعتقدين؟ أنا أظن أنهم لن يجدوا الوقت للقيام بذلك… البوليس أتى من ناحية أخرى… من وراء الهضاب… وأنا قطعت الصحراء وحدي… وفي كل القرى سألت: هل السيدة مارسيديتاس لا تزال في مطعمها البائس؟… لقد أطلقوا سراحي وسألوي رقبتها… أكثر من عشرين شخصا جدّوا نحو نوما ليرووا له ما سمعوه… هل لا زلت تعتقدين أنه لن يأتي… يا إلهي… كم أنت عنيدة يا سيدة مارسيديتاس….
تمتمت المرأة بصوت مُتَهًَدّج:
– إن حصل شيء لنوما فسيأكل الندم قلبك. طوال حياتك يا جاما يبكين…
هزّ جاما يبكين كتفيه… أشعل سيجارة ، ثم شرع يُصَفّرُ… بعدها توجه نحو المبسط وتناول القنديل وأضاءه، ثم علّقه أمام الباب، وقال:
– لقد جاء الليل… تعالي يا سيدة مارسيديتاس…. أريد أن يراك نوما جالسة أمام الباب في انتظاره…. إنها فكرة رائعة حقا… أنت لا تستطيعين أن تتحركي… أغفري لي ذلك يا سيدة مارسيديتاس… إني شارد الذهب حقا…
ثم انحنى وحملها… وضعها فوق التراب أمام المطعم… كان ضوء القنديل يسقط على المرأة، ويضيء وجهها فلاحت وكأنها شابة:
– لماذا لا تفعل هذا يا جاما يبكين؟
كان صوتها ضعيفا هذه المرة…
– لماذا. أجاب جاما يبكين… أنت لم تدخلي السجن يا سيدة مارسيديتاس… الأيام تمر وليس لنا ما نفعله… أيام فارغة قاحلة… نحن نموت قلقا هناك… صدقيني… ونحن نجوع… كنت سأنسى ملاحظة صغيرة: لا تبقي مفتوحة الفم كما أنت الآن فلربما تصرخين عاليا حين يعود نوما… يمكنك أن تلتهمي ذبابة…
ضحك بخبث في الغرفة، ووجد خرقة وضعها على نصف وجه دونا مارسيديتاس… ثم تفحّصها لمدة طويلة وكأنه يمزح:
– اسمحي لي بأن أقول لك إنك مضحكة حقا وأنت في مثل هذه الحالة يا سيدة مارسيديتاس…
هناك في العتمة، داخل المطعم، انتصب جاما يبكين مثل ثعبان… ومن دون ضجة، ظل ملتفا حول نفسه، ويداه على المبسط… على بعد مترين، تحت حزمة الضوء، كانت المرأة مُنتصبة من دون حراك، متوترة الوجه، تتشمّمُ الريح… هي أيضا سمعت…. كانت ضجة خفيفة، لكنها واضحة، قادمة من جهة اليسار، وقد امتزجت بأغاني الجدجد، ثم برزت من جديد أشد وضوحا: أغصان الغيضة تطقطق، ثم تتكسّرُ… وشيئا ما بدأ يقترب من المطعم…
همس جاما يبكين:
– ليس وحده… إنهم كثيرون…
أدخل يده إلى جيبه وأخرج صفّارة وضعها بين شفتيه، ثم انتظر من دون حراك… انتفضت المرأة، لكن جاما يبكين كزّ على أسنانه… وكانت هي تتململ في مكانها، وتحرك رأسها مثل بندول الساعة محاولة التخلص من كمّامتها، ثم هدأت الضجة… هل هو يمشي فوق التراب الذي عادة ما يجعل الخطوات ليّنة…
كان وجه المرأة متوجها الآن نحو اليسار، وكانت عيناها جاحظتين مثل عيني أغوانة منبطحة… همس جاما يبكين:
– لقد رأتهم…
ثم وضع طرفَ لسانه على الصفارة بينما ظلت دونا مارسيديتاس تحرك رأسها، وتغمغم بألم، وأطلقت الماعز ثغاء، وقرفص جاما يبكين… بعد لحظات، رأى ظلاّ يتوجه نحو المرأة، ويدا عارية تمتدّ نحو الكمامة. عندئذ أطلق صفيرا عنيفا، وفي نفس الوقت ارتمى على القادم الجديد، وملأ الصفير الليل مثل حريق، وضاع وسط الشتائم التي انفجرت يمينا ويسارا، تتبعها خطوات مسرعة… وسقط الرجلان فوق المرأة… وكان الضابط سريعا… حين وقف جاما يبكين، كانت إحدى يديه تمسك بنوما من شعره، وبالأخرى كان يضغط بالمسدس على صدغه… وكان بعض الجنود المسلحين يحيطون بهم…
صرخ جاما يبكين في الجنود:
– أسرعوا…. الآخرون في الغابة…. هيا تحركوا…. سيهربون… تحركوا…
قال الضابط
– هدوءا…
وظلت عيناه مشدودتين إلى نوما… وكان هذا الأخير يراقب المسدس بطرف عينه مفكرا في اختطافه… وبدا هادئا ويداه تتدليان…
– عقيد ليتوما… أوثقْهُ…
وضع العقيد ليتوما بندقيته على التراب، وفتح الحبل الذي كان يحمله في حزامه، ثم أوثق رجلي نوما، ووضع الغلال في يديه… اقتربت الماعز… وبعد أن تشممت ساقي نوما، بدأت تلحسها بهدوء…
– الخيول يا عقيد ليتوما…
وضع الضابط مسدسه في حزامه، وانحنى فوق المرأة ليزيل كمامتها، ووثاقها… نهضت دونا مارسيديتاس… أبعدت الماعز، ثم اقتربت من نوما… وضعت يدها على جبينه من دون أن تتفوه بكلمة…
قال نوما:
– ماذا فعل لك؟
قالت المرأة:
– لا شيء… أتريد أن تدخن؟…
قال جاما يبكين للضابط:
– سيدي الضابط… أتعلم أن الآخرين على بعد بضعة أمتار من هنا… ألم تسمعهم؟… لا بد أن يكونوا ثلاثة أو أربعة على الأقل… ماذا تنتظر لكي تأمر بالبحث عنهم؟
ردّ الضابط من دون أن ينظر إليه:
– اصمت أيها الزنجي…
ثم أشعل السيجارة التي وضعتها المرأة بين شفتي نوما، وبدأ يجذب أنفاسا طويلة…
كان يمسك بسيجارته بين أسنانه، ويُخْرجُ الدخان من منخريه…
– أنا جئت أبحث عن هذا، وليس عن أيّ أحد آخر…
قال جاما يبكين:
– حسنا… وما دخلي أنا إن لم تكن تحذق مهنتك… أنا فعلت ما طلبته مني… والآن أنا حر…
قال الضابط:
– نعم… أنت الآن حر…
قال العقيد ليتوما:
– الخيول سيدي الضابط…
وكان يمسك بخمسة…
قال الضابط:
– ضعه على ظهر حصانك يا ليتوما لكي يذهب معك…
رفع العقيد وجندي آخر نوما… وبعد أن فكّا وثاق رجليه أجلساه على ظهر الحصان… وركب ليتوما خلفه…
اقترب الضابط من الخيول، وأمسك جاما يبكين بعنان حصانه:
– وأنا مع من أذهب يا حضرة الضابط؟
ردّ الضابط:
– أنت تضع رجليك في الركاب…
– نعم؟ ماذا تريد أن تقول سيدي الضابط؟
أجابه الضابط:
– أنت حر… ونحن لن نسمح لك بالذهاب معنا… بإمكانك أن تذهب إلى حيث تشاء…
انفجر ليتوما والجنود الآخرون بالضحك وهم على ظهور خيولهم…
– ما هذه المداعبة؟ قال جاما يبكين…
كان صوته يرتعش…
– أتتركونني هنا يا سيدي الضابط؟… ألا تسمعون الأصوات في الغابة؟ على كل أنا كنت متفقا معكم… وقد فعلت ما طلبتموه مني… أنتم لا يمكنكم أن ترموني هنا، وتذهبون في حالكم…
قال العقيد ليتوما للضابط:
– إذا ما نحن أسرعنا فسوف نصل إلى بيورا عند الفجر… في الصحراء يكون السفر أفضل في الليل، والخيول لا تتعب كثيرا…
صرخ جاما يبكين:
– سيدي الضابط…
ثم أمسك بعنان حصانه، وراح يحركه بشدة:
– أتتركونني هنا؟؟؟ أنتم لا تستطيعون أن تقترفوا فعلة رهيبة كهذه…
أخرج الضابط ساقه من الرّكاب، ودفع جاما يبكين بعيدا:
– عليك أن تركض إلى حين… هل تعتقد أنه ستمطر يا عقيد ليتوما؟
– لا أعتقد سيدي الضابط… إن السماء صافية…
عاد جاما يبكين يصرخ:
– أنتم لا تستطيعون الذهاب من دوني…
انفجرت السيدة مارسيديتاس ضاحكة، وأمسكت ببطنها:
– فلنذهب… قال الضابط…
– سيدي الضابط… سيدي الضابط… أرجوكم سيدي الضابط…
ابتعدت الخيول ببطء… وظل جاما يبكين ينظر إليها بذهول وضوء القنديل يضيء وجهه المتشنج… وبقيت السيدة مارسيديتاس تطلق الضحكات بصوت عال، ثم فجأة صمتت… وضعت يدها على فمها مثل بوق وصرخت:
– نوما… سآتيك بالفواكه يوم الأحد…
من جديد عادت تضحك، وفي الغيضة ارتفع ضجيج أغصان وأوراق ميّتة تتكسر…

شارك هذا المقال

Continue Reading

Previous: المقاتلون الأجانب واحتكار السلاح في سورية…. عمار ديوب…….المصدر:العربي الجديد
Next: كل الطرق تؤدي إلى روما: هل حانت لحظة التسوية؟ طهران – مجيد مرادي..المصدر:المدن

قصص ذات الصلة

صيانة
  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

قيد الصيانة

admin مايو 3, 2025
  • أدب وفن

فارس لونيس لـ”المجلة”: يجب تقييم الأدب بعيدا عن الاستقطاب السياسي…..سمير قسيمي….المصدر:المجلة

khalil المحرر مايو 2, 2025
  • أدب وفن

الكارثة التي سبقت المؤتمر الوطني قصة قصيرة من الهزل السياسي… عبدالكريم عمر.المصدر:صفحة الكاتب

khalil المحرر مايو 2, 2025

Recent Posts

  • السلم الأهلي في سوريا لا يزال ممكناً فيما لو… عمر قدور…المصدر: المدن
  • قيد الصيانة
  • سؤال العدالة بوصفه تأسيساً ممكناً لطغيان جديد في الطبيعة المُلتبسة للعدالة وتحدياتها في سوريا موريس عايق.المصدر:الجمهورية .نت
  • علينا ان نختار: التقسيم أم الفيديرالية؟ غسان صليبي المصدر: النهار
  • لبنان يعود إلى الإمارات وأول الغيث رفع الحظر….سابين عويس المصدر: “النهار”

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • السلم الأهلي في سوريا لا يزال ممكناً فيما لو… عمر قدور…المصدر: المدن
  • قيد الصيانة
  • سؤال العدالة بوصفه تأسيساً ممكناً لطغيان جديد في الطبيعة المُلتبسة للعدالة وتحدياتها في سوريا موريس عايق.المصدر:الجمهورية .نت
  • علينا ان نختار: التقسيم أم الفيديرالية؟ غسان صليبي المصدر: النهار
  • لبنان يعود إلى الإمارات وأول الغيث رفع الحظر….سابين عويس المصدر: “النهار”

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

السلم الأهلي في سوريا لا يزال ممكناً فيما لو… عمر قدور…المصدر: المدن

khalil المحرر مايو 3, 2025
صيانة
  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

قيد الصيانة

admin مايو 3, 2025
  • مقالات رأي

سؤال العدالة بوصفه تأسيساً ممكناً لطغيان جديد في الطبيعة المُلتبسة للعدالة وتحدياتها في سوريا موريس عايق.المصدر:الجمهورية .نت

khalil المحرر مايو 3, 2025
  • مقالات رأي

علينا ان نختار: التقسيم أم الفيديرالية؟ غسان صليبي المصدر: النهار

khalil المحرر مايو 3, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.