Bodies of Palestinians killed by an explosion at the Ahli Arab hospital are gathered in the front yard of the al-Shifa hospital…
جثث الفلسطينيين الذين قتلوا في الضربة على مستشفى المعمداني (الأهلي) بمدينة غزة

مع تصاعد الحرب الدارة بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، طالت ضربة مستشفى المعمداني في القطاع، الثلاثاء، وأسفرت عن مقتل 500 شخص على الأقل، لتتوالى بعدها إدانات دولية وعربية، مستنكرة للفعل الصادم.

ومع توالي الصور والمشاهد الصادمة من موقع المستشفى، قال خبراء في القانون الدولي لموقع “الحرة”، إن “ارتكاب أحد أطراف الحرب أفعال بحق المدنيين، بما في ذلك الهجمات على الأحياء السكنية واستهداف المستشفيات وغيرها من البنية الأساسية الحيوية، هو أمر يرتقي لانتهاك القانون الدولي”.

مقتل 500 شخص في قصف على مستشفى المعمداني في غزة

“حتى الحروب لها قوانين”

وقالت أستاذة القانون الدولي في جامعة لافبروه البريطانية، مها الرفاعي، لموقع “الحرة”، إن “جميع الحروب، وحتى هذه الحرب (بين إسرائيل وغزة)، لها قوانين”.

وأضافت أن “الاستهداف المتعمد للمدنيين محظور بموجب المبادئ الأساسية للقانون الإنساني الدولي، على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف لعام 1949، ولاحقاً، بمزيد من التفصيل، في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977”.

وتابعت: “تحظر المادة 3 من اتفاقية جنيف الثالثة، الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، خاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب، ضد الأشخاص الذي لا يشاركون مباشرة في الأعمال العدائية”.

وأكدت الرفاعي أن المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين تنص على أن “المدنيين لا يجوز أن يكونوا هدفا للهجوم، وأن أعمال العنف أو التهديد بها التي يكون غرضها الأساسي نشر الرعب بين السكان المدنيين، محظورة”.

ووفقا لأستاذة القانون الدولي، يوجد أيضًا ضمن البروتوكولات الإضافية ما يسمى بـ”مبدأ التمييز”، وهذا يعني أنه يتعين على أطراف النزاع “التمييز بين المقاتلين وغير المقاتلين (أي المدنيين)، حتى لا يتضررون”.

الجرحى افترشوا الأرض في المستشفى المعمداني

تبادل اتهامات بين الفلسطينيين والإسرائيليين

وتبادلت إسرائيل وحركة حماس الاتهامات بشأن الضربة على المستشفى، إذ قالت وزارة الصحة في قطاع غزة، الثلاثاء، إن 500 شخص على الأقل قتلوا في “ضربة جوية إسرائيلية” على المستشفى، وفق ما نقلت وكالة “رويترز”.

وقالت وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، إن الضربة أسفرت عن مقتل وإصابة المئات في الضربة على مستشفى المعمداني، مضيفة أن “طائرات شنت غارة على المستشفى، أثناء وجود آلاف المواطنين النازحين الذين لجأوا إليه، بعد أن دمرت منازلهم، وبحثوا عن مكان آمن”.

من جانبه، نفى الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن الضربة، قائلا إن “معلومات المخابرات العسكرية تشير إلى أن المستشفى تعرض لهجوم صاروخي فاشل شنته حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في القطاع”.

لكن متحدثا باسم الجهاد الإسلامي نفى اتهام إسرائيل، بمسؤولية الحركة عن ضربة مستشفى غزة.

وأظهرت مقاطع فيديو مركبات الإسعاف وهي تنقل القتلى والمصابين، بالإضافة إلى اندلاع حريق جراء الضربة. ورصد مقطع فيديو اللحظة التي تعرضت فيها المستشفى للضربة.

استهداف المناطق المدنية في ظل وجود مجموعات عسكرية

وبشأن استهداف المناطق المدنية في ظل وجود مجموعات عسكرية، قالت الرفاعي لـ”الحرة”، إن “القانون الإنساني الدولي يحاول الحد من نطاق وشدة العمليات العسكرية في المناطق المدنية، التي تشمل معظم أنحاء غزة”.

واستطردت: “تحظر المادة 51 من البروتوكولين الإضافيين الهجمات العشوائية على منطقة تضم عسكريين ومدنيين، نظرا لأن الهجوم قد يلحق الضرر بهؤلاء المدنيين”.

كما أشارت الرفاعي إلى أن القانون الدولي وضع ما يعرف باسم “مبدأ التناسب”، ويعني أن “أي هجوم سيكون من المتوقع أن يتسبب بشكل عرضي في خسائر في أرواح المدنيين أو الإضرار بالممتلكات والمنشآت المدنية، والذي سيكون مفرطًا فيما يتعلق بالميزة العسكرية الملموسة والمباشرة، لا يجب اتخاذه”.

ومع ذلك، أوضحت الرفاعي أنه “توجد بعض الفروق الدقيقة”، إذ تنص المادة نفسها في البروتوكولين الإضافيين على أن “وجود المدنيين وحده لا يمكن استخدامه لحماية الأهداف العسكرية من الهجمات، أو لحماية العمليات العسكرية أو دعمها أو عرقلتها”.

سيارات الإسعاف تحمل الجرحى

إدانات دولية لقصف المستشفى

وأثارت الغارة صدمة وردود فعل دولية وعربية مستنكرة.

وعبّر الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن “فزعه” لمقتل مئات الأشخاص في ضربة المستشفى. وكتب على موقع “إكس”، تويتر سابقا: “المستشفيات وأفراد الفرق الطبية محميون بموجب القانون الإنساني الدولي”.

كما استنكرت منظمة الصحة العالمية “بشدة” الضربة على المستشفى الأهلي العربي في غزة. ودانت مصر “بأشد العبارات القصف الإسرائيلي للمستشفى”، قائلة إنه “يتعين على المجتمع الدولي التدخل بشكل عاجل لوقف مثل هذه الانتهاكات”.

وعبّر الرئيس الأميركي، جو بايدن، الثلاثاء، عن “الغضب والحزن العميق إزاء الانفجار” الذي وقع في المستشفى الأهلي العربي في غزة، وما نتج عنه من خسائر فادحة في الأرواح.

وقال بايدن، في بيان نشره البيت الأبيض: “فور سماعي بهذه الأخبار، تحدثت مع العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، (بنيامين) نتانياهو، وأصدرت توجيهات لفريق الأمن القومي الخاص بي لمواصلة جمع المعلومات حول ما حدث بالضبط”.

ووصف رئيس الوزراء الكندري، جاستن ترودو، الهجوم بـ”الأمر المروع وغير المقبول على الإطلاق”، قائلا إن الأخبار الواردة من غزة “كارثية”.

من جانبه، قال المستشار الألماني أولاف شولتس: “روعتنا صور الانفجار في مستشفى غزة”.

وعلى الصعيد العربي، قال بيان لوزارة الخارجية المصرية، الثلاثاء، إن القاهرة “اعتبرت هذا القصف المتعمد لمنشآت وأهداف مدنية، انتهاكا خطيرا لأحكام القانون الدولي والإنساني، ولأبسط قيم الإنسانية، مطالبة إسرائيل بالوقف الفوري لسياسات العقاب الجماعي ضد أهالي قطاع غزة”.

وندد الأردن “بشدة بالهجوم الإسرائيلي على مستشفى في غزة”، وفق بيان لوزارة الخارجية الذي شدد على ضرورة “توفير الحماية للشعب الفلسطيني”، ودعا إلى “تضافر الجهود على الفور لوقف الحرب المستعرة في غزة”.

وقال العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، إن قصف المستشفى في غزة “مذبحة وجريمة حرب لا يمكن السكوت عليها”.

وأعلن الأردن، الثلاثاء، إلغاء قمة مع الرؤساء الأميركي، جو بايدن، والمصري، عبد الفتاح السيسي، والفلسطيني، محمود عباس، التي كان مقررا عقدها في عمان، الأربعاء، وذلك عقب قصف استهدف المستشفى في غزة.

وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان، الثلاثاء، إن المملكة “تدين بأشد العبارات الجريمة الشنيعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصفها مستشفى الأهلي المعمداني في غزة، والذي أدى لوفاة المئات من المدنيين من بينهم أطفال وجرحى ومصابين”.

واستنكرت وزارة الخارجية القطرية، في بيان، “بأشد العبارات القصف الإسرائيلي لمستشفى الأهلي المعمداني في غزة والذي راح ضحيته مئات المدنيين”.

وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن الهجوم على مستشفى في غزة لهو “أحدث مثال على الهجمات الإسرائيلية الخالية من أبسط القيم الإنسانية”.

وكتب أردوغان على منصة التواصل الاجتماعي إكس “أدعو الإنسانية جمعاء إلى اتخاذ إجراءات لوقف هذه الوحشية غير المسبوقة في غزة”.

لحظة قصف مستشفى المعمداني في غزة

قدرة المجتمع الدولي على التدخل في قصف المستشفيات

من جانبه، أوضح أستاذ العلاقات الدولية والقانون الدولي بالجامعة الأميركية بالقاهرة، أسامة نور الدين، لموقع “الحرة”، أن “اتفاقيات جنيف تتضمن العديد من الأحكام التي تحظر الهجمات على المستشفيات أو المدارس أو المباني الدينية مثل المساجد أو المعابد اليهودية”.

وأضاف: “المادة 18 من اتفاقية جنيف الرابعة تنص على أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تكون المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والأمهات هدفاً للهجوم”.

وتابع أن “المادة 53 من البروتوكولين الإضافيين تنص على أنه يحظر ارتكاب أية أعمال عدائية موجهة ضد المعالم التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب”.

لكنه أوضح أن الاتفاقيات “تحظر أيضًا استخدام هذه المباني لأغراض عسكرية، وتوجد بعض الاستثناءات إذا تم استخدام المبنى في أعمال ضارة، لكن يجب أن يكون هناك دليل مباشر”.

وقال إن المادة 52 من البروتوكولين الإضافيين تنص على أنه “في حالة التأكد أن المنشأة المخصصة عادة للأغراض المدنية، مثل مكان العبادة أو المنزل أو أي مسكن آخر أو مدرسة، تستخدم لتقديم مساهمة فعالة في العمل العسكري، فإنه يفترض عدم القيام بذلك”.

لكن نور الدين أكد أنه “ثمة محاذير ومعايير معينة بشأن اعتبار المؤسسة المدنية تستخدم لأغراض عسكرية ضارة”.

وأوضح أن المادة 19 من اتفاقية جنيف الرابعة تقول إن “كون المرضى أو الجرحى من أفراد القوات المسلحة يتلقون العلاج في هذه المستشفيات، أو وجود أسلحة صغيرة وذخائر مأخوذة من هؤلاء المقاتلين ولم يتم تسليمها بعد إلى الخدمة المناسبة، فلا تعتبر هذه من الأفعال الضارة بالعدو ولا يجب وقتها مهاجمة المنشأة الطبية”.

وحول ما يمكن للمجتمع الدولي اتخاذه من قرارات للتدخل وإيقاف أي أعمال منافية للقانون الدولي، قال نور الدين إنه “من الناحية النظرية، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي توجيه الاتهامات إذا اشتبهت في ارتكاب جرائم حرب من قبل أي من الطرفين”.

وأضاف أن “إسرائيل ليست طرفا في نظام روما الأساسي الذي أسس المحكمة. وانضمت الأراضي الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية الدولية في عام 2015، مما أعطى المحكمة ولاية قضائية على الجرائم المرتكبة هناك، بما في ذلك غزة، أو من قبل مواطنين فلسطينيين في مناطق أخرى”.

لكن من الناحية العملية، قال نور الدين إنه “نادراً ما تخلو الدعوات الدولية لتحقيق العدالة من الجدل، خاصة في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، الذي تعود جذوره إلى أواخر القرن التاسع عشر”.