ملخص
اقتصادياً، تعد السعودية خامس أكبر شريك تجاري للهند، فيما تحتل الهند المرتبة الثانية بين شركاء المملكة التجاريين، وخلال السنة المالية 2023-2024، بلغت واردات نيودلهي من الرياض 31.42 مليار دولار، بينما بلغت صادرات الهند إلى السعودية 11.56 مليار دولار.
في وقت تتصاعد حدة الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة وتبارزها الصين فيها، وتتأثر بها بلدان الشرق الآسيوي لا سيما بعد فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية على واردات دول عدة، والهند من بين الدول التي ستتأثر بشدة، بادر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بزيارة السعودية في رحلة رسمية تحمل عديداً من ملامح التعاون الدولي بين الرياض ونيودلهي.
زيارة في ظل حرب تجارية شرسة
الرياض ليست بمنأى عن تداعيات الحرب التجارية الدائرة الآن، لكنها أقل تأثراً بها من دول الشرق الآسيوي حتى المتحالفة مع واشنطن، بفضل السياسة الاقتصادية التي تتبعها وتسمح بحرية التبادل التجاري بين البلدين وبنسبة رسوم 10 في المئة على الواردات الأميركية، وهي النسبة نفسها التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الواردات الخليجية لبلاده، في المقابل هي حجر توازن الاقتصاد الإقليمي والعالمي، ووجهة مشرقة لاقتصادات دول الشرق الآسيوي التي تواجه عراقيل تجارية في تعاملاتها مع واشنطن.
تشكل الهند والصين معاً نسبة كبيرة من الاقتصاد العالمي بفضل الواردات والقوة البشرية الهائلة التي يمتلكها البلدان، لكن في إطار سياسة الندية مع واشنطن التي تتبعها بكين، تبدو نيودلهي أكثر دبلوماسية في التعامل مع أحداث الحرب التجارية، لكن في الوقت نفسه تتحرك صوب الاقتصادات العظمى، وخصوصاً مجموعة دول الـ20 “G20” لتأمين الاستقرار الاقتصادي وعدم التأثر بموجات الحرب التجارية المتصاعدة، وتحمل على عاتقها عبء الحمل الآسيوي، لا سيما أنها أهم اقتصاد موالٍ لواشنطن في الشرق الآسيوي.
GpIogPYXIAAKFuU.jpg
رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يصل السعودية في زيارة رسمية (واس)
زيارة مودي الذي وصل، اليوم الثلاثاء، إلى مدينة جدة السعودية، تعد الثالثة له بصفته رئيس وزراء إلى المملكة الخليجية الغنية بالنفط، وتكتسب أهميتها من كونها تأتي غداة إجراء رئيس الوزراء الهندي محادثات رفيعة المستوى مع نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس في الهند، حيث تسعى نيودلهي إلى إبرام اتفاقية تجارية مع واشنطن وتجنب فرض رسوم جمركية عقابية.
وأعلن مكتب مودي في بيان، اليوم، “تقدر الهند بشدة علاقاتها الطويلة والتاريخية مع السعودية التي اكتسبت عمقاً استراتيجياً وزخماً في الأعوام الأخيرة”، وأضاف “لقد طورنا معاً شراكة جوهرية ومفيدة للطرفين”، وذكر بيان آخر، اليوم، أن مودي وفانس أشارا إلى الجهود المستمرة لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والتقنيات الاستراتيجية وغيرها، وأورد البيان أن الزعيمين ناقشا القضايا الإقليمية والعالمية، وأنهما شددا على الحوار والدبلوماسية سبيلاً للمضي قدماً، وهو ما يؤكد الموقف التقليدي الذي تتخذه الهند إزاء الصراعات العالمية من دون تسمية أي منها.
وتستضيف السعودية أكثر من مليوني مواطن هندي، كثيراً ما لعبوا دوراً محورياً في سوق العمل، إذ أسهموا في بناء عديد من المشاريع الضخمة في البلاد، مع إرسال مليارات الدولارات من التحويلات المالية إلى بلادهم سنوياً، وخلال الزيارة التي تستغرق يومين من المقرر أن يلتقي مودي أفراداً من الجالية الهندية، بحسب ما أفاد مكتبه.
الهند تبحث عن التوازن وسط التوتر الأميركي – الصيني
الولايات المتحدة هي أكبر شريك تجاري للهند، إذ بلغ حجم التبادل التجاري الثنائي بينهما 129 مليار دولار في 2024، بفائض قدره 45.7 مليار دولار لمصلحة الهند، وفقاً لبيانات التجارة الحكومية الأميركية، ويتوقع المسؤولون في نيودلهي إبرام اتفاقية تجارية مع واشنطن خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، التي أعلنها ترمب في التاسع من أبريل (نيسان) الجاري، لتعليق زيادات الرسوم الجمركية على شركاء تجاريين رئيسين، بما في ذلك الهند.
وتعد الهند شريكاً وثيقاً للولايات المتحدة في التجارة الثنائية والاستثمارات الأجنبية المباشرة والتعاون الدفاعي، وحليفاً استراتيجياً مهماً في التصدي للنفوذ المتزايد للصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهي أيضاً جزء من التحالف الرباعي الذي يضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا، وينظر إليه على أنه “توازن مضاد” لتوسع الصين في المنطقة، إذ يهدف الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى ترسيخ مكانة بكين بوصفها شريكاً تجارياً موثوقاً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وسط تصاعد التوترات مع واشنطن، ولتعزيز العلاقات التجارية، وضع البلدان هدفاً طموحاً يتمثل في مضاعفة حجم تجارتهما الثنائية إلى أكثر من 500 مليار دولار، بحلول عام 2030 بموجب اتفاقية التجارة المتوقعة.
السعودية قوة توازن في الاقتصاد العالمي
عززت الرياض ثقلها السياسي عالمياً في الفترات الأخيرة، عبر رعاية مفاوضات السلام لإنهاء الحرب الأوكرانية، كما قبلت الرعاية الصينية لعودة العلاقات الثنائية بين السعودية وإيران في 2023، ووثقت أواصر التعاون الدولي مع الولايات المتحدة عطفاً على المركزية الاقتصادية التي تتمتع بها، إذ أعلن ترمب عن زيارة إلى السعودية الشهر المقبل والتي ستكون أول رحلة خارجية له في ولايته الثانية، فيما كانت وجهته الخارجية الأولى عقب توليه السلطة في الدورة الرئاسية الأولى (2017-2021).
الرسوم الجمركية الباهظة التي فرضتها الولايات المتحدة تستهدف بنسبة كبيرة دول الشرق الآسيوي، فيما تسعى نيودلهي إلى “الإنصاف” في التعاملات التجارية مع واشنطن، ورغم أن رئيس الوزراء الهندي كان من أوائل قادة العالم الذين زاروا الولايات المتحدة، وأجروا محادثات مع ترمب بعد عودته إلى البيت الأبيض، أفادت وكالة “رويترز” أن حكومته منفتحة على خفض الرسوم الجمركية إلى أكثر من نصف وارداتها من الولايات المتحدة، التي بلغت قيمتها الإجمالية 41.8 مليار دولار في 2024، في إطار اتفاقية تجارية، لكن الرئيس الأميركي وصف الهند بأنها “مستغلة للرسوم الجمركية” و”ملك الرسوم الجمركية”.
مما يلفت الانتباه في زيارة مودي إلى السعودية أنها تأتي في اليوم التالي لوصول فانس نيودلهي، والتي قالت عنها وكالة “أسوشيتد برس” إنها “مهمة دبلوماسية” بالغة الأهمية لإدارة ترمب، وتتزامن مع تصاعد سريع في الحرب التجارية بين واشنطن وبكين، المنافس الرئيس لنيودلهي في المنطقة، وأشارت في تقريرها إلى أن التوصل إلى اتفاق تجاري بين الهند والولايات المتحدة يمكن أن يعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدين بصورة كبيرة، وربما يعزز العلاقات الدبلوماسية.
فانس الذي أعلن البيت الأبيض أن زيارته إلى نيودلهي مدتها أربعة أيام، تركه مودي في بلاده، وقرر زيارة السعودية بحثاً عن تعاون سياسي واقتصادي يؤمن مسار بلاده في الحرب التجارية، لا سيما أن أعباء الشرق الآسيوي تتزايد تباعاً خلال هذه الحرب مع تشابك علاقات بكين وواشنطن مع دول القارة الآسيوية.
يرتبط ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بعلاقات وثيقة مع دونالد ترمب منذ ولايته الأولى، ويحظى بثقل سياسي وازن في العلاقات الدولية بعيداً من الصراعات، وهو ما ظهر في الوساطة بين واشنطن وموسكو في أكثر من مناسبة، ولعل هذا ما دفع رئيس الوزراء الهندي إلى الإشادة بقيادة ولي العهد السعودي، في حديث نشرته اليوم صحيفة “عرب نيوز”، إذ وصفه بأنه “مدافع قوي عن العلاقات الثنائية” بين نيودلهي والرياض، وأنه “صاحب رؤية ألهمت العالم، ونالت إعجابه” من خلال الإصلاحات في ظل رؤية 2030، مضيفاً “في كل مرة التقيته، ترك الأمير محمد انطباعاً عميقاً لدي، إن رؤيته المستقبلية وشغفه بتحقيق تطلعات الشعب السعودي، وهو أمر رائع حقاً”.
اقتصاد الرياض ونيودلهي
وقال مودي، “نحن لا نتحدث فقط عن المصالح الآنية، بل نخطط لمستقبل الشراكة الهندية- السعودية لعقود مقبلة”، مضيفاً “نركز في مشاوراتنا على جعل هذا الشراكة جاهزة لما يحمله المستقبل”، مبيناً أن “هناك علاقة خاصة تربط بين جدة والهند، فقد كانت جدة الشريان الأساس للتبادل التجاري والتبادلات بين الشعبين”.
وتحدث مودي عن التكامل بين اقتصاد الرياض ونيودلهي، لا سيما أن السعودية خامس أكبر شريك تجاري للهند، مشيراً إلى ازدهار التبادل التجاري في قطاعات الطاقة والزراعة والأسمدة، متوقعاً نمواً إضافياً بفضل الاتفاق المرتقب حول معاهدة الاستثمار الثنائي، إضافة إلى اتفاقية التجارة الحرة بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي.
837461-1621807219.png
رئيس وزراء الهند يستقبل الأمير محمد بن سلمان بالقصر الرئاسي في نيودلهي (أ ب)
ودعا رئيس الوزراء الهندي، في حواره، الشركات السعودية إلى اغتنام الفرص الاستثمارية في بلاده، لا سيما في مجالات الفضاء والتقنيات النظيفة والبنية التحتية، مضيفاً “السعودية تلعب دور الشريك الرائد في مجال الطاقة بالنسبة إلى الهند”، لافتاً إلى أن الأحداث الضخمة التي تستضيفها المملكة “ستوفر فرصاً للشركات الهندية التي تتمتع بسمعة عالمية لجودتها وقدرتها التنافسية وكفاءتها”.
وأشار إلى إمكانية ربط شبكات الكهرباء بين البلدين ضمن مبادرة الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، التي أطلقت خلال قمة الـ20 في نيودلهي، متابعاً “تسعى الهند لأن تصبح دولة متقدمة، ومن ثم، ستستمر حاجتنا لمصادر الطاقة بالنمو، وستبقى السعودية شريكاً وثيقاً لنا في ما يتعلق بأمن الطاقة في بلادنا”، موضحاً دور الشراكة الاستراتيجية في مجال الطاقة بقوله “ندرس إمكانية تنفيذ مشاريع مشتركة في مجال مصافي النفط والبتروكيماويات”، مضيفاً أن بلاده تعمل على تحقيق هدفها الطموح في مجال التحول الأخضر “واثقون من قدرتنا على تحقيق هدف توليد 500 غيغاواط من مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030، وأن التعاون مع الرياض يشمل مجالات سلاسل التوريد والاقتصاد الدائري وكفاءة الطاقة والهيدروجين الأخضر، إذ يمكن للبلدين أن يعملا من أجل التوصل إلى حلول مبتكرة تلبي حاجات الطاقة المستقبلية، لا سيما أنهما شريكان في التحالف الدولي للطاقة الشمسية”.
وفي الشأن الدفاعي، رحب مودي “بالاستثمارات السعودية في الصناعات الدفاعية الهندية التي باتت مفتوحة أمام الشراكات الخاصة”، متابعاً “ننظر إلى السعودية باعتبارها قوة إيجابية ومعززة للاستقرار في المنطقة”، وعدّ أن التعاون بين البلدين يؤكد أن التعاون بين الطرفين “يعكس التنامي في مجالي الدفاع والأمن وثقة متبادلة وعميقة، إذ يشكل ذلك دليلاً على التزامنا المشترك بالاستقرار الإقليمي وعزمنا المشترك على مواجهة التحديات المتنامية في المناطق المجاورة لنا”.
التعاون الأمني
وتطرق حديث مودي مع “عرب نيوز” إلى التعاون الأمني قائلاً “شهدنا تقدماً مطرداً في مجال التعاون الأمني، إذ يشمل ذلك الجوانب المرتبطة بمكافحة الإرهاب والتطرف وتمويل الإرهاب والتصدي لتهريب المخدرات، ونعمل أيضاً على استكشاف آفاق جديدة للتعاون في مجال الأمن السيبراني، إدراكاً منا لأهميته المتزايدة اليوم في عالمنا المترابط”، متابعاً “كلانا يدعم تعميق التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، إذ يوجد اليوم مجمع صناعي عسكري قوي وقادر على تصنيع ذخائر وأسلحة صغيرة ودبابات وناقلات مدرعة ذات جودة عالية. ونصنع أيضاً طائرات مسيرة ومروحيات خفيفة متطورة ومقاتلات تستخدمها القوات الجوية، كما نمتلك القدرة على بناء زوارق دوريات وغواصات وحتى حاملات طائرات تستفيد منها القوات البحرية”.
أرقام اقتصادية
وأسهمت زيارة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى الرياض خلال أبريل 2016 في تعزيز التعاون الشامل بالمجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والدفاعية، وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019 تم الاتفاق على إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية (SPC) لتوجيه العلاقة بين الهند والسعودية، الذي يتألف من ركيزتين الأولى سياسية وأمنية واجتماعية وثقافية، والثانية اقتصادية واستثمارية.
وزار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الهند في سبتمبر (أيلول) 2023. وعقدت القمة الأولى لمجلس الشراكة الاستراتيجية في نيودلهي برئاسة الأمير محمد ورئيس الوزراء الهندي.
هل تحصل الهند على إعفاء أميركي من الرسوم الجمركية؟
سفير الهند في السعودية : علاقتنا بالرياض تحولت من تعاون إلى شراكة
الممر الهندي يبرز موقع الرياض على خريطة التجارة العالمية
وهناك تبادل منتظم للزيارات رفيعة المستوى بين الهند والسعودية، فمنذ بداية عام 2024 تمت 11 زيارة وزارية من نيودلهي إلى الرياض، كما زار وزير الخارجية السعودي ووزير الصناعة والثروة المعدنية الهند في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 وفبراير (شباط) 2025 على التوالي.
واقتصادياً، تعد السعودية خامس أكبر شريك تجاري للهند، فيما تحتل الهند المرتبة الثانية بين شركاء المملكة التجاريين، وخلال السنة المالية 2023-2024، بلغت واردات نيودلهي من الرياض 31.42 مليار دولار، بينما بلغت صادرات الهند إلى السعودية 11.56 مليار دولار.
وبلغ إجمالي الاستثمارات السعودية في الهند نحو 10 مليارات دولار، فيما زادت الاستثمارات الهندية في السعودية خلال الأعوام الأخيرة، وبلغت نحو 3 مليارات دولار حتى أغسطس (آب) 2023، في قطاعات متنوعة، وظلت السعودية ثالث أكبر وجهة لاستيراد النفط الخام والمنتجات البترولية للهند في السنة المالية 2023-2024، إذ استوردت نيودلهي 33.35 مليون طن متري من النفط الخام من الرياض وهو ما يمثل 14.3 في المئة من إجمالي واردات الهند من الخام، كما كانت السعودية ثالث أكبر مصدر للغاز النفطي المسال للهند بنسبة 18.2 في المئة من إجمالي واردات الغاز، والسعودية أيضاً واحدة من أكبر موردي الأسمدة للهند، وتعد ثاني أكبر مصدر لأسمدة “DAP” للهند.