يتصدّر الصدام بين الحكومة الإسرائيلية وجهاز “الشاباك” ممثَّلاً برئيسه، ومن خلفه داعموه من أحزاب المعارضة والقضاء وشخصيّات أمنيّة سابقة، الواجهة في إسرائيل، ويتّسع على أرضيّة الاحتجاجات الشعبية ضدّ حكومة بنيامين نتنياهو.
كان آخر فصول هذا الصدام تقديم رئيس جهاز “الشاباك” رونين بار الإثنين 21 نيسان شهادة خطّيّة للمحكمة العليا تتضمّن معلومات سرّية ضدّ رئيس الحكومة، شملت معلومات سرّية مفصّلة بشأن تحقيقات تتعلّق بمقرّبين من نتنياهو في ما يُعرف بـ”قضيّة قطرغيت”، وأخرى تتعلّق بتسريب مستندات سرّية إلى صحيفة “بيلد” الألمانية، وتفصيل للادّعاءات أنّ نتنياهو طلب من رئيس “الشاباك” استخدام أدوات الجهاز الاستخباريّ لمصلحته، سواء ضدّ معارضين مدنيّين لحكومته أو لتفادي الإدلاء بشهادة في محاكمته بملفّات فساد، وتفاصيل اجتماعات جرت بين المستويَين السياسي والأمنيّ تناولت التعامل مع حركة “حماس” قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) 2023، لكنّه لم يتطرّق إلى قضايا أو ملفّات جديدة.
صدام رئيس “الشاباك” مع الحكومة الذي دفع آلاف الإسرائيليين للتظاهر مساء الإثنين، بات يغذّي جبهة التحريض ضدّ بار من قبل أحزاب اليمين المتطرّف بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير، الذي سبق أن تشاجر معه بالأيدي قبل أسابيع، على خلفيّة فتح “الشاباك” في شهر أيلول تحقيقاً عن تغلغل تيّار “الكهانيّة” الذي ينتمي إليه بن غفير في جهاز الشرطة، وضلوع وتأثير المستوى السياسي على عمل الأجهزة الأمنيّة بكلّ ما يتعلّق باستخدام أساليب القوّة بشكل يتعارض مع القوانين المعمول بها، وهو ما دفع إلى شنّ بن غفير هجوماً تحريضيّاً قائلاً: “رئيس الشاباك كاذب ومجرم ويجب أن يقبع في السجن، ويتجسّس على المستوى السياسي، ويجمع معلومات وأدلّة ويحاول القيام بانقلاب لمصلحة معسكر اليسار”، وهو الموقف الذي تبنّاه نتنياهو واتّهم رئيس الشاباك بمحاولة إسقاط حكومة اليمين.
صدام رئيس “الشاباك” مع الحكومة الذي دفع آلاف الإسرائيليين للتظاهر مساء الإثنين، بات يغذّي جبهة التحريض ضدّ بار من قبل أحزاب اليمين المتطرّف بقيادة بتسلئيل سموتريتش وإيتامار بن غفير
حالة غليان
دفع هذا التحريض برئيس “الشاباك” للردّ على نتنياهو وبن غفير بالقول: “لقد اتّهمني بن غفير بالخيانة خلال جلسة الكابينت، واليوم يهدّدني بإرسالي إلى السجن. غداً سوف يهدّدونني بالإعدام”.
فرض نفسه الحديث عن الاغتيال السياسي في إسرائيل، وحتّى الحديث عن اندلاع حرب أهليّة، على تصريحات المسؤولين السياسيين والعسكريين والخبراء والمحلّلين للمرّة الأولى بصورة علنية في إسرائيل، مدفوعاً بحجم التحريض والمسار السياسي الذي تتّخذه حكومة نتنياهو في العديد من الملفّات.
حذّر زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” المعارض أفيغدور ليبرمان الإثنين عقب شهادة بار من وجود “حالة غليان” في المجتمع الإسرائيلي، وأنّه لا ينبغي أن يصل الأمر إلى حدّ “الاغتيال السياسي”، مضيفاً: “الخطاب عنيف، وكلّ ما رأيناه في العام الماضي مثير للقلق، ويجب ألّا يرقى إلى مستوى الاغتيال السياسي”.
لكنّ رئيس المعارضة يائير لابيد كان الأكثر جرأة في هذه المسألة حين حذّر في 20 نيسان من وقوع عمليّات قتل واغتيالات داخل إسرائيل، مستنداً في ذلك كما يقول إلى “معلومات استخباريّة أكيدة”، قائلاً إنّ “إسرائيل ستشهد اغتيالات وقتلاً على خلفيّة سياسيّة، ورئيس جهاز الأمن العامّ “الشاباك” هو الأكثر تهديداً”.
قال لابيد: “أودّ الآن أن أحذّر مرّة أخرى، وهذه المرّة استناداً إلى معلومات استخبارية لا لبس فيها، من أنّنا في طريقنا إلى كارثة أخرى سوف تأتي هذه المرّة من الداخل. مستويات التحريض والجنون غير مسبوقة. لقد تمّ تجاوز الخطّ الأحمر”، مشدّداً على أنّه “إذا لم نوقف هذا فسوف يكون هناك قتل سياسيّ هنا، وربّما أكثر من واحد. يهود يقتلون يهوداً”.
تعيش إسرائيل تحت وطأة تحذيرات متصاعدة منذ شهور من سيناريو محتمل تندلع فيه حرب أهليّة لأسباب موضوعية تزداد يوماً بعد آخر جعلت الحديث عنه أمراً واقعيّاً وعلنيّاً.
يعزو المراقبون الحديث عن الحرب الأهلية إلى قيام نتنياهو بتهشيم النموذج الديمقراطي، الذي كرّسته إسرائيل، عبر محاولاته الاستيلاء على السلطة من خلال تفكيك استقلالية المؤسّستين العسكرية والأمنيّة وفرض سطوته عليهما، والانقلاب على القضاء، وتحالفه مع اليمين المتطرّف.
حذّر زعيم حزب “إسرائيل بيتنا” المعارض أفيغدور ليبرمان الإثنين عقب شهادة بار من وجود “حالة غليان” في المجتمع الإسرائيلي، وأنّه لا ينبغي أن يصل الأمر إلى حدّ “الاغتيال السياسي”
تحريض ممنهج
نشرت القناة السابعة الإسرائيلية في مطلع نيسان دراسة “مؤشّر المجتمع الإسرائيلي” لمعهد “سياسة الشعب اليهودي”، التي كشفت عن تفاعل الإسرائيليين مع تصريحات الرئيس السابق للمحكمة العليا، القاضي أهارون باراك، الذي حذّر من “خطر الذهاب باتّجاه حرب أهلية في إسرائيل”، وفي هذا الإطار يعتقد 27% من الإسرائيليين بأنّ القاضي باراك “كان محقّاً”، فيما قال 33% إنّه قد “بالغ قليلاً، لكنّ الخطر الحقيقي موجود”.
يسود اعتقاد لدى بعض المراقبين أنّ تفكيك نتنياهو لمنظومة الأمن والقضاء وتعيين موالين له يحمل في طيّاته هدفاً بعيد المدى يتمثّل في رغبته بتأجيل انتخابات الكنيست المقرّرة في 2026 إلى عام 2027، وهو السبب الذي يدفعه إلى إطالة أمد الحرب.
يتمحور سيناريو نتنياهو لتحقيق ذلك حول حاجته إلى إعلان “حالة طوارئ أمنيّة” تمنع إجراء الانتخابات، لأنّ تغيير قانون الانتخابات بحاجة إلى مصادقة 80 نائباً من أصل 120، وهو ما لا يتوافر له حاليّاً، ولذلك إعلان “حالة طوارئ أمنيّة” يحتاج إلى أن يكون رؤساء الأجهزة الأمنيّة موالين تماماً له ليعلنوا حالة الطوارئ، وهذا ما يجعله بحاجة إلى تغيير رئيس “الشاباك” بعد تغيير قائد الأركان وتقييد دور المحكمة العليا.
إقرأ أيضاً: الإصلاح التّجميليّ الفلسطينيّ.. وحزب الجمود الوطنيّ
كشف نتنياهو عن رغبته بتأجيل موعد الانتخابات، عبر طلب حزب الليكود من لجنة الانتخابات المركزية، بعد وقت قصير من تشكيل الحكومة الحالية، تحديد موعد الانتخابات المقبلة في تشرين الأوّل 2027، أي بعد خمس سنوات من انتخابات 2022، وليس أربع سنوات كما ينصّ القانون، وهو ما رفضه رئيس لجنة الانتخابات المركزية.
يملك نتنياهو الكثير من الأدوات التي تخوّله إعلان “حالة طوارئ أمنيّة”، سواء على مستوى جبهات القتال أو حتّى على المستوى الداخلي، ومنها حدوث اغتيالات داخلية، مع استحضار الإسرائيليين مستوى التحريض الذي شنّه اليمين الإسرائيلي على رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين عقب توقيعه اتّفاق أوسلو، والذي أدّى في النهاية إلى اغتياله.