أدلى السيد تيموثي لينديركينغ، وهو أرفع مسؤول عن منطقة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية (في رتبة مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى)، بتصريحات عن رؤية الإدارة الأميركية للوضع السياسي في سورية وعن خارطة الطريق التي طرحتها الحكومة الأميركية لإعادة “بناء الثقة” مع سورية. (وقد نوّهَ السيد لينديركينغ بدور الجالية السورية الأميركية ولقاءاتنا مع الإدارة عقب عودتنا من رحلاتنا لسورية على أنه أحد مصادر المعلومات التي تستخدمها الإدارة لوضع تقييماتها عن الوضع في سورية). أورد لكم ترجمة حرفية سريعة لهذه التصريحات:
تاريخ: ٢٤ نيسان ٢٠٢٥
كيف ترى هذه الإدارة سورية؟ وكيف سيكون شكل
الانخراط الأمريكي في المرحلة القادمة؟
يكادُ لا يمر يوم تقريباً في قسم شؤون الشرق الأدنى، ولا في الاجتماعات مع وزير الخارجية روبيو، دون أن تُطرح سورية بشكلٍ أو بآخر.
أستطيع أن أؤكد لكم أن جميع رؤساء الدول والوزراء العرب الذين يزورون واشنطن يطرحون مسألة سورية، ولكل منهم وجهة نظر يريد مشاركتها معنا. وبشكل عام، تندرج معظم هذه الآراء ضمن إطار تشجيعنا بقوة على الانخراط بفاعلية وحيوية مع القيادة الجديدة في سورية. لكن بصراحة، ذلك ليس بموقفنا بعد.
نحن نبحث عن فرصة لبناء الثقة مع القيادة الجديدة، إلا أن هذه القيادة – كما تعلمون – مصنفة كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة. ف”هيئة تحرير الشام” مصنفة كمنظمة إرهابية. ولا يمكن تغيير هذه الأمور بين عشية وضحاها.
ومع ذلك، فإن لدى الولايات المتحدة رغبةً حقيقية في الانخراط والنظر بجدية في ما إذا كانت هذه القيادة جادة فعلاً بشأن طي صفحة الماضي والتخلي عن أيدلوجياتها السابقة.
ومن اللافتِ أن كلًا من وزير الخارجية الأميركي ووزراء الخارجية العرب يتحدثون عن هذه القيادة بلغة متشابهة؛ كثيراً ما نسمع تعليقات مثل: “من المستحيل أن يجتازوا اختباراً لمكتب التحقيقات الفيدرالي عن خلفيات الأشخاص”، أو “حائزون على دكتوراة في الجهاد”، وهذه آراء شائعة لا يحاول أحد التعامي عنها بشأن خلفيات شخصيات مثل الشرع والشيباني وبعض قيادات الهيئة.
ومع ذلك، فإن ما تتحدث عنه القيادة السورية الجديدة لافت للغاية. وإذا بدؤوا فعلاً بتنفيذ ما التزموا به، بل واستمروا في السير على هذه المسارات، فهناك فرصة حقيقية لبناء الثقة مع الولايات المتحدة، وذلك قد يفتح الباب أمام تطورات أكبر وأفضل بكثير.
نحن بالطبع لدينا عقوبات على سورية وعلى قيادتها، وهذه العقوبات لن تُرفع بين عشية وضحاها. لن نتسرّع في إعادة العلاقات كما فعلت بعض الدول.
نحن نحترم وتيرة كل دولة في التعامل مع هذه القضية، ولسنا في موقع فرض الإملاءات على غيرنا. لكننا نلاحظ رغبة لدى بعض شركائنا الدوليين في إعادة فتح السفارات ورفع الأعلام مجدداً. أما نحن، فما زلنا نعتمد نهجًا حذرًا جدًا في الانخراط.
اليوم، بينما تتسرع بعض الدول في الانخراط، نحن نتشاور مع هذه الدول، وكذلك مع مجموعة السبع، واليابان، وشركائنا الأوروبيين والعرب، حول كيفية التعامل مع هذه الحكومة.
ولقد قدمنا للقيادة السورية الجديدة مطالب واضحة ومحددة، لأننا لا نريد أن نجعل من هذا الأمر لعبة تخمين معهم.
هذه المطالب ليست مستحيلة التحقيق، وليست مصممة لإفشال العلاقة، بل تهدف إلى إنجاحها. وهي أيضاً مطالب التزمت بها القيادة السورية الجديدة علنًا وفي الاجتماعات الخاصة.
لقد كان لدينا اثنان من أعضاء الكونغرس في دمشق الأسبوع الماضي، ونحن على تواصل دائم مع الجالية السورية الأمريكية. لذلك نحن نملك معلومات حديثة ودقيقة، ونتنقل بين تقييمات مختلفة من أشخاص زاروا سورية مؤخراً، والتقوا بالشرع، وتحدثوا معه، كما أننا قد تواصلنا مع وزير الخارجية السوري الجديد لعرض بعض شروطنا. وإليكم بعضاً منها:
•نطلب معلومات عن الأمريكيين الذين اختفوا في سجون نظام الأسد، أينما كانوا. نطالب الحكومة السورية بالتعاون معنا لكشف مصيرهم.
•نحن مصممون على منع إيران من استعادة موطئ قدمها داخل سورية. نعلم أن إيران تسعى لاستغلال المرحلة الانتقالية. لا يجب أن يكون للمجموعات التي تدعمها مثل حزب الله والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أي وجود في سورية. هذا تهديد مباشر لمصالحنا ولمصالح إسرائيل.
•نعوّل على على السلطات الانتقالية في مكافحة الإرهاب، خصوصاً ضد تنظيم داعش، وما زلنا ملتزمين بهذه المهمة.
•نرحب بالاتفاق بين السلطات الانتقالية وقوات سورية الديمقراطية (قسد) لإعادة دمج منطقة شمال شرق سورية ضمن سورية واحدة. هذا تطور مهم. ونراقب تنفيذ اتفاقات وقف إطلاق النار في حلب، وسد تشرين، ودير الزور، وعفرين.
•نعلم أن التنفيذ صعب، لكن يجب التوصل إلى حل يضمن ألا تعود داعش أو أي تنظيم إرهابي آخر.
* يجب تدمير كافة الأسلحة الكيميائية ومكوناتها في سورية. نلحظُ بإيجابية انخراط السلطات الانتقالية مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وهذه بداية مشجعة، لكن يجب استكمال العمل.
•يجب أن تلتزم سورية بمبادئ عدم العدوان على جيرانها، وأن تلاحق من يحاول زعزعة الاستقرار.
إن اعتقال اثنين من كبار أعضاء حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني هذا الأسبوع أمر مشجع، ونريد رؤية المزيد من هذه الأفعال.
•نقرّ بضرورة وجود مؤسسة أمنية وعسكرية وطنية في سورية، لكننا سنراقب عن كثب كيفية تنفيذ ذلك.
•أمر آخر ربما يكون صعباً لكنه في غاية الأهمية بالنسبة لنا: على السلطات الانتقالية أن تضمن ألا يشغل المقاتلون الإرهابيون الأجانب مناصب في الحكومة أو الجيش السوري.
•نأسف لما حدث في المنطقة الساحلية؛ أحداثٌ مأساوية تسبب بها فلول النظام السابق وعناصر إيرانية، أدت لوقوع حمام دم قُتل فيه الكثير من العلويين والمدنيين السوريين الآخرين. لكن لماذا يقاتل الشيشانيون والويغر في صفوف قوى الأمن؟ ما هي مؤهلاتهم لتولي مناصب رسمية؟ نلحظُ تصريحات “هيئة تحرير الشام” بأنها ستحقّق في هذه الأحداث، لكننا نطالب بوضوح بأن تتمّ المحاسبة عبر آليات قانونية شرعية. ونتابع عمل لجان التحقيق ولجان حفظ السلام التي أُنشئت.
•المحاسبة ضرورية لتحقيق الاستقرار والتماسك الاجتماعي. يجب على السلطات المؤقتة طرد جميع المقاتلين الأجانب من المناصب الرسمية، كدليل على التزامها باستقرار سورية والمنطقة. هناك سوريون مؤهلون غير مرتبطين بالإرهاب، داخل سورية وخارجها، ويجب تمكينهم حتى يعودوا لتولي هذه المسؤوليات وخدمة بلدهم في سورية الجديدة.
•نريد أن نرى جيشاً سورياً يحمي جميع السوريين ولا يهددّ جيرانه.
عندما كنت أعمل في السفارة الأمريكية في دمشق في نهاية عهد حافظ الأسد، كنا جميعاً نرى أن بشار الأسد غير مؤهل لقيادة سورية، وهذا ما ثبت لاحقاً. لكن لم يكن أحد منا يتوقع أن يحكم سورية بهذه الطريقة العدوانية والمدمرة والشريرة. لم نتوقع ذلك، لكنه أصبح الرئيس بسبب مقتل شقيقه باسل في حادث سير.
ختاماً، تمرّ سورية بلحظة فريدة. هناك شعور عام بأن هناك فرصة كبيرة. تلعب سورية دوراً محورياً في منطقة مليئة بالتوترات. ونادراً ما تتسنّى للدول فرص تاريخية للتخلي عن إرث الماضي المدمر. لذا، فإننا نحث القيادة السورية على انتهاج سياسات تعزز استقرار المواطنين، وتضمن السلام مع الجيران، وتدفع نحو تنمية الاقتصاد، والتعاون مع المجتمع الدولي بنوايا صادقة.
قد تستغرق هذه العملية وقتاً، لكن إن مضت السلطات السورية قدمًا بخطى مدروسة، ونسقت معنا في رسم الطريق، فأنا واثق من قدرتنا على بناء علاقة أقوى وأكثر ثقة.
سننظر في تخفيف العقوبات إذا اتخذت السلطات الانتقالية خطوات ملموسة كما ذكرت.
نريد أن نمنح سورية فرصة أخرى، وندعو جميع السوريين للمشاركة في إعادة بناء بلدهم.
أحبّ لقاء السوريين الأمريكيين الذين يملؤهم الشغف بمستقبل وطنهم. كنت في منتدى الدوحة في الثامن من كانون الأول، يوم هروب الأسد من البلاد. كان في إحدى طرفي القاعة وفد إيراني لا ينبس ببنت شفة و غادر الدوحة مبكراً، وفي الطرف الأخر، كان هناك سوريون يذرفون الدموع فرحاً. وجودي معهم كان لحظة لا تُنسى.