Skip to content

السفينة

alsafina.net

Primary Menu
  • الرئيسية
  • الأخبار
  • افتتاحية
  • حوارات
  • أدب وفن
  • مقالات رأي
  • منوعات
  • دراسات وبحوث
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • الأرشيف
  • Home
  • عصر الحروب الأبدية لماذا لم تعد الإستراتيجية العسكرية تحقق النصر؟ لورنس د. فريدمان.المصدر. اندبندنت عربية
  • مقالات رأي

عصر الحروب الأبدية لماذا لم تعد الإستراتيجية العسكرية تحقق النصر؟ لورنس د. فريدمان.المصدر. اندبندنت عربية

khalil المحرر أبريل 25, 2025

 

ترسخت فكرة أن الهجمات المباغتة قد تُفضي إلى انتصارات حاسمة في التفكير العسكري خلال القرن الـ19 ( فارتيكا شارما/ فورين أفيرز)

ملخص
تثبت تجارب الحروب عبر التاريخ أن التفاؤل بتحقيق انتصارات سريعة غالباً ما يقود إلى خيبة أمل، إذ تتحول الصراعات إلى مواجهات طويلة ومرهقة. ورغم ذلك، لا يزال المخططون العسكريون متمسكين بنموذج الحرب القصيرة، متجاهلين الحاجة إلى استعدادات واقعية لحروب مطولة قد تكون أكثر تكلفة وتعقيداً.

في عملية “عاصفة الصحراء”، وهي الحملة التي هدفت إلى تحرير الكويت من الاحتلال العراقي عام 1991، أطلقت الولايات المتحدة وحلفاؤها قوة ضخمة، براً وجواً وبحراً لتنتهي في غضون أسابيع. وقد أظهر ذلك تناقضاً صارخاً مع حرب الولايات المتحدة المرهقة وغير الناجحة في فيتنام وحرب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان. في الواقع، أدى هذا النصر السريع إلى الحديث عن حقبة جديدة من الحروب، وُصفت بأنها ثورة في الشؤون العسكرية. ووفقاً لتلك النظرية، فإن التفوق في السرعة والمناورة سيؤدي إلى هزيمة الأعداء في الحروب المستقبلية، بمساعدة معلومات استخباراتية آنية توفرها أجهزة استشعار ذكية تُستخدم لتوجيه ضربات فورية بالأسلحة الدقيقة.

لكن هذه الآمال لم تدم طويلاً. فحملات مكافحة التمرد التي شنها الغرب في العقود الأولى من هذا القرن، وعُرفت لاحقاً بـ”الحروب الأبدية”، لم تكن تتميز بسرعتها. لقد كانت الحملة العسكرية لواشنطن في أفغانستان الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، لكنها في النهاية باءت بالفشل: فعلى رغم طردها في بداية الغزو الأميركي، عادت حركة “طالبان” في نهاية المطاف. ولا تقتصر هذه المشكلة على الولايات المتحدة وحلفائها. ففي فبراير (شباط) 2022، شنت روسيا غزواً شاملاً لأوكرانيا كان من المفترض أن يُسقط البلاد في غضون أيام. والآن، حتى لو أمكن التوصل إلى وقف لإطلاق النار، فستكون الحرب قد استمرت أكثر من ثلاثة أعوام، تميزت بقتال ضارٍ ومستنزف، لا بإجراءات جريئة وسريعة. وعلى نحو مماثل، عندما شنت إسرائيل حرباً على غزة رداً على هجوم “حماس” في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 واحتجازها الرهائن، دعا الرئيس الأميركي جو بايدن إلى أن تكون العملية الإسرائيلية “سريعة وحاسمة وساحقة”. لكنها استمرت لمدة 15 شهراً، وامتدت إلى جبهات أخرى في لبنان وسوريا واليمن، قبل التوصل إلى اتفاق هش لوقف إطلاق النار في يناير (كانون الثاني) الماضي. وبحلول منتصف مارس (آذار) الماضي اندلعت الحرب مجدداً. وهذا من دون التطرق إلى صراعاتٍ عدة في أفريقيا، بما في ذلك في السودان ومنطقة الساحل الأفريقي، لا تلوح لها نهاية في الأفق.

 

ترسخت فكرة أن الهجمات المباغتة قد تُفضي إلى انتصارات حاسمة في التفكير العسكري خلال القرن الـ19. إلا أن التجربة أثبتت مراراً وتكراراً صعوبة إنهاء الحرب بسرعة وبشكل مُرضٍ لمن يشنها. وبالاسترجاع، كان القادة العسكريون الأوروبيون واثقين من أن الحرب التي بدأت في صيف عام 1914 يمكن أن “تنتهي بحلول عيد الميلاد”، وهي عبارة لا تزال تُستخدم كلما بالغ الجنرالات في التفاؤل؛ وبدلاً من ذلك، استمر القتال حتى نوفمبر (تشرين الثاني) 1918، وانتهى بهجمات سريعة ولكن بعد أعوام من حرب الخنادق المدمرة على امتداد خطوط جبهة شبه ثابتة. وعام 1940، اجتاحت ألمانيا جزءاً كبيراً من أوروبا الغربية في غضون أسابيع باستخدام إستراتيجية الحرب الخاطفة، التي جمعت بين القوات المدرعة والقوة الجوية. لكنها لم تتمكن من حسم المعركة، وبعد التقدم السريع في البداية ضد الاتحاد السوفياتي عام 1941، انجرت إلى حرب وحشية تسببت بخسائر فادحة في كلا الجانبين، ولم تنته بالانهيار التام للرايخ الثالث إلا بعد أربعة أعوام تقريباً. وعلى نحو مماثل، فإن قرار القيادة العسكرية اليابانية بشن هجوم مفاجئ على الولايات المتحدة في ديسمبر (كانون الأول) 1941 انتهى بهزيمة كارثية للإمبراطورية اليابانية في أغسطس (آب) 1945. وفي الحربين العالميتين، لم يكن مفتاح النصر يكمن في البراعة العسكرية بل في القدرة الفائقة على الصمود والتحمل.

ومع ذلك، وعلى رغم هذا التاريخ الطويل من الصراعات المطولة، فلا يزال المخططون العسكريون يبنون تصوراتهم على حروب قصيرة يُفترض أن تُحسم خلال الأيام، بل حتى الساعات، الأولى من القتال. ووفقاً لهذا النموذج، يمكن وضع إستراتيجيات تُفاجئ العدو من جهة السرعة والاتجاه والوحشية في الهجوم الأولي. ومع الاحتمال الدائم لانخراط الولايات المتحدة في حرب مع الصين بسبب تايوان، أصبحت جدوى مثل هذه الإستراتيجيات مسألة ملحة: هل تستطيع الصين السيطرة بسرعة على الجزيرة باستخدام قوة خاطفة؟ أم أن تايوان، بدعم من الولايات المتحدة، ستكون قادرة على وقف مثل هذا الهجوم في مهده؟

من الواضح أنه في خضم التوترات المتصاعدة بين الولايات المتحدة ومجموعة متنوعة من الخصوم، ثمة خلل جوهري في التخطيط الدفاعي. وإدراكاً بميل الحروب إلى الاستمرار فترات طويلة، بدأ بعض الإستراتيجيين بالتحذير من أخطار الوقوع في مغالطة “الحرب القصيرة”. فمن خلال التركيز على الحروب القصيرة، يعتمد الإستراتيجيون بصورة مفرطة على خطط المعارك الأولية التي قد لا تُطبق كما هو متوقع على أرض الواقع، مما يؤدي إلى عواقب وخيمة. وقد جادل أندرو كريبينيفيتش بأن حرباً مطولة بين الولايات المتحدة والصين “ستتضمن أنواعاً من الحروب لا يمتلك الطرفان المتحاربان خبرة كبيرة فيها” وأنها قد تُشكل “الاختبار العسكري الحاسم في عصرنا”. علاوة على ذلك، فإن الفشل في الاستعداد للحروب الطويلة يخلق نقاط ضعف خاصة به. فلكي تنتقل الدول من حرب قصيرة إلى أخرى مطولة، يجب عليها فرض متطلبات مختلفة على جيشها وعلى المجتمع ككل. كذلك سيتعين عليها إعادة تقييم أهدافها وما هي مستعدة لالتزامه من أجل تحقيق تلك الأهداف.

وبمجرد أن يتقبل المخططون العسكريون أن أية حرب معاصرة كبرى قد لا تنتهي بسرعة، يصبح من الضروري أن يتبنوا عقلية مختلفة. فالحروب القصيرة تُخاض بأية موارد متاحة في ذلك الوقت، أما الحروب الطويلة فتتطلب تطوير قدرات تتماشى مع الضرورات العملياتية المتغيرة، مثلما يتضح من التحول المستمر في حرب الطائرات المسيرة في أوكرانيا. قد لا تُحدث الحروب القصيرة سوى اضطرابات موقتة في اقتصاد الدولة ومجتمعها ولا تتطلب خطوط إمداد واسعة في حين أن الحروب الطويلة تتطلب إستراتيجيات للحفاظ على دعم شعبي، واقتصادات فاعلة، وطرق آمنة لإعادة التسلح وتجديد المخزون وتعزيز القوات. كذلك، تستلزم الحروب الطويلة تكيفاً وتطوراً مستمرين: فكلما طال أمد الصراع، زادت الحاجة إلى الابتكارات في التكتيكات والتقنيات التي قد تؤدي إلى تقدم كبير. حتى بالنسبة إلى القوى العظمى، فإن الفشل في الاستعداد لهذه التحديات ثم النهوض لمواجهتها قد يكون كارثياً.

ومع ذلك، من المنطقي أيضاً التساؤل عن مدى واقعية التخطيط لحروب لا نهاية واضحة لها. فقد يكون من السهل نسبياً خوض حملة مطولة لمكافحة التمرد، لكن التحضير لصراع ينطوي على خسائر متواصلة وكبيرة في الأرواح والمعدات والذخيرة على مدى فترة طويلة هو أمر مختلف تماماً. بالنسبة إلى إستراتيجيي الدفاع، قد تكون هناك أيضاً عقبات كبيرة أمام هذا النوع من التخطيط، إذ إن الجيوش التي يخدمون فيها قد تفتقر إلى الموارد اللازمة للاستعداد لحرب طويلة. والحل لهذه المعضلة لا يكمن في التحضير لخوض حروب غير محددة المدة، بل في تطوير نظريات نصر تكون واقعية في أهدافها السياسية ومرنة في سبل تحقيق هذه الأهداف.

مغالطة الحرب القصيرة

إن مزايا الحروب القصيرة، المتمثلة في النجاح الفوري بكلفة مقبولة، هي مزايا واضحة لدرجة أنه لا يمكن تقديم أي مبرر للشروع عن عمد في حرب طويلة. وعلى النقيض من ذلك، فحتى مجرد الاعتراف بإمكان استمرار الحرب فترة طويلة قد يبدو بمثابة إظهار للشكوك حول قدرة الجيش على الانتصار على الخصم. فإذا كان لدى الإستراتيجيين ثقة ضئيلة أو معدومة في إمكان إبقاء الحرب المحتملة قصيرة، فإن السياسة الحكيمة الوحيدة على الأرجح هي عدم خوضها على الإطلاق. ومع ذلك، بالنسبة إلى دولة مثل الولايات المتحدة، قد لا يكون من الممكن استبعاد نشوب صراع مع قوة عظمى أخرى ذات قوة مماثلة، حتى وإن لم يكن النصر السريع مضموناً. وعلى رغم أن القادة الغربيين لديهم بغض شديد ومفهوم من التدخل في الحروب الأهلية، فإنه من الممكن أيضاً أن تصبح أفعال خصم غير تابع للدولة متكررة ومؤذية لدرجة تجعل التدخل المباشر لمواجهة التهديد أمراً لا مفر منه، بغض النظر عن المدة التي قد يستغرقها ذلك.

لهذا السبب، يواصل الإستراتيجيون العسكريون صياغة خططهم بناء على الحروب القصيرة، حتى في الحالات التي لا يمكن فيها استبعاد الصراع المطول. خلال الحرب الباردة، كان السبب الرئيس وراء عدم خصخصة الطرفين موارد كبيرة للاستعداد لحرب طويلة هو الافتراض بأن الأسلحة النووية ستُستخدم عاجلاً وليس آجلاً. في العصر الحالي، لا يزال هذا التهديد قائماً. لكن احتمال تحول صراع بين القوى العظمى إلى شيء مشابه للحروب العالمية الكارثية في القرن الماضي أمر مرعب، مما يزيد من الحاجة إلى خطط مصممة لتحقيق نصر سريع باستخدام القوات التقليدية.

في الواقع، تستند الإستراتيجيات المصممة لتنفيذ هذا النوع المثالي من الحرب إلى السرعة أولاً وقبل كل شيء، مع عنصر مفاجأة وقوة كافية لسحق الأعداء قبل أن يتمكنوا من الرد بشكل مناسب. غالباً ما تُقيم التقنيات القتالية الحديثة بناء على مدى مساهمتها في تحقيق نجاح سريع في ساحة المعركة وليس بناءً على فاعليتها في ضمان سلام دائم. خذ الذكاء الاصطناعي على سبيل المثال. يعتقد بعض المتابعين أنه من خلال استغلال الذكاء الاصطناعي، ستتمكن الجيوش من تقييم أوضاع ساحة المعركة، وتحديد الخيارات ثم اختيارها وتنفيذها في غضون ثوانٍ. وقد تُتخذ قرارات حاسمة قريباً بسرعة كبيرة تجعل القادة أنفسهم، ناهيك بالعدو، بالكاد قادرين على استيعاب ما يحدث.

لقد أصبح التركيز على عامل السرعة راسخاً جداً لدرجة أن أجيالاً من القادة العسكريين الأميركيين تعلموا أن يرتعبوا بمجرد ذكر حرب الاستنزاف، مفضلين اعتماد المناورة الحاسمة كطريق لتحقيق انتصارات سريعة. إن المعارك الطويلة المضنية من النوع الذي نشهده اليوم في أوكرانيا، حيث يحاول كل طرف إنهاك قدرات الطرف الآخر، وحيث يُقاس التقدم بعدد القتلى والمعدات المدمرة ومخزونات الذخيرة المستنفدة، ليست محبطة للدول المتحاربة وحسب، بل أيضاً تستغرق وقتاً طويلاً وكلفتها باهظة. لقد سبق أن أنفق الطرفان في أوكرانيا موارد هائلة، ومع ذلك لم يقترب أي منهما من تحقيق أي شيء يُشبه النصر. في الحقيقة، لا تخاض جميع الحروب بحدة الصراع التي نشهدها في الحرب الروسية الأوكرانية، ولكن حتى الحروب غير النظامية المطولة قد تُسفر عن خسائر فادحة، مما يؤدي إلى شعور متزايد بالعبثية واللاجدوى، إلى جانب الكلف المتزايدة.

في كلتا الحربين العالميتين، كان مفتاح النصر هو القدرة الفائقة على التحمل والصمود

 

وعلى رغم أنه من المعروف أن الهجمات المفاجئة الجريئة غالباً ما تقدم نتائج أقل بكثير مما هو متوقع، وأن بدء الحروب أسهل بكثير من إنهائها، فلا يزال الإستراتيجيون يقلقون من أن الأعداء المحتملين قد يكونون أكثر ثقة في خططهم الخاصة الرامية إلى تحقيق نصر سريع، وسيتصرفون بناءً على ذلك. هذا يعني أنهم مطالبون بالتركيز على المرحلة الافتتاحية المحتملة للحرب. قد يُفترض، على سبيل المثال، أن لدى الصين إستراتيجية للاستيلاء على تايوان تهدف إلى مفاجأة الولايات المتحدة وهي غير مستعدة، مما يترك واشنطن أمام خيارات الرد إما بأساليب لا أمل لها في النجاح أو قد تزيد الأمور سوءاً. ومن أجل استباق مثل هذا الهجوم المفاجئ، كرس الإستراتيجيون الأميركيون كثيراً من الوقت لتقييم كيف يمكن للولايات المتحدة وحلفائها الآخرين مساعدة تايوان في إفشال التحركات الأولية للصين، مثلما فعلت أوكرانيا مع روسيا في فبراير 2022، ثم إعاقة قدرة الصين على مواصلة تنفيذ عملية عسكرية معقدة بعيداً من البر الرئيس. لكن حتى هذا السيناريو يمكن أن يؤدي بسهولة إلى إطالة أمد الحرب: فإذا نجحت التحركات المضادة الأولية من القوات التايوانية وحلفائها الغربيين، وتعثرت الصين لكنها لم تنسحب، فإن تايوان والولايات المتحدة ستواجهان مشكلة التعامل مع وضع تكون فيه القوات الصينية موجودة على الجزيرة. وكما تعلمت أوكرانيا، فمن الممكن أن يجد طرف نفسه عالقاً في حرب طويلة الأمد لأن خصماً متهوراً قد أساء تقدير الأخطار.​

لكن هذا لا يعني أن الصراعات المسلحة الحديثة لا تنتهي مطلقاً بانتصارات سريعة. ففي يونيو (حزيران) 1967، احتاجت إسرائيل إلى أقل من أسبوع لإلحاق هزيمة ساحقة بتحالف الدول العربية في حرب الأيام الستة؛ وبعد ثلاثة أعوام، عندما تدخلت الهند في حرب استقلال بنغلاديش، استغرقت القوات الهندية 13 يوماً فقط لهزيمة باكستان. وجاء انتصار المملكة المتحدة على الأرجنتين في حرب فوكلاند عام 1982 بسرعة نسبياً. ولكن منذ نهاية الحرب الباردة، وقعت حروب كثيرة تلاشت فيها النجاحات المبكرة، أو فقدت زخمها، أو لم تحقق ما يكفي، فتحولت الصراعات إلى مواجهات أكثر استعصاءً بكثير.

في الواقع، قد تشكل مشكلة الحروب الطويلة المتفشية ميزة مهمة بالنسبة إلى أنواع معينة من الأطراف المتحاربة. فقد يبدأ المتمردون، والإرهابيون، والثوار، والانفصاليون بشن حملاتهم وهم على علم بأنها ستستغرق وقتاً لتقويض البنى القائمة للسلطة، ويعتمدون على فكرة أنهم ببساطة سيصمدون أكثر من أعدائهم الأقوى. فالجماعة التي تدرك أنها لن تنتصر في مواجهة سريعة، قد ترى فرصاً أكبر في كفاح طويل وشاق، إذ إنه ينهك العدو ويفقده معنوياته. وهكذا، فإن الحركات المناهضة للاستعمار في القرن الماضي، وأخيراً الجماعات الجهادية، دخلت حروباً استمرت عقوداً ليس بسبب إستراتيجية ضعيفة [ليس بسبب سوء التخطيط]، بل لأنه لم يكن أمامها خيار آخر. وعند مواجهة تدخل عسكري من جيش أجنبي قوي على وجه الخصوص، غالباً ما يكون الخيار الأمثل لهذه التنظيمات هو ترك العدو يتعب في قتال غير حاسم، ثم العودة في الوقت المناسب، مثلما فعلت حركة “طالبان” في أفغانستان.

على النقيض من ذلك، تميل القوى العظمى إلى افتراض أن تفوقها العسكري الكبير سيسحق خصومها بسرعة. هذه الثقة المفرطة تعني أنها تفشل في تقدير حدود القوة العسكرية، ومن ثم تضع أهدافاً لا يمكن تحقيقها إلا من خلال صراع طويل الأمد، إن أمكن تحقيقها أصلاً. وتكمن مشكلة كبرى في أن التركيز على النتائج الميدانية الفورية قد يؤدي إلى إهمال العناصر الأوسع الضرورية للنجاح، مثل تهيئة الظروف المناسبة لإحلال سلام دائم، أو الإدارة الفعالة لدولة محتلة أطيح نظامها المعادي ولكن لم تُنصب بعد حكومة شرعية فيها. ولذلك، فإن التحدي لا يكمن وحسب في التخطيط لحروب طويلة بدلاً من حروب قصيرة، بل في التخطيط لحروب تستند إلى نظرية واقعية للنصر، بأهداف يمكن تحقيقها، مهما طال الوقت اللازم لذلك.

تفادي الهزيمة لا يعني تحقيق النصر

الإستراتيجية الفعالة لخوض الحروب لا تقتصر على الأسلوب العسكري وحسب، بل تشمل أيضاً الهدف السياسي. من الواضح أن التحركات العسكرية تحقق نجاحاً أكبر عند اقترانها بطموح سياسي محدود. لقد نجحت حرب الخليج عام 1991 لأن الهدف الوحيد الذي سعت إدارة جورج بوش الأب إلى تحقيقه كان طرد العراق من الكويت، من دون الإطاحة بالديكتاتور العراقي صدام حسين. وربما كان غزو روسيا أوكرانيا عام 2022 ليحقق نجاحاً أكبر لو ركز على دونباس بدلاً من محاولة السيطرة السياسية على البلاد بأكملها.

مع وجود طموحات محدودة، يسهل أيضاً تقديم التنازلات. إن النظرية العملية لتحقيق النصر تتطلب إستراتيجية تتماشى فيها الأهداف العسكرية مع الأهداف السياسية. قد يكون السبيل الوحيد لحل النزاع هو إلحاق هزيمة تامة بالعدو، وفي هذه الحال تجب خصخصة موارد كافية لهذه المهمة. في بعض الأحيان، قد تُتخذ مبادرة عسكرية على أساس توقع جازم بأنها ستؤدي إلى مفاوضات مبكرة. كان هذا هو رأي الأرجنتين في أبريل (نيسان) 1982 عندما استولت على جزر فوكلاند. وعندما أمر الرئيس المصري أنور السادات قواته المسلحة بعبور قناة السويس في أكتوبر 1973، فعل ذلك لتهيئة الظروف المناسبة لإجراء محادثات مباشرة مع إسرائيل. وعلى رغم أن قواته أُجبرت على التراجع، فإنه نال مراده السياسي.

إن الاستخفاف بموارد العدو السياسية والعسكرية هو أحد الأسباب الرئيسة لفشل إستراتيجيات الحرب القصيرة. لقد افترضت الأرجنتين أن المملكة المتحدة ستقبل بالأمر الواقع عندما استولت على جزر فوكلاند، ولم تتخيل أن البريطانيين سيرسلون قوة عسكرية لتحرير الجزر. غالباً ما تُشن الحروب انطلاقاً من الاعتقاد الخاطئ بأن شعب الدولة المعادية سينهار سريعاً تحت وطأة الهجوم. ومن الممكن أن يفترض الغزاة أن شريحة من السكان سترحب بهم، مثلما حدث في غزو العراق إيران عام 1980، وبعد ذلك في غزو إيران المضاد للعراق. وقد استندت روسيا في هجومها الشامل على أوكرانيا إلى فهم خاطئ مماثل، فافترضت أن هناك أقلية محاصرة، ناطقة بالروسية، سترحب بقواتها، وأن الحكومة في كييف تفتقر إلى الشرعية ويمكن إسقاطها بسهولة، وأن وعود الغرب بدعم أوكرانيا لن تُحدث فرقاً يُذكر. ولكن لم يصمد أي من هذه الافتراضات في الأيام الأولى من الحرب.

عندما تفشل خطة الحرب القصيرة في تحقيق النصر المتوقع، فإن التحدي الذي يواجه القادة العسكريين هو تحقيق توازن جديد بين الوسائل والغايات [إعادة مواءمة الوسائل مع الأهداف]. بحلول سبتمبر )أيلول( 2022، أدرك الرئيس فلاديمير بوتين أن روسيا تُخاطر بمواجهة هزيمة مُذلة ما لم تتمكن من إرسال مزيد من الجنود إلى الجبهة ووضع اقتصادها على أهبة الاستعداد لخوض حرب شاملة. بصفته زعيماً لدولة استبدادية، تمكن بوتين من قمع المعارضة الداخلية والحفاظ على السيطرة على الإعلام ولم يكن عليه القلق كثيراً في شأن الرأي العام. ومع ذلك، كان بحاجة إلى صياغة رواية جديدة. بعدما أكد قبل الحرب أن أوكرانيا ليست دولة حقيقية وأن قادتها “النازيين الجدد” استولوا على السلطة من خلال انقلاب عام 2014، لم يستطع تفسير سبب عدم انهيار البلاد تحت وطأة قوة روسية متفوقة. لذلك غير بوتين روايته، فزعم أن دول الناتو، لا سيما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، تستخدم أوكرانيا لتحقيق أهدافها المعادية لروسيا.

 

على رغم أن الكرملين صور الغزو في البداية على أنه “عملية عسكرية خاصة” محدودة، فإنه بات يصوره الآن على أنه صراع وجودي. هذا يعني أنه بدلاً من مجرد منع أوكرانيا من إحداث المتاعب، أصبحت روسيا تحاول أن تثبت الآن لدول “الناتو” أنه لا يمكن كسرها بالعقوبات الاقتصادية أو إمدادات الأسلحة التي يقدمها تحالف الغرب لأوكرانيا. ومن خلال وصف الحرب بأنها دفاعية، كانت الحكومة الروسية تخبر شعبها بأن ما هو على المحك كبير جداً، محذرة إياهم في الوقت نفسه من أن النصر السريع لم يعد متوقعاً. وعوضاً عن تقليص أهدافها للاعتراف بصعوبة هزيمة الأوكرانيين في المعركة، زاد الكرملين سقف هذه الأهداف لتبرير الجهد الإضافي. فمن خلال ضم أربع مقاطعات أوكرانية إضافة إلى شبه جزيرة القرم، ومواصلة المطالبة بحكومة خاضعة في كييف، جعلت روسيا إنهاء الحرب أصعب، لا أسهل. وفي الواقع، يُظهر هذا الوضع صعوبة إنهاء الحروب التي لا تسير بصورة جيدة: فإمكان الفشل غالباً ما يضيف هدفاً سياسياً جديداً يتمثل في الرغبة في تجنب الظهور بمظهر الضعف وعدم الكفاءة. لقد كانت المخاوف المتعلقة بالسمعة أحد الأسباب التي جعلت الحكومة الأميركية تبقى في فيتنام فترة طويلة بعدما بات واضحاً أن النصر بعيد المنال.

 

حرب لبنان و”تخصيب الحروب”
إن استبدال بنظرية نصر فاشلة أخرى أكثر تفاؤلاً لا يتطلب إعادة تقييم نقاط القوة الفعلية لدى العدو وحسب، بل أيضاً الاعتراف بعيوب الافتراضات السياسية التي استندت إليها التحركات الأولى. لنفترض أن مساعي الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى وقف إطلاق النار قد أثمرت، مما أدى إلى تجميد الحرب على طول خطوط المواجهة الحالية. قد تُصور موسكو مكاسبها الإقليمية على أنها نوع من النجاح، لكنها لا تستطيع الادعاء بتحقيق النصر الحقيقي ما دام لدى أوكرانيا حكومة مستقلة فاعلة وموالية للغرب. إذا قبلت أوكرانيا موقتاً بخسائرها الإقليمية، لكنها ظلت قادرة على بناء قواتها والحصول على شكل من أشكال الضمانات الأمنية بمساعدة شركائها الغربيين، فإن النتيجة ستبقى بعيدة كل البعد عن مطلب روسيا المعلن منذ زمن والمتمثل في أوكرانيا محايدة منزوعة السلاح. ستجد روسيا نفسها تدير وتدعم منطقة مدمرة يسكنها شعب ساخط، بينما تضطر إلى الدفاع عن خطوط وقف إطلاق النار الطويلة.

وعلى رغم أن روسيا لم تتمكن من الانتصار في الحرب، فإنها لم تخسر حتى الآن. لقد أُجبرت على الانسحاب من بعض الأراضي التي احتلتها في بداية الحرب، لكنها منذ أواخر عام 2023 تحقق مكاسب بطيئة ولكن مستمرة في الشرق. في المقابل، فإن أوكرانيا لم تُهزم أيضاً، إذ صدت بنجاح محاولات روسيا الرامية لإخضاعها، وأجبرت موسكو على دفع ثمن باهظ مقابل كل ميل مربع استولت عليه. والأهم من ذلك، أنها لا تزال دولة فاعلة.

لا نهاية في الأفق

في التعليق على الحروب المعاصرة، يُعد التمييز بين “الفوز” و”عدم الخسارة” أمراً بالغ الأهمية، ولكن يصعب فهمه. فالفرق بينهما ليس بديهياً، لأن هناك افتراضاً دائماً بوجود طرف منتصر في الحروب، ولأن أحد الطرفين قد يبدو في أي وقت وكأنه يفوز حتى لو لم ينتصر فعلياً. إن حال “عدم الخسارة” لا تعبر عنها تماماً مصطلحات مثل “الجمود” أو “الطريق المسدود”، لأن هذه المصطلحات توحي ضمنياً بوجود تحرك عسكري محدود. يمكن لكلا الطرفين أن يكونا في حال “عدم خسارة” عندما لا يستطيع أي منهما فرض نصر حاسم على الآخر، حتى وإن تمكن أحدهما، أو كلاهما أحياناً، من تحسين وضعه. لهذا السبب، غالباً ما تأتي مقترحات إنهاء الحروب المطولة في صورة دعوات إلى وقف إطلاق النار. لكن المشكلة في وقف إطلاق النار تكمن في أن الأطراف المتنازعة تميل إلى اعتباره مجرد توقف موقت في القتال، لا أكثر. وقد لا يكون له تأثير يُذكر في جوهر النزاع [على الخلافات الأساس]، بل قد يمنح كلا الطرفين فرصة للتعافي وإعادة تنظيم الصفوف للجولة المقبلة. إن وقف إطلاق النار الذي أنهى الحرب الكورية عام 1953 استمر أكثر من 70 عاماً، لكن الصراع لا يزال من دون حل، ويواصل الطرفان الاستعداد لحرب مستقبلية.

تستمر معظم نماذج الحرب في افتراض وجود تفاعل بين قوتين عسكريتين نظاميتين. ووفقاً لهذا الإطار، يتحقق النصر العسكري الحاسم عندما تُصبح قوات العدو غير قادرة على القتال، وينبغي أن يُترجم ذلك إلى نصر سياسي أيضاً، إذ لا خيار أمام الطرف المهزوم سوى قبول شروط المنتصر. بعد أعوام من التوتر والقتال المتقطع، قد يجد أحد الطرفين نفسه في موقع يُمكنه من ادعاء نصر قاطع لا لبس فيه. أحد الأمثلة على ذلك هو الهجوم الأذربيجاني في ناغورنو قره باغ عام 2023، الذي قد ينهي حرباً استمرت ثلاثة عقود مع أرمينيا.

في المقابل، حتى لو ظلت القوات المسلحة التابعة لدولة ما سليمة إلى حد كبير، فقد تتزايد الضغوط على حكومتها لإيجاد مخرج من الصراع بسبب الكلف البشرية والاقتصادية المتراكمة. أو قد لا يكون هناك أي أمل في تحقيق نصر حقيقي، كما أدركت صربيا في حربها ضد حلف شمال الأطلسي في كوسوفو عام 1999. وعندما يشهد أحد أطراف النزاع تغييراً في النظام الحاكم في الداخل، فقد يؤدي ذلك أيضاً إلى نهاية مفاجئة للأعمال العدائية. ومع ذلك، فإن الحروب الطويلة، عندما تنتهي، من المرجح أن تترك وراءها إرثاً مريراً وطويل الأمد.

غالباً ما تكون للصراعات المعاصرة حدود غير واضحة

 

حتى في الحالات التي يمكن فيها التوصل إلى تسوية سياسية، وليس مجرد وقف لإطلاق النار، قد لا يُحل الصراع فعلياً. فقد تثير التعديلات الإقليمية، وربما التنازلات الاقتصادية والسياسية الكبيرة من الطرف الخاسر، مشاعر استياء ورغبة في الانتقام لدى السكان المهزومين. وقد تظل الدولة المهزومة عازمة على إيجاد سبل لاستعادة ما فقدته. هذا ما حدث مع فرنسا بعد خسارتها الألزاس واللورين لمصلحة ألمانيا عام 1871 بعد الحرب الفرنسية البروسية. وفي حرب الفوكلاند، ادعت الأرجنتين أنها كانت تستعيد الأراضي التي فقدتها قبل قرن ونصف القرن. علاوة على ذلك، بالنسبة إلى المنتصر، ستظل الأراضي التي يستولي عليها ويضمها إليه بحاجة إلى إدارة ومراقبة. إذا تعذر إخضاع السكان، فقد يتحول ما بدا في البداية أنه استيلاء ناجح على الأراضي إلى وضع متقلب من الإرهاب والتمرد.

وعلى النقيض من النماذج التقليدية للحرب، التي تبدأ وتنتهي الأعمال العدائية فيها في تواريخ واضحة، غالباً ما تكون للصراعات المعاصرة حدود غير واضحة. فهي تميل إلى المرور بمراحل يمكن أن تشمل الحرب وفترات من الهدوء النسبي. لنأخذ على سبيل المثال صراع الولايات المتحدة مع العراق. عام 1991، هُزمت القوات العراقية بسرعة على يد تحالف بقيادة الولايات المتحدة، في ما بدا ظاهرياً حرباً قصيرة وحاسمة. ولكن لأن الولايات المتحدة قررت عدم احتلال العراق، بقي صدام حسين في الحكم، وخلق تحديه المستمر شعوراً بعدم اكتمال المهمة. عام 2003، في عهد الرئيس جورج دبليو بوش، غزت الولايات المتحدة العراق مرة أخرى وحققت نصراً سريعاً آخر، وهذه المرة أُطيح نظام صدام البعثي الديكتاتوري. لكن عملية بناء نظام بديل تسببت في أعوام من العنف الطائفي المدمر، الذي كاد في بعض الأحيان يتحول إلى حرب أهلية شاملة. ولا تزال بعض مظاهر هذا الاضطراب قائمة حتى يومنا هذا.

ونظراً إلى أن الحروب الأهلية وعمليات مكافحة التمرد تُخاض داخل المجتمعات وبين السكان، فإن المدنيين يتحملون العبء الأكبر الناجم عن أضرار هذه الحروب، ليس فقط من خلال الوقوع في العنف الطائفي المتعمد أو تبادل النيران، بل أيضاً لأنهم يُجبرون على ترك منازلهم. هذا هو أحد الأسباب التي تسهم في تحول هذه الحروب إلى صراعات مطولة وفوضى مستمرة. وحتى عندما تقرر قوة خارجية متدخلة الانسحاب، مثلما فعل الاتحاد السوفياتي، ولاحقاً التحالف بقيادة الولايات المتحدة في أفغانستان، لا يعني ذلك أن النزاع قد انتهى، بل إنه يتخذ شكلاً جديداً.

عام 2001، كانت لدى الولايات المتحدة خطة واضحة لـ”حرب قصيرة” تهدف إلى إطاحة “طالبان”، ونفذتها بنجاح وفاعلية نسبية باستخدام قوات نظامية بالتعاون مع التحالف الشمالي الأفغاني. لكنها لم تضع إستراتيجية واضحة للمرحلة التالية. ولم تكن المشكلات التي واجهتها واشنطن ناجمة عن خصم عنيد يقاتل بقوات نظامية، بل عن عنف مستفحل كانت تهديداته غير منتظمة ونابعة من نسيج المجتمع المدني، وكانت أية نتيجة مُرضية تعتمد على تحقيق أهداف صعبة المنال مثل توفير حكم رشيد وأمن فعال للسكان. ومن دون وجود قوات خارجية تدعم الحكومة، تمكنت حركة “طالبان” من العودة، واستمر تاريخ الصراع في أفغانستان.

 

واستطراداً، فإن انتصار إسرائيل عام 1967، وهي حال نموذجية للانتصار السريع، قد خلف أيضاً احتلالاً لأراضٍ واسعة تضم سكاناً ساخطين. وقد خلق هذا الوضع ظروفاً لحروب لاحقة عدة، بما في ذلك تلك التي اندلعت بعد هجمات “حماس” في السابع من أكتوبر 2023. ومنذ ذلك الحين، خاضت إسرائيل حملات عسكرية ضد الحركة في قطاع غزة، الذي كانت قد انسحبت منه عام 2005، وضد “حزب الله” في لبنان، حيث خاضت عملية سيئة الإدارة عام 1982. وقد اتخذت الحملتان شكلاً مشابهاً، إذ جمعتا بين عمليات برية لتدمير منشآت العدو، بما في ذلك شبكة الأنفاق، وغارات على مخازن الأسلحة ومنصات الصواريخ وقادة العدو. وقد تسبب كلا الصراعين في سقوط أعداد هائلة من الضحايا المدنيين ودمار واسع للبنية التحتية والمناطق السكنية. ومع ذلك، يمكن اعتبار الحملة في لبنان ناجحة لأن “حزب الله” وافق على وقف إطلاق النار بينما كانت الحرب لا تزال دائرة في غزة، وهو أمر قال إنه سيرفضه. على النقيض من ذلك، لم يُعتبر وقف إطلاق النار القصير الأمد في غزة انتصاراً، لأن الحكومة الإسرائيلية كانت قد أعلنت أن هدفها هو القضاء التام على “حماس”، وهو ما لم يتحقق. في مارس، وبعد انهيار المفاوضات، استأنفت إسرائيل الحرب، وما زالت تفتقر إلى إستراتيجية واضحة لإنهاء الصراع بصورة حاسمة. وعلى رغم إضعاف “حماس” بشدة، فإن الحركة لا تزال قادرة على العمل. ومن دون خطة متفق عليها لحكم غزة مستقبلاً أو بديل فلسطيني فعال، ستظل “حماس” حركة ذات نفوذ.

في أفريقيا، يبدو أن الصراعات المطولة أصبحت متجذرة وشبه دائمة. وهنا، أفضل مؤشر على العنف المستقبلي هو العنف الذي وقع في الماضي. في جميع أنحاء القارة، تندلع الحروب الأهلية ثم تخمد. وغالباً ما تُظهر هذه الحروب انقسامات عرقية واجتماعية عميقة، تؤججها التدخلات الخارجية، إضافة إلى أشكال أكثر وحشية وبدائية من الصراع على السلطة. إن عدم الاستقرار الكامن يضمن استمرار النزاعات التي قد يكون للأفراد والجماعات مصلحة فيها، ربما لأن القتال يوفر حافزاً وغطاءً للاتجار بالأسلحة والبشر والسلع غير المشروعة. تشمل الحرب الحالية في السودان صراعات أهلية وولاءات متغيرة، حيث أُطيح نظام قمعي على يد تحالف، ثم انقلب هؤلاء الحلفاء على بعضهم بعضاً، مما أدى إلى حرب أكثر وحشية. كذلك تشمل الحرب جهات خارجية مثل مصر والإمارات العربية المتحدة، اللتين يهمهما منع خصومهما من تحقيق مكاسب، أكثر من تركيزهما على إنهاء العنف وخلق ظروف للتعافي وإعادة الإعمار.

وتؤكد القاعدة العامة أن اتفاقات وقف إطلاق النار ومعاهدات السلام، عندما تحدث، غالباً ما تكون قصيرة الأجل. فقد وقعت الأطراف السودانية أكثر من 46 معاهدة سلام منذ استقلال البلاد عام 1956. عادة ما يُسلط الضوء على الحروب عندما تتفاقم وتتحول إلى مواجهة عسكرية مباشرة، لكن الاحتقان الذي يسبق الحرب ويليها هو جزء من العملية نفسها. وبدلاً من اعتبار الحروب أحداثاً منفصلة لها بداية ووسط ونهاية، قد يكون من الأفضل فهمها على أنها نتيجة لعلاقات سياسية سيئة وغير فعالة من الصعب إدارتها بالوسائل السلمية.

نوع آخر من الردع

إن الدرس الرئيس الذي يمكن للولايات المتحدة وحلفائها استخلاصه من تجربتهم الواسعة مع الحروب الطويلة هو أن أفضل طريقة للتعامل معها هي تجنبها من الأساس. فإذا وجدت الولايات المتحدة نفسها منخرطة في صراع طويل الأمد مع قوة عظمى أخرى، فستضطر إلى تعبئة كامل اقتصادها ومجتمعها للحرب. وحتى لو انتهت مثل هذه الحرب بما يشبه النصر، فمن المرجح أن يكون الشعب منهكاً والدولة مستنزَفة من كل طاقاتها الاحتياطية. علاوةً على ذلك، وبالنظر إلى شدة الحروب المعاصرة، وسرعة الاستنزاف، وكلفة الأسلحة الحديثة، فقد لا تكون زيادة الاستثمارات في المعدات والذخائر كافية لمواصلة حرب مستقبلية فترة طويلة. وبالحد الأدنى، ستحتاج الولايات المتحدة وشركاؤها إلى تأمين مخزونات كافية سابقاً لكي يستمروا في القتال فترة تكفي لتنفيذ تعبئة شاملة وأكثر حدة.

ثم، بالطبع، هناك خطر نشوب حرب نووية. في مرحلة ما خلال حرب مطولة مع روسيا أو الصين، قد يصبح إغراء استخدام الأسلحة النووية لا يُقاوم. من المحتمل أن يؤدي مثل هذا السيناريو إلى إنهاء حرب تقليدية طويلة بصورة مفاجئة. فبعد سبعة عقود من الجدل حول الإستراتيجية النووية، لم يُتوصل إلى نظرية موثوقة لتحقيق نصر نووي ضد خصم يمتلك قدرة على الرد بالمثل. وكما هي الحال مع منسقي الإستراتيجيات في الحروب التقليدية، ركز المخططون النوويون على السرعة والخطوات الافتتاحية [الضربات الأولية] المُنفذة ببراعة، بهدف تدمير وسائل الرد لدى العدو والقضاء على قيادته، أو في الأقل إرباكها وإخافتها بما يكفي لإحداث شلل في اتخاذ القرار. ومع ذلك، ظلت كل هذه النظريات غير موثوقة وتخمينية، إذ يتعين على أية ضربة أولى التعامل مع خطر إطلاق العدو الصواريخ فور تلقيه إنذاراً [عند رصده أي هجوم قادم]، إضافة إلى احتمال نجاة عدد كافٍ من أنظمته للقيام بهجوم انتقامي مدمر. ولحسن الحظ، لم تُختبر هذه النظريات عملياً أبداً. والهجوم النووي الذي لا يؤدي إلى نصر فوري، بل يتسبب في تبادل نووي متصاعد، قد لا يكون مطولاً، لكنه سيكون حتماً كارثياً. ولهذا السبب وُصفت هذه الحال بأنها حال “التدمير المتبادل المؤكد”.

ومن المفيد التذكير بأن أحد الأسباب التي دفعت المؤسسة العسكرية الأميركية إلى تبني العصر النووي بحماسة كبيرة هو أنه قدم بديلاً للحروب العالمية المدمرة في بداية القرن الـ20. فقد كان الإستراتيجيون على دراية تامة بأن الصراعات الشاملة بين القوى العظمى يمكن أن تكون طويلة جداً ودموية ومكلفة للغاية. وكذلك هي الحال مع الردع النووي، قد تحتاج القوى العظمى الآن إلى الاستعداد بشكل أكثر وضوحاً لحروب تقليدية أطول مما تفترضه الخطط الحالية، حتى لو كان الهدف من ذلك هو منع وقوعها. ومثلما أظهرت الحرب في أوكرانيا بصورة مؤلمة، يمكن أن تُجر القوى الكبرى إلى حروب طويلة حتى عندما لا تكون منخرطة بشكل مباشر في القتال. لذا، سيتعين على الولايات المتحدة وحلفائها تحسين قواعدهم الصناعية الدفاعية وبناء مخزوناتهم استعداداً لمثل هذه السيناريوهات في المستقبل.

ومع ذلك، فإن طبيعة التفكير المطلوبة للاستعداد لمثل هذه الحروب تختلف عن تلك اللازمة للاستعداد لمواجهة مباشرة بين القوى الكبرى. على رغم أن الفكرة قد تكون غير محببة، فإن المخططين العسكريين بحاجة إلى التفكير في إدارة صراع قد يطول أمده، بالطريقة نفسها التي فكروا بها في إدارة التصعيد النووي. ومن خلال الاستعداد لاحتمال الحرب الطويلة، وتقليص ثقة أي معتدٍ محتمل في قدرته على شن حرب قصيرة ناجحة، يمكن للإستراتيجيين العسكريين توفير نوع آخر من الردع: إنهم بذلك يوجهون تحذيراً للخصوم من أن أي انتصار، حتى وإن أمكن تحقيقه، سيكون مصحوباً بكلفة باهظة جداً على جيشهم واقتصادهم ومجتمعهم.

الحروب تبدأ وتنتهي بقرارات سياسية. وغالباً ما يفترض القرار السياسي بخوض صراع مسلح أن الحرب ستكون قصيرة، أما القرار السياسي بإنهاء القتال فعادة ما يكون نتيجة لكلف وآثار حرب طويلة لا مفر منها. بالنسبة إلى أية قوة عسكرية، يُعد احتمال استمرار الأعمال العدائية فترة طويلة أو لا نهاية لها، وما يصاحبها من عدم استقرار اقتصادي وسياسي كبير، سبباً وجيهاً للتريث قبل الشروع في حرب كبرى، والبحث عن وسائل أخرى لتحقيق الأهداف المرجوة. ولكن هذا يعني أيضاً أنه عندما لا يمكن تجنب الحروب، يجب أن تكون أهدافها العسكرية والسياسية واقعية وقابلة للتنفيذ، ومصممة لكي يمكن تحقيقها بالموارد العسكرية المتاحة. أحد المغريات الكبرى للقوة العسكرية هو أنها تَعد بإنهاء الصراعات بسرعة وبشكل حاسم. لكن في الواقع، نادراً ما يحدث ذلك.

 

مترجم عن “فورين أفيرز” 14 أبريل (نيسان) 2025

لورنس د. فريدمان أستاذ فخري في دراسات الحروب في كينغز كوليدج لندن. وهو مؤلف كتاب “القيادة: سياسة العمليات العسكرية من كوريا إلى أوكرانيا”، ومؤلف مشارك لنشرة “كومنت إز فريد” (Comment Is Freed) على منصة ” سابستاك” Substack.

 

Continue Reading

Previous: إيران وتقديم الإغراءات لإدارة ترمب…هدى رؤوف…. المصدر: اندبندنت عربية
Next: لبنان يبلغ إيران عبر سفيرها: عدم التدخل في الشؤون الداخلية….دنيز رحمة فخري صحافية.المصدر. اندبندنت عربية

قصص ذات الصلة

  • مقالات رأي

ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025

Recent Posts

  • ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب
  • العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة
  • سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة
  • “الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة
  • “كرنفال الثقافات” في برلين: في تعزيز ثقافة التنوع…….. سوسن جميل حسن…المصدر : ضفة ثالثة

Recent Comments

لا توجد تعليقات للعرض.

Archives

  • يونيو 2025
  • مايو 2025
  • أبريل 2025
  • مارس 2025
  • فبراير 2025
  • يناير 2025
  • ديسمبر 2024
  • نوفمبر 2024
  • أكتوبر 2024
  • سبتمبر 2024
  • أغسطس 2024
  • يوليو 2024
  • يونيو 2024
  • مايو 2024
  • أبريل 2024
  • مارس 2024
  • فبراير 2024
  • يناير 2024
  • ديسمبر 2023
  • نوفمبر 2023
  • أكتوبر 2023

Categories

  • أدب وفن
  • افتتاحية
  • الأخبار
  • المجتمع المدني
  • الملف الكوردي
  • حوارات
  • دراسات وبحوث
  • مقالات رأي
  • منوعات

أحدث المقالات

  • ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب
  • العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة
  • سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة
  • “الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة
  • “كرنفال الثقافات” في برلين: في تعزيز ثقافة التنوع…….. سوسن جميل حسن…المصدر : ضفة ثالثة

تصنيفات

أدب وفن افتتاحية الأخبار المجتمع المدني الملف الكوردي حوارات دراسات وبحوث مقالات رأي منوعات

منشورات سابقة

  • مقالات رأي

ساطع نورالدين سلاح “الدرون” الذي يمنع الحرب ..أو يشعلها……المصدر :صفحة الكاتب

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

العلاقات المصرية-الإيرانية… تقدم حقيقي أم خلافات متجذرة؟.عمرو إمام……….المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

سلام هشّ في جنوب آسيا ……… كاسوار كلاسرا……..المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025
  • مقالات رأي

“الحرب المؤجلة” بين ترمب وماسك… محطاتها وأسلحتها……طارق راشد…المصدر : المجلة

khalil المحرر يونيو 8, 2025

اتصل بنا

  • Facebook
  • Instagram
  • Twitter
  • Youtube
  • Pinterest
  • Linkedin
  • الأرشيف
Copyright © All rights reserved. | MoreNews by AF themes.