فرضت الحكومة المصرية، في أوج تفشّي جائحة كوفيد-19 في عام 2020، إغلاقًا جزئيًا تسبّب بضائقة اقتصادية شديدة، خصوصًا لدى أكثر الفئات السكانية فقرًا. وفي وقت لاحق من العام نفسه، دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى تقديم الدعم المالي للقوة العاملة غير النظامية التي كانت من أكثر الشرائح تضررًا بسبب الإغلاق. وقد أشار العديد من المعلّقين إلى أن النهج الذي اعتمدته الحكومة لإدارة هذه الأزمة اشتمل على اضطلاع وزارات الدولة وهيئاتها المدنية بدورٍ محوري، وأبدى الرئيس تقبّلًا للاعتراض إلى حد ما، وهو ما بدا غير مألوف للمراقبين الذي تابعوا، على امتداد أكثر من عقد من الزمن، توسّع دور الجيش المصري.
تولّت لجنة مؤلّفة من ثلاث وزارات ووكالتَين حكوميتين الإشراف على مبادرة الرئيس. ولكن نظرًا إلى حاجة اللجنة إلى جمع مئات آلاف طلبات الدعم المالي وإدماجها والتحقق من صحتها، استلتزم التنفيذ أن يضطلع أفرقاء غير حكوميين بدور مهم، كونهم يمتلكون قواعد بيانات ضخمة مستمدة من أنشطتهم الخيرية الموجّهة إلى المصريين في القوة العاملة غير النظامية، ويمكنهم تأمين الوصول إلى المستفيدين المحتملين. ولكن هؤلاء الشركاء غير الحكوميين ظلّوا خارج التركيبة الرسمية للجنة، وبقي إدماجهم فيها رهنًا بعلاقاتهم السابقة مع الوكالات الحكومية. في حالة بعض المنظمات غير الحكومية مثل بنك الطعام المصري ومؤسسة بهية التابعين للدولة منذ إنشائهما، اندرج التعاون مع الوكالات الحكومية في إطار مواصلة العمل كالمعتاد، ويمكن أن يساهم أيضًا في تعزيز سمعة هذه المنظمات والتشجيع على تقديم التبرعات.
لاحظ المراقبون اتجاهًا مماثلًا في ميادين أخرى في السياسات نحو اضطلاع وزارات الدولة وهيئاتها المدنية بدور أكثر بروزًا، وإدماج الأفرقاء غير الحكوميين والأفرقاء الحكوميين الفرعيين. تهدف المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء الذكية التي أُطلِقت خلال الاستعداد للدورة السابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في شرم الشيخ، إلى بناء القدرات المحلية لتنفيذ المشروعات الخضراء. يقتصر دور الحكومة المركزية بصورة أساسية على كونها الجهة المنظّمة والناظمة. وقد شارك أفرقاء غير حكوميين من القطاع الخاص والميدان الأكاديمي ومستشارون مستقلون في وضع المعايير، وفي التدريب والتقييم. وعلى الرغم من مشاركة بعض الوزارات والوكالات الحكومية أيضًا، تُنفَّذ المبادرة بصورة أساسية على مستوى المحافظات.
تشجّع عوامل عدّة على المضي قدمًا في توسيع نطاق وزارات الدولة وهيئاتها المدنية وإتاحة حيّز أكبر للأفرقاء الذين كانوا مهمّشين في السابق. العامل الأول هو أن تعقيدات التحديات الوطنية الراهنة، ولا سيما تلك التي تسببت بها الأزمات الدولية، مثل جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية-الأوكرانية، تقتضي تعاونًا بين الأفرقاء الحكوميين وغير الحكوميين. ثانيًا، تساهم مسألة الالتزامات الدولية للنظام، مثل الالتزامات المتعلقة بالاستدامة البيئية، وكذلك مصلحته في إظهار التزامه بالإصلاح السياسي، في تشجيع هذا التعاون.
ثالثًا، ظهرت التحديات الاقتصادية المتداخلة في مصر، وأبرزها الديون والضغوط التضخمية، بعد التوسّع الذي عرفته الدولة على مر عقد من الزمن، وكشفت مكامن الضعف البنيوية في الاقتصاد وهشاشته إزاء الصدمات الدولية. وقد بيّنت الأزمة الراهنة عجز القطاع العام عن قيادة النمو الاقتصادي واستقطاب الاستثمارات. وأعلنت الحكومة نيّتها وقف تدخل الدولة في الاقتصاد وخلق فرص متكافئة بين القطاعَين العام والخاص. يمكن أن ترفع هذه السياسات التحدّي في وجه النخب البيروقراطية ونخب الأعمال التي حققت مكاسب من توسّع دور الدولة منذ عام 2014. لذلك ربما يحاول السيسي إضفاء الشرعية على تقليص دور الدولة والجيش في الاقتصاد، وملء الفراغ الذي يمكن أن يترتب عن ذلك، من خلال توسيع قاعدته والسماح وزارات الدولة وهيئاتها المدنية، والأفرقاء غير الحكوميين والأفرقاء الحكوميين الفرعيين بتولي زمام الأمور في بعض المجالات في السياسات.
قد يكون الحوار الوطني المصري الذي أُطلِق في الآونة الأخيرة مقياسًا جيدًا لالتزام النظام بإشراك الآخرين: ففي حين وصفه نقّادٌ كثر بأنه مجرد واجهة شكلية للمشاركة السياسية، انضم إليه طيفٌ واسعٌ من الأحزاب والفصائل السياسية لمناقشة الإصلاحات ابتداءً من إصلاح المناهج الدراسية من الروضة إلى الصف الثانوي الأخير وانتهاءً بإلغاء المنافع التي تجنيها الشركات المملوكة من الدولة من الضرائب والرسوم الجمركية. فالسؤال عما إذا كان توسيع دور وزارات الدولة وهيئاتها المدنية وزيادة مشاركة الأفرقاء غير الحكوميين في صنع السياسات مجرد مناورة في العلاقات العامة أو مؤشرًا عن إصلاحات حكومية مجدية، سيوضَع على محك الاختبار في الأشهر المقبلة، لا سيما بعد الانتخابات الرئاسية التي يُتوقَّع أن يحقق فيها الرئيس السيسي فوزًا كاسحًا.
محمد علاء عبد المنعم أستاذ مساعد في مادة الإدارة العامة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة. تركّز أبحاثه على الحوكمة، وإصلاح القطاع العام، والسياسة التربوية والاقتصاد السياسي في الشرق الأوسط.
لا تتّخذ مؤسسة كارنيغي مواقف مؤسّسية بشأن قضايا السياسة العامة؛ تعبّر وجهات النظر المذكورة في هذه الدراسة عن آراء كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المؤسسة، أو فريق عملها، أو مجلس الأمناء فيها.