بينما تسارع إسرائيل إلى فرض إرادتها على غزة قبل اقتراب رأس السنة الميلادية، تزداد الضغوط على الدولة المصرية التي تضررت اقتصادياً وأمنياً منذ اندلاع عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بخاصة مع مواجهتها أزمة في أسعار الطاقة وكذلك تزايد مخاطر تهديد الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر مع دخول الحوثيين على خط الحرب.
وتزداد مخاوف الدولة المصرية من استمرار سيناريو التهجير، مع الضغط الذي تمارسه دولة الاحتلال على سكان قطاع غزة بالاقتحام البري للجنوب والتهديد بملء أنفاق غزة بمياه البحر، الأمر الذي دفع وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى زيارة واشنطن، الثلثاء 5 كانون الأول (ديسمبر) للبحث في إمكان إيقاف آلة الحرب التي ضحاياها العرب وحدهم.
إيران البعيدة!
وفيما تعيش الدولة المصرية أجواء ضغط إعلامية مقصودة في توقيتها، تزامنت مع انتخابات الرئاسة المصرية، بخاصة أن حجم المشاركة الانتخابية سيعزز من مكانة هذه الدولة في محيطها الإقليمي، خرج وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، يغرد في منصة “إكس”، الخميس 7 كانون الأول (ديسمبر)، مطالباً الدولة المصرية بفتح معبر رفع أمام المساعدات الإنسانية، بينما بلاده البعيدة من غزة منشغلة بتعزيز أهمية ممراتها التجارية مع روسيا!
وبينما عبد اللهيان يقول لنظيره القطري محمد بن عبد الرحمن، الخميس 7 كانون الأول، إن “الأيام المقبلة ستكون رهيبة جداً بالنسبة إلى إسرائيل”، فإنه في حقيقة الأمر كان يضغط على إسرائيل نفسياً لإجبارها على العودة إلى مربع الهدنة الذي يمثل انتصاراً للإرادة الإيرانية، لأن بلاده لا تريد الانجرار لحرب لم تختر توقيتها، بخاصة أن إيران تسعى إلى إيقاف هذه الحرب لدعم موقعها كجسر يربط بين الشرق والغرب في إطار مشروع الحزام والطريق الصيني، الذي تمثل الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين الإطار الذي يضع إيران في أولويات الاستراتيجية الصينية.
وإن كانت إيران تمزج تهديداتها العسكرية بالسياسية؛ فذلك لأنها لا تريد الذهاب إلى الحرب، بل إلى إيقافها، وهو ما اتضح في تصريحات رئيس هيئة الأركان المسلحة الإيرانية محمد باقري، السبت الماضي 9 كانون الأول، فرغم كونه رجلاً عسكرياً، إلا أنه يقول سياسياً: “لا حل سوى إجراء استفتاء في فلسطين”، وكأن إيران تتبنى تجربة الحل في جنوب أفريقيا!
لكن بماذا تضغط إيران؟
أليس بحلفائها العرب الذين هم رأس حربتها وضحايا أهدافها الإقليمية؟! فاستهداف جماعة الحوثي اليمنية السفن الإسرائيلية والأميركية في منطقة باب المندب والبحر الأحمر دفع القوى الغربية إلى جانب إسرائيل إلى التوجه نحو تأمين البحر الأحمر، ما يمكن أن يعرض الشعب اليمني لهجمات عسكرية قاسية، الأمر الذي يهدد عملية السلام في اليمن. فقد هدد عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي محمد البخيتي، دولتي السعودية والإمارات “باستهداف حقولهما النفطية إذا كانتا جزءاً من أي تحالف ضد الحوثي”!
بل إن تصريح وزير دفاع جماعة الحوثي اللواء محمد ناصر العاطفي، بأن “البحر الأحمر من “خليج العقبة وحتى باب المندب، أصبح محرماً على الكيان الصهيوني”. هو تلويح بتوسيع استهداف الطائرات المُسيرة السفن الإسرائيلية، وهو مؤشر أيضاً إلى مزيد من الضغط الذي تمارسه إيران على دول منطقة البحر الأحمر، حتى تضغط على إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لإيقاف الحرب في غزة.
فإن كانت حكومة طهران تحافظ على سياسة التصعيد الحكيم التي تتبعها ضد القوات الأميركية في سوريا والعراق، بما لا يضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لكنها واقعياً تأخذ العرب رهينة في معركتها، فقد كشفت وكالة “رويترز” الخميس 7 كانون الأول، أن السعودية طلبت من الولايات المتحدة ضبط النفس في الرد على هجمات الحوثي، وذلك لاحتواء الحرب بدلاً من اتساعها.
ويبدو أن واشنطن قد استجابت لطلب الرياض، فقد كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، الخميس 7 كانون الأول، أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل عدم الرد على الهجمات الحوثية التي تستهدفها. بل إن وزير الخارجية الإيراني كتب على منصة “إكس” قبيل استقباله وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، مساء الأحد 3 كانون الأول: “انتصر الدم على السيف”، وهي عبارة كربلائية، وكناية عن الفاجعة في غزة، لكن حقيقةً فإن زيارة الوزير العماني لم تكن من أجل غزة، بل كانت تتعلق بالحفاظ على قناة الاتصال في التفاوض بين واشنطن وطهران، فإيران التي طالبت العرب باستخدام سلاح النفط لم تقطع اتصالاتها مع الولايات المتحدة ولم توقف مبيعاتها النفطية إلى العالم شرقاً وغرباً.
إيران ممر بديل!
الى ذلك، كشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، أن تل أبيب تعمل على كسر حصارها بتفعيل ممرها البري المقترح مع الأردن ودول الخليج لربط المحيط الهندي بأوروبا بعيداً من ممر البحر الأحمر البحري، بخاصة أن الحوثيين باتوا يهددون الملاحة الإسرائيلية من خليج العقبة وصولاً إلى بحر العرب، انتهزت إيران فرصة المخاوف الدولية للعبور من البحر الأحمر، وطرحت أراضيها ممراً بديلاً وبدأت مراجعة استراتيجيتها المتعلقة بممر شمال-جنوب الذي يربط دول شمال إيران بجنوبها، بهدف ربط الهند ودول الخليج بأوروبا عبر الوصول إلى روسيا أو تركيا.
ولذلك، في ظل أزمة الحرب في أوكرانيا، استفادت إيران في تفعيل أراضيها وموانئها كمنطقة عبور وترانزيت بين روسيا والهند. بل إن دولة كازاخستان بسبب توقف شاحناتها في طريقها نحو أوروبا عند منافذ حدود بلاروسيا وليتوانيا ولاتفيا، قررت الاستعانة بطريق عشق آباد للوصول إلى إيران ومن هناك إلى أوروبا عبر تركيا.
وفي مواجهة الممر الخليجي (الخليج-الأردن-إسرائيل) ما زالت طهران تعمل على ممرها البري والسككي عبر الهلال الشيعي الذي يصل إلى سواحل البحر المتوسط عبر العراق وسوريا، ولا يمنعها إتمامه سوى تكلفة التمويل، لكنها نجحت في إتمام جانب منه داخل العراق تحت غطاء زيارات العتبات الشيعية المقدسة.
كذلك، حينما قام وزير التجارة وترويج الاستثمار العماني قيس بن محمد اليوسف، بزيارة إيران، الأربعاء الماضي 6 كانون الأول، فإن عين طهران كانت على الموانئ العمانية كمحطة لتصدير الطاقة الإيرانية نحو أوروبا في إطار مواجهة العقوبات، وتباحثت مع الوزير العماني لتفعيل ممر “عشق آباد” للنقل بين قيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان وإيران وعمان، الذي يجعل سلطنة عمان محطة نهائية لوصول التجارة إلى العالم.
وهذا لم يكن يتم لولا حصول سلطنة عمان على ضوء أخضر من الولايات المتحدة! بخاصة أنها وسيط الاتصال في المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، التي انتهت بالاتفاق الموقت الذي سمح لإيران بالحصول على أموالها المجمدة في الخارج، والوسيط العماني لا يذهب إلى طهران إلا ويحمل رسائل إيجابية!
ويبدو أن زيارة الوفد العماني طهران كانت في إطار طمأنة من جانب الولايات المتحدة التي تسعى للحفاظ على اتفاقها الموقت مع إيران، بينما تخشى طهران إعادة تجميد أموالها المفرج عنها في إطار الضغط المتبادل على خلفية حرب غزة، وقد تحدثت إيران خلال استضافة الوفد العماني عن دور للسلطنة في دعم التجارة الخارجية لإيران خلال المرحلة المقبلة، ولن يتم ذلك بالطبع من دون موافقة الولايات المتحدة.
بل إن تصريح مبعوث الطاقة الأميركي عاموس هوكشتاين، الخميس 7 كانون الأول، بأن الولايات المتحدة ما زالت تعمل على تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وذلك وسط أحداث غزة، فهذا يعني أن هناك بحثاً عن صفقة كبرى، وهذا لا يمكن إخراج إيران من معادلته! لأن مثل هذا التطبيع لا يمكن أن يتم من دون صيغة توافق مع إيران، مثلما لن يتم الاتفاق النووي مع إيران من دون صيغة توافق مع دول الخليج!
إيران ترافق روسيا!
أيضاً في ظل التحالف بين إيران وروسيا، فإن الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين للإمارات والسعودية، الأربعاء 6 كانون الأول، تأتي في إطار دعم المصالح الإيرانية، فإيران التي قدمت المشورة والسلاح لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، لم تدعمها روسيا في تغيير معادلة الشرق الأوسط بما يوقف آلة الحرب في غزة. وهو ما أضر بصورتها في تلك المنطقة، ولذلك تغطي طهران على ذلك، بالحديث عن أن كلا البلدين يعملان على طرح “مبادرة للسلام!”.
فقد ذهب بوتين إلى منطقة الخليج بعد 60 يوماً من حرب غزة ورافقه سرب من طائرات سوخوي إس 35، في استعراض عسكري سعى من خلاله إلى استعادة صورة روسيا القوة المنافسة للولايات المتحدة الأميركية، حيث ناقش مع الخليجيين أمن الملاحة في البحر الأحمر والحرب في غزة والحرب في السودان والتعاون في إطار “أوبك بلس” التي ينتج أعضاؤها أكثر من 40% من النفط العالمي، والتبادل التجاري وتعزيز الاستثمار، وكلها ملفات تدعم ارتباط إيران بروسيا، بخاصة أن دولة الإمارات باتت الشريك التجاري الرئيسي لروسيا في العالم العربي، لكن هذه التجارة تحتاج إلى الموانئ والممرات الإيرانية، ولذلك سمعنا وزير الطرق الإيراني مهرداد بذرباش، الجمعة 8 كانون الأول، يعلن أن بلاده تعمل على تقليص مدة نقل السلع من روسيا إلى ميناء بندر عباس جنوب البلاد إلى 20 يوماً.
ثم كانت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي موسكو في اليوم التالي من عودة بوتين، الخميس الماضي 7 كانون الأول، وكانت أولوياتها الملفات الاقتصادية أكثر من ملف غزة الذي تصدر عناوين هذه الزيارة، فهذه الزيارة ترتبط بملفات الطاقة التي ترتبط أولوياتها بفصل الشتاء في أوروبا، وكذلك الاستعداد لتوقيع اتفاقية بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي حول إنشاء منطقة تجارة حرة في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بالإضافة إلى بحث استكمال ممر النقل الدولي شمال – جنوب، الذي يمثل طريق الوصول الروسي إلى منطقة الخليج.
ولا ننسى أن إيران تم رفع عقوبات التسليح عنها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ما يسمح لها بحرية شراء الأسلحة أو بيعها، وتستثمر الآن في حالة البرود بين موسكو وتل أبيب على خلفية الدعم الإسرائيلي لأوكرانيا، كما تستثمر في تقاربها مع دول الخليج، لإمكان حصولها على جزء من عقودها التسليحية مع روسيا، وإن كان هذا الأمر ما زال محفوفاً بحسابات معقدة!
الرئيس الروسي بوتين يرحب بنظيره الايراني رئيسي
بينما تسارع إسرائيل إلى فرض إرادتها على غزة قبل اقتراب رأس السنة الميلادية، تزداد الضغوط على الدولة المصرية التي تضررت اقتصادياً وأمنياً منذ اندلاع عملية “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، بخاصة مع مواجهتها أزمة في أسعار الطاقة وكذلك تزايد مخاطر تهديد الملاحة البحرية في منطقة البحر الأحمر مع دخول الحوثيين على خط الحرب.
وتزداد مخاوف الدولة المصرية من استمرار سيناريو التهجير، مع الضغط الذي تمارسه دولة الاحتلال على سكان قطاع غزة بالاقتحام البري للجنوب والتهديد بملء أنفاق غزة بمياه البحر، الأمر الذي دفع وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى زيارة واشنطن، الثلثاء 5 كانون الأول (ديسمبر) للبحث في إمكان إيقاف آلة الحرب التي ضحاياها العرب وحدهم.
إيران البعيدة!
وفيما تعيش الدولة المصرية أجواء ضغط إعلامية مقصودة في توقيتها، تزامنت مع انتخابات الرئاسة المصرية، بخاصة أن حجم المشاركة الانتخابية سيعزز من مكانة هذه الدولة في محيطها الإقليمي، خرج وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان، يغرد في منصة “إكس”، الخميس 7 كانون الأول (ديسمبر)، مطالباً الدولة المصرية بفتح معبر رفع أمام المساعدات الإنسانية، بينما بلاده البعيدة من غزة منشغلة بتعزيز أهمية ممراتها التجارية مع روسيا!
وبينما عبد اللهيان يقول لنظيره القطري محمد بن عبد الرحمن، الخميس 7 كانون الأول، إن “الأيام المقبلة ستكون رهيبة جداً بالنسبة إلى إسرائيل”، فإنه في حقيقة الأمر كان يضغط على إسرائيل نفسياً لإجبارها على العودة إلى مربع الهدنة الذي يمثل انتصاراً للإرادة الإيرانية، لأن بلاده لا تريد الانجرار لحرب لم تختر توقيتها، بخاصة أن إيران تسعى إلى إيقاف هذه الحرب لدعم موقعها كجسر يربط بين الشرق والغرب في إطار مشروع الحزام والطريق الصيني، الذي تمثل الاتفاقية الاستراتيجية بين البلدين الإطار الذي يضع إيران في أولويات الاستراتيجية الصينية.
وإن كانت إيران تمزج تهديداتها العسكرية بالسياسية؛ فذلك لأنها لا تريد الذهاب إلى الحرب، بل إلى إيقافها، وهو ما اتضح في تصريحات رئيس هيئة الأركان المسلحة الإيرانية محمد باقري، السبت الماضي 9 كانون الأول، فرغم كونه رجلاً عسكرياً، إلا أنه يقول سياسياً: “لا حل سوى إجراء استفتاء في فلسطين”، وكأن إيران تتبنى تجربة الحل في جنوب أفريقيا!
لكن بماذا تضغط إيران؟
أليس بحلفائها العرب الذين هم رأس حربتها وضحايا أهدافها الإقليمية؟! فاستهداف جماعة الحوثي اليمنية السفن الإسرائيلية والأميركية في منطقة باب المندب والبحر الأحمر دفع القوى الغربية إلى جانب إسرائيل إلى التوجه نحو تأمين البحر الأحمر، ما يمكن أن يعرض الشعب اليمني لهجمات عسكرية قاسية، الأمر الذي يهدد عملية السلام في اليمن. فقد هدد عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي محمد البخيتي، دولتي السعودية والإمارات “باستهداف حقولهما النفطية إذا كانتا جزءاً من أي تحالف ضد الحوثي”!
بل إن تصريح وزير دفاع جماعة الحوثي اللواء محمد ناصر العاطفي، بأن “البحر الأحمر من “خليج العقبة وحتى باب المندب، أصبح محرماً على الكيان الصهيوني”. هو تلويح بتوسيع استهداف الطائرات المُسيرة السفن الإسرائيلية، وهو مؤشر أيضاً إلى مزيد من الضغط الذي تمارسه إيران على دول منطقة البحر الأحمر، حتى تضغط على إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية لإيقاف الحرب في غزة.
فإن كانت حكومة طهران تحافظ على سياسة التصعيد الحكيم التي تتبعها ضد القوات الأميركية في سوريا والعراق، بما لا يضعها في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة، لكنها واقعياً تأخذ العرب رهينة في معركتها، فقد كشفت وكالة “رويترز” الخميس 7 كانون الأول، أن السعودية طلبت من الولايات المتحدة ضبط النفس في الرد على هجمات الحوثي، وذلك لاحتواء الحرب بدلاً من اتساعها.
ويبدو أن واشنطن قد استجابت لطلب الرياض، فقد كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال”، الخميس 7 كانون الأول، أن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل عدم الرد على الهجمات الحوثية التي تستهدفها. بل إن وزير الخارجية الإيراني كتب على منصة “إكس” قبيل استقباله وزير الخارجية العماني بدر البوسعيدي، مساء الأحد 3 كانون الأول: “انتصر الدم على السيف”، وهي عبارة كربلائية، وكناية عن الفاجعة في غزة، لكن حقيقةً فإن زيارة الوزير العماني لم تكن من أجل غزة، بل كانت تتعلق بالحفاظ على قناة الاتصال في التفاوض بين واشنطن وطهران، فإيران التي طالبت العرب باستخدام سلاح النفط لم تقطع اتصالاتها مع الولايات المتحدة ولم توقف مبيعاتها النفطية إلى العالم شرقاً وغرباً.
إيران ممر بديل!
الى ذلك، كشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، أن تل أبيب تعمل على كسر حصارها بتفعيل ممرها البري المقترح مع الأردن ودول الخليج لربط المحيط الهندي بأوروبا بعيداً من ممر البحر الأحمر البحري، بخاصة أن الحوثيين باتوا يهددون الملاحة الإسرائيلية من خليج العقبة وصولاً إلى بحر العرب، انتهزت إيران فرصة المخاوف الدولية للعبور من البحر الأحمر، وطرحت أراضيها ممراً بديلاً وبدأت مراجعة استراتيجيتها المتعلقة بممر شمال-جنوب الذي يربط دول شمال إيران بجنوبها، بهدف ربط الهند ودول الخليج بأوروبا عبر الوصول إلى روسيا أو تركيا.
ولذلك، في ظل أزمة الحرب في أوكرانيا، استفادت إيران في تفعيل أراضيها وموانئها كمنطقة عبور وترانزيت بين روسيا والهند. بل إن دولة كازاخستان بسبب توقف شاحناتها في طريقها نحو أوروبا عند منافذ حدود بلاروسيا وليتوانيا ولاتفيا، قررت الاستعانة بطريق عشق آباد للوصول إلى إيران ومن هناك إلى أوروبا عبر تركيا.
وفي مواجهة الممر الخليجي (الخليج-الأردن-إسرائيل) ما زالت طهران تعمل على ممرها البري والسككي عبر الهلال الشيعي الذي يصل إلى سواحل البحر المتوسط عبر العراق وسوريا، ولا يمنعها إتمامه سوى تكلفة التمويل، لكنها نجحت في إتمام جانب منه داخل العراق تحت غطاء زيارات العتبات الشيعية المقدسة.
كذلك، حينما قام وزير التجارة وترويج الاستثمار العماني قيس بن محمد اليوسف، بزيارة إيران، الأربعاء الماضي 6 كانون الأول، فإن عين طهران كانت على الموانئ العمانية كمحطة لتصدير الطاقة الإيرانية نحو أوروبا في إطار مواجهة العقوبات، وتباحثت مع الوزير العماني لتفعيل ممر “عشق آباد” للنقل بين قيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان وإيران وعمان، الذي يجعل سلطنة عمان محطة نهائية لوصول التجارة إلى العالم.
وهذا لم يكن يتم لولا حصول سلطنة عمان على ضوء أخضر من الولايات المتحدة! بخاصة أنها وسيط الاتصال في المحادثات النووية بين واشنطن وطهران، التي انتهت بالاتفاق الموقت الذي سمح لإيران بالحصول على أموالها المجمدة في الخارج، والوسيط العماني لا يذهب إلى طهران إلا ويحمل رسائل إيجابية!
ويبدو أن زيارة الوفد العماني طهران كانت في إطار طمأنة من جانب الولايات المتحدة التي تسعى للحفاظ على اتفاقها الموقت مع إيران، بينما تخشى طهران إعادة تجميد أموالها المفرج عنها في إطار الضغط المتبادل على خلفية حرب غزة، وقد تحدثت إيران خلال استضافة الوفد العماني عن دور للسلطنة في دعم التجارة الخارجية لإيران خلال المرحلة المقبلة، ولن يتم ذلك بالطبع من دون موافقة الولايات المتحدة.
بل إن تصريح مبعوث الطاقة الأميركي عاموس هوكشتاين، الخميس 7 كانون الأول، بأن الولايات المتحدة ما زالت تعمل على تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، وذلك وسط أحداث غزة، فهذا يعني أن هناك بحثاً عن صفقة كبرى، وهذا لا يمكن إخراج إيران من معادلته! لأن مثل هذا التطبيع لا يمكن أن يتم من دون صيغة توافق مع إيران، مثلما لن يتم الاتفاق النووي مع إيران من دون صيغة توافق مع دول الخليج!
إيران ترافق روسيا!
أيضاً في ظل التحالف بين إيران وروسيا، فإن الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين للإمارات والسعودية، الأربعاء 6 كانون الأول، تأتي في إطار دعم المصالح الإيرانية، فإيران التي قدمت المشورة والسلاح لروسيا في حربها ضد أوكرانيا، لم تدعمها روسيا في تغيير معادلة الشرق الأوسط بما يوقف آلة الحرب في غزة. وهو ما أضر بصورتها في تلك المنطقة، ولذلك تغطي طهران على ذلك، بالحديث عن أن كلا البلدين يعملان على طرح “مبادرة للسلام!”.
فقد ذهب بوتين إلى منطقة الخليج بعد 60 يوماً من حرب غزة ورافقه سرب من طائرات سوخوي إس 35، في استعراض عسكري سعى من خلاله إلى استعادة صورة روسيا القوة المنافسة للولايات المتحدة الأميركية، حيث ناقش مع الخليجيين أمن الملاحة في البحر الأحمر والحرب في غزة والحرب في السودان والتعاون في إطار “أوبك بلس” التي ينتج أعضاؤها أكثر من 40% من النفط العالمي، والتبادل التجاري وتعزيز الاستثمار، وكلها ملفات تدعم ارتباط إيران بروسيا، بخاصة أن دولة الإمارات باتت الشريك التجاري الرئيسي لروسيا في العالم العربي، لكن هذه التجارة تحتاج إلى الموانئ والممرات الإيرانية، ولذلك سمعنا وزير الطرق الإيراني مهرداد بذرباش، الجمعة 8 كانون الأول، يعلن أن بلاده تعمل على تقليص مدة نقل السلع من روسيا إلى ميناء بندر عباس جنوب البلاد إلى 20 يوماً.
ثم كانت زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي موسكو في اليوم التالي من عودة بوتين، الخميس الماضي 7 كانون الأول، وكانت أولوياتها الملفات الاقتصادية أكثر من ملف غزة الذي تصدر عناوين هذه الزيارة، فهذه الزيارة ترتبط بملفات الطاقة التي ترتبط أولوياتها بفصل الشتاء في أوروبا، وكذلك الاستعداد لتوقيع اتفاقية بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوراسي حول إنشاء منطقة تجارة حرة في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بالإضافة إلى بحث استكمال ممر النقل الدولي شمال – جنوب، الذي يمثل طريق الوصول الروسي إلى منطقة الخليج.
ولا ننسى أن إيران تم رفع عقوبات التسليح عنها في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، ما يسمح لها بحرية شراء الأسلحة أو بيعها، وتستثمر الآن في حالة البرود بين موسكو وتل أبيب على خلفية الدعم الإسرائيلي لأوكرانيا، كما تستثمر في تقاربها مع دول الخليج، لإمكان حصولها على جزء من عقودها التسليحية مع روسيا، وإن كان هذا الأمر ما زال محفوفاً بحسابات معقدة!