قوى تعلن غضبها من الزيارة وتضمر ارتياحها لنتائجها
حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ليست وحدها غير المكترثة ببقاء القوات الأميركية في العراق من عدمه، حيث تتشارك الموقف نفسه، وإن بشكل غير معلن، مع أكثر القوى الشيعية مطالبة في السابق بإخراج تلك القوات وأصبحت الآن أكثر اهتماما بالحفاظ على مصالح مادية مع واشنطن، وحرصا على عدم استثارة إدارة ترامب لاتقاء ضغوطها.
بغداد- يُظهر غياب ملف تواجد القوات الأميركية على الأراضي العراقية عن لقاءات كبار المسؤولين الأميركيين والعراقيين تراجع أهمية هذا الملف لدى حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني المهتمة أساسا بالحفاظ على المصالح المالية والاقتصادية مع واشنطن والتي تدرك أنّها تظل رهن إقامة علاقات جيّدة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب وعدم استفزازها وإثارة الخلافات معها.
وسُجّل غياب الملف بشكل عملي وتامّ خلال لقاء رئيس الوزراء قبل أيام مع قائد قوات التحالف الدولي الجنرال الأميركي كيفن ليهي، وكذلك خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي فؤاد حسين إلى الولايات المتحدة.
وبحث السوداني وليهي “العلاقات الإستراتيجية بين العراق والولايات المتحدة وأهميتها للجانبين في ظلّ التحديات الراهنة والاستمرار بمحاربة الإرهاب،” بينما شملت مباحثات فؤاد حسين مع كبار المسؤولين في حكومة ترامب العديد من المواضيع السياسية والاقتصادية الأمنية، ليس من بينها موضوع سحب القوات.
ولم تخل الساحة العراقية في الأثناء من أصوات مطالبة للحكومة بإعادة طرح الملف والعمل على إخراج القوات الأميركية من العراق، دون أن يعني ذلك وجود إصرار حقيقي من قبل القوى الشيعية الرئيسية على طرح الملف ومناقشته بجدية مع إدارة ترامب.
وكانت القوى ذاتها قد وقفت قبل سنوات وراء إصدار قرار برلماني يجبر الحكومة على إخراج جميع قوات التحالف الدولي ضد داعش من البلاد، وذلك إثر قيام القوات الأميركية بقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني والقيادي الكبير في الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس بضربة جوية قرب مطار بغداد الدولي.
وتشارك أبرز الأحزاب والفصائل الشيعية المسلحة في الحكم بشكل مباشر من خلال الإطار التنسيقي المشكّل لحكومة السوداني، وهي على بيّنة من أهمية الحفاظ على المصالح الكبيرة مع الولايات المتحدة.
مختار الموسوي: نحن سمعنا بهذه الزيارة عبر وسائل الإعلام
وكما ترغب تلك القوى وخصوصا منها الميليشيات المسلّحة في تفادي الضغوط الأميركية في هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها محورها الإقليمي بقيادة إيران بعد الضربة القاصمة التي تعرّض لها طرف رئيسي في ذلك المحور هو حزب الله اللبناني والضربات الجارية في اليمن ضد الحوثيين المنتمين إلى نفس المحور، ترغب بنفس القدر في عدم انقطاع عملة الدولار التي مصدرها واشنطن عن التدفق على العراق، وهي التي تستفيد منها بشكل غير مباشر كونها تمثل العصب المالي والاقتصادي للبلد ككل، وحتى بشكل مباشر حيث تحصل تلك القوى على مبالغ من شحنات الدولار التي ترسلها الخزانة الأميركية إلى بغداد وتحولها إلى جيوب قادتها كما تنجح غالبا في تهريب أجزاء منها نحو حليفتها إيران.
ولم تصدر الاحتجاجات على زيارة وزير الخارجية إلى واشنطن عن قيادات كبيرة في الأحزاب والفصائل الشيعية حيث أوكل أمر توجيه بعض الانتقادات الصورية إلى الوزير فؤاد حسين لشخصيات ومنابر ثانوية.
وقال مختار الموسوي النائب عن تحالف الفتح، الممثل السياسي لميليشيات الحشد الشعبي وعضو لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية، إنّ “اللجنة لا تعرف أي شيء عن زيارة وزير الخارجية إلى الولايات المتحدة،” موضّحا بالقول “نحن سمعنا بهذه الزيارة عبر وسائل الإعلام ولا نعرف ما هي الملفات التي سيبحثها هناك.”
وتوعّد الموسوي في تصريحات لوسائل إعلام محلية وزير الخارجية باستدعائه إلى البرلمان “بعد عودته إلى العاصمة بغداد لمعرفة أسباب الزيارة وكذلك الملفات التي بحثها هناك،” واعتبر أن الوزير “مطالب بالتأكيد على الجدول الزمني لإخراج كافة القوات الأميركية من العراق،” واصفا الملف بـ”السيادي ويجب أن يتصدر المباحثات في واشنطن.”
وقال النائب عن الإطار التنسيقي الشيعي علي البنداوي وعضو اللجنة ذاتها إنّ الأخيرة تراقب باستمرار ملف الوجود الأجنبي في العراق ويجب التزام الحكومة باتفاق انسحاب القوات الأميركية.
وأضاف متحدّثا لوسائل إعلام محلية أن “الحكومة ملزمة بتنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع التحالف الدولي، والمتعلق بجدولة انسحاب تلك القوات من الأراضي العراقية،” مذكرا بأن “البرلمان سبق أن صوّت على قرار يلزم الحكومة بإخراج القوات الأجنبية، وعلى الحكومة الحالية أن تحترم هذا القرار وتعمل على تسريعه وفق ما تم التفاهم عليه.”
عقيل الرديني: العراق يعمل على تقوية علاقاته الخارجية مع جميع الدول
وفي مؤشر على أنّ للأحزاب موقفا أكثر توافقا مع الموقف الحكومي الرسمي من العلاقات مع واشنطن قال القيادي في الإطار التنسيقي عقيل الرديني إنّ “العراق يمتلك علاقات مختلفة مع الولايات المتحدة وهناك اتفاقية إستراتيجية بين البلدين واتفاقات متعددة، ولهذا فإن زيارة وزير الخارجية إلى واشنطن حاليا أمر طبيعي في ظل العلاقات المتواصلة بين الجانبين.”
وأضاف قوله “العراق يعمل على تقوية علاقاته الخارجية مع جميع الدول والدبلوماسية العراقية حققت نجاحات كبيرة خاصة في إبعاد العراق والعراقيين عن شبح الحرب والصراع الدائر في المنطقة.”
وكما كان متوقعا لم يسجل موضوع إخراج القوات الأجنبية حضوره على أجندة زيارة فؤاد حسين إلى الولايات المتحدة حيث انصرف الاهتمام في المحادثات التي أجراها هناك مع المسؤولين الأميركيين إلى مواضيع أكثر أهمية وأشد إلحاحا على صانع القرار في بغداد مثل موضوع الطاقة.
وفي أول لقاء لوزير الخارجية العراقي مع نظيره الأميركي ماركو روبيو منذ تولي الأخير منصبه ضمن حكومة ترامب، تركزت المباحثات حول ملف الغاز الإيراني الذي يستورده العراق لتوليد الكهرباء وملفات أمنية واقتصادية أخرى.
وقال بيان حكومي عراقي إنّ حسين بحث مع روبيو تفعيل التعاون في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية وتطرق معه إلى موضوع تبادل المعلومات لمكافحة التنظيمات الإرهابية.
وبعد الاجتماع مع روبيو قال وزير الخارجية العراقي إن بلاده بدأت خطوات فعلية نحو تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الغاز المستورد، مؤكّدا أن العراق سيسعى إلى تحقيق الاستقلال في مجال الغاز، وخلال السنوات القليلة المقبلة سيحقق اكتفاء ذاتيا في هذا المجال.
ويعتبر ذلك الاستقلال مطلبا لواشنطن تحاول دفع بغداد لتحقيقه في أقرب وقت سعيا لفك ارتباطها الكبير مع طهران، معتمدة المراوحة بين الضغط والترغيب من خلال قرارها الأخير إنهاء الاستثناء الظرفي الممنوح للعراق من الالتزام بالعقوبات على إيران لتمكينه من استيراد الغاز والكهرباء، من جهة، وعرض بدائل تتيح له الحصول على مواد الطاقة بالتعاون مع جهات أميركية عاملة في المجال، من جهة أخرى.