‘‘ممر داوود’’ من الجولان إلى الفرات أولى خطوات تحقيق حلم ‘‘إسرائيل الكبرى’’ من النيل إلى الفرات
في ظل التحولات الجيوسياسية والتطورات المتسارعة التي تشهدها سوريا، عاد الحديث مجدداً في الأوساط الإعلامية والسياسية والعسكرية الإسرائيلية حول مشروع “ممر داوود”، والذي يراه بعض المراقبين خطوة أولى ضمن رؤية أوسع يُطلق عليها “إسرائيل الكبرى” من النيل إلى الفرات. فما هي الأبعاد الجيوسياسية لهذا المشروع، وما إمكانية تطبيقه في سوريا ما بعد الحرب؟
ما هو “ممر داوود”؟
يُشير مصطلح “ممر داوود” إلى مشروع إسرائيلي يُعتقد أنه يهدف إلى إنشاء ممر بري استراتيجي يمتد من مرتفعات الجولان السوري المحتل، مروراً بجنوب وشمال سوريا، وصولاً إلى إقليم كردستان في العراق. وبحسب متابعين، تسعى إسرائيل من خلال هذا المشروع إلى تعزيز نفوذها الجيوسياسي والاقتصادي في المنطقة، عبر ربط مناطق نفوذ جديدة بخطوط إمداد ومصالح اقتصادية تتصل مباشرة بالأسواق العالمية.
وفي هذا السياق، وبعد سقوط نظام الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، سُجلت تحركات عسكرية إسرائيلية باتجاه مناطق مثل جبل الشيخ والقنيطرة ودرعا، في ظل تعزيز الوجود العسكري في الجولان، ووصوله إلى نقاط قريبة من العاصمة دمشق. كما أشارت تقارير إلى تدمير قدرات عسكرية رئيسية للنظام السابق.
وينظر بعض المحللين إلى هذا الممر بوصفه أحد الأدوات لتحقيق ما يُعرف بمشروع “إسرائيل الكبرى”، والذي يقوم على تقسيم عدد من الدول العربية. ويرى سياسيون إسرائيليون أن معاهدة “كامب ديفيد” مع مصر شكّلت مرحلة أولى، بينما تعتبر سوريا والعراق محور المرحلة التالية، في ظل دعم أميركي متواصل.
الأبعاد الجيوسياسية وأهداف المشروع
في حديثه لموقع “963+”، يرى الكاتب والمحلل السياسي السوري، آلان بيري، أن المشروع يستهدف في جوهره إضعاف كل من النفوذ الإيراني والتركي في المنطقة، إضافة إلى ضرب مركزية الدولة السورية، مع فتح آفاق اقتصادية جديدة. ولفت إلى أن ربط شمال شرقي سوريا والعراق بالأسواق العالمية للنفط من بين الأهداف الاستراتيجية، إلى جانب فك ارتباط إقليم كردستان العراق عن تركيا اقتصادياً وسياسياً.
أما المحلل السياسي العراقي عبد الله شلش، فاعتبر أن “ممر داوود” جزء من تصور أوسع يهدف إلى إنهاء عزلة إسرائيل الجغرافية وتعزيز تجارتها الإقليمية، مع السيطرة على الموارد الطبيعية في المنطقة، مشيراً إلى توغل محدود في الأراضي السورية باتجاه الحدود العراقية كإحدى مؤشرات تنفيذ المشروع.
من جهته، يصف الدكتور عبد المنعم حلاوة، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، المشروع بأنه ذو خلفية “لاهوتية”، تربطه إسرائيل بسرديات تاريخية تتعلق بديمومة الدولة العبرية. ووفقاً لحلاوة، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي يرى في هذا المشروع وسيلة لتجاوز ما يُعتقد أنه “لعنة تاريخية” بعدم استمرار أي كيان يهودي لأكثر من 80 عاماً.
وأشار حلاوة إلى أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة في غزة ولبنان وسوريا والعراق، إضافة إلى استهدافها لمصالح إيرانية في المنطقة، تأتي ضمن إطار تمهيد لهذا المشروع، بدعم مباشر من الولايات المتحدة.
الانعكاسات الإقليمية
يرى الدكتور حلاوة أن المشروع، في حال تنفيذه، قد يمنح إسرائيل امتداداً جغرافياً يربطها مباشرة بمناطق في العراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى المتوسط، مما يتقاطع مع المصالح الإيرانية في إنشاء ما يُعرف بـ”الهلال الشيعي”. واعتبر أن “ممر داوود” سيعزز مفهوماً إسرائيلياً يُعرف بـ”استراتيجية الأطراف”، حيث يُسعى إلى كسب ولاءات في المناطق الحدودية البعيدة عن المراكز السياسية، لا سيما بين المكونات المحلية مثل الدروز في الجنوب والعشائر في الشرق السوري وغرب العراق.
وأضاف أن التأثير المحتمل على مصر لن يكون جغرافياً بل اقتصادياً، عبر مشروع يربط الخليج العربي بالمتوسط دون المرور عبر قناة السويس، ما قد يغيّر من خريطة التجارة الإقليمية في حال نجاحه.
إمكانية التطبيق
فيما يخص إمكانية تطبيق المشروع، يرى الدكتور حلاوة أن الأمر مرهون بالتفاهمات الجارية بين الولايات المتحدة وإيران، مرجحاً أن يتم غضّ الطرف عنه من قبل طهران في حال تلقيها ضمانات لبقاء النظام الحالي وعدم تهديد أمنه مستقبلاً.
أما آلان بيري، فاعتبر أن المشروع ليس بعيداً عن الواقع، خصوصاً في ظل ظهور مشاريع مشابهة بدت خيالية في بدايتها، مثل الحديث عن تحويل غزة إلى منطقة سياحية، أو إنشاء مناطق عازلة في الجنوب السوري بإشراف دولي أو إسرائيلي.
وأشار إلى أن تنفيذ “ممر داوود” قد يجري بسرعة وبتكتيكات مفاجئة، على غرار مشروعات جيوسياسية ظهرت فجأة وتحوّلت إلى أمر واقع.
ويُعَد مشروع “ممر داوود” من التصورات الجيوسياسية المثيرة للجدل، ويُعكس من خلاله طموح استراتيجي إسرائيلي بعيد المدى قد يعيد رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط، في حال توفر البيئة الدولية والإقليمية المناسبة. إلا أنه، في الوقت الراهن، يبقى مشروعاً غير رسمي، تحيطه الكثير من التكهنات، وتتحكم في مستقبله توازنات القوى الإقليمية والدولية.