الجمهوري والديموقراطي يديران العالم، لكن كلٌ على طريقته، يديرانه بالحروب، لكن لكل واحد منهما خاصيته في حربه، فبين حرب ديموقراطية مدمرة بالسلاح وحرب جمهورية مدمرة بالاقتصاد، يبقى العالم رهينة قرارات تشكل وجهان لعملة واحدة، مع فوارق في كيفية التدمير.
حسابات الديموقراطيين بالنسبة الى الرئيس الجمهوري لا تأتي بالنتائج المطلوبة، فهي تجلب الكوارث ولا تحمل حلولاً، لذا يضع دونالد ترامب نصب عينيه طرق الحل التي يراها مناسبة مع سياساته الخارجية، ليعتمد في كثير من المواقف سياسة العصا والجزرة وهذا ما بدا وضحاً في أول مرة تسلم فيها موقع الرئاسة، إلا أنه منذ ذلك الوقت حتى وصوله الى الرئاسة مرة أخرى، مرت أميركا ومعها العالم بالكثير من الخضات على اختلاف الصعد خصوصاً الاقتصادية منها، ما حدا بترامب هذه المرة على الرغم من قناعته بالعصا والجزرة وتمسكه بهذا المبدأ في تعاطيه مع الملفات كافة، إلى عدم الاكثار من جعل القوة الناعمة طريقته الفضلى، فهو يبدو أكثر تصلباً ويميل الى اعتماد سياسة العصا أكثر من الجزرة، ولا سيما مع الصين وبالتحديد بعد قراره الأخير بفرض رسوم جمركية، وتجميد المساعدات الخارجية الأميركية، والتهديد بضم مناطق والسيطرة على أخرى.
كل هذا يعيدنا الى الاختلافات الكبرى في السياسات الأميركية في ما خص الشرق الأوسط، وإن اتفقوا على العناوين، يتفق ترامب وجو بايدن على بعض الأهداف الأساسية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، كالدفاع عن كيان الاحتلال الاسرائيلي وعزل إيران، لكنهما غالباً ما يختلفان في الأسلوب والاستراتيجية، والديبلوماسية في حساب الطرفين، لكن بايدن يمكن أن يعمل على انهاء الحرب الاسرائيلية على غزة، لكنه لا يؤيد فرض حظر تزويد اسرائيل بالأسلحة للحد من حروبها في المنطقة. ترامب وإن كان عتب على رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو من خلال موقف الأخير في انتخابات ٢٠٢٠ المتحيز لبايدن، إلا أنه يفاخر بأنه الرئيس الأكثر تأييداً لإسرائيل على الاطلاق، لكنه يفضل أن تنهي إسرائيل المهمة، مشيراً إلى رغبته في رؤية نهاية للحروب في الشرق الأوسط، في حين أبدى القليل من الاهتمام بالقيود على نتنياهو للتخفيف من الخسائر بين المدنيين، أو الدمار الواسع النطاق أو إعاقة المساعدات الانسانية.
في الملف الايراني تأخذ الامور منحىً آخر لدى الطرفين وإن كانت الديبلوماسية أولى الخطوات لمنع إيران من بناء سلاح نووي، لكنه يؤكد أيضاً أن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، في إشارة إلى الضربات العسكرية وعدم التردد أبداً في اتخاذ أي إجراء ضروري للدفاع عن القوات والمصالح الأميركية من إيران والارهابيين المدعومين منها. أما ترامب فقد اتخذ خلال فترة ولايته الأولى موقفاً متشدداً ضد إيران ووكلائها، وعاد وأحياه في ولايته الثانية عبر تشديد العقوبات النفطية والتي يقول المنتقدون إنها لم تُطبق خلال إدارة بايدن، كما أن من الجدير ذكره في ما خص سياسة ترامب أنه رتب اغتيال قاسم سليماني عام ٢٠٢٠ وكان هدفه الضغط على طهران وعزلها اقتصادياً وديبلوماسياً.
في العلاقات مع الصين لم تبتعد الولايات المتحدة في عهد بايدن بصورة أساسية عن المنافسة الاستراتيجية مع الصين، فقد حافظت الادارة على نهج ترامب في فرض التعريفات الجمركية، الذي بدوره وصفها بأنها “منافس استراتيجي”، ما يعني التركيز بشكل أكبر على احتواء بكين بدلاً من التعاون معها، ليوقع معها اتفاقية عملت على خفض مخاطر هذه الحرب التجارية. لكن جائحة كوفيد-19 ألغت أي فرصة للنجاح، وتوترت العلاقات أكثر مع تصريح ترامب الذي اعتبر فيه أن الوباء “فيروس صيني”، ناهيك عن الوضع المتأزم مع أوروبا والحرب الروسية – الأوكرانية، والحديث يطول…
في كل الأحوال يقف على ضفتي العالم الحزبان الجمهوري والديموقراطي، كلٌ بطريقة ادارته لأزماته وأزمات العالم إن كان بحروب السلاح أو بحروب الاقتصاد، وعلينا أن نتابع أكثر تصريحات ترامب التي لا تتوقف وآخرها أن ولايته الحالية تختلف جذرياً عن السابقة، بحيث اعتبر نفسه هذه المرة مسؤولاً عن إدارة الولايات المتحدة والعالم، علّنا نفهم أن هذا الاختلاف وكما يبدو سيكون له تأثيره على أميركا والعالم أكثر من أي وقت مضى بالاضافة الى التغييرات التي ستنعكس على كل الدول من خلال سياسات مستحدثة على طريقة ترامب الخاصة، إن كان بالقوة الناعمة أو بالعصا أو بالجزرة.