مع التفاؤل الذي حمله إعلان صندوق النقد الدولي تعيين رئيساً لبعثته في سوريا، داخل الأوساط الاقتصادية السورية، يثار تساؤل حول قدرة الحكومة السورية على تحقيق النتائج المرجوة من هذه الخطوة وتطبيق الشروط التي قد يضعها الصندوق للتعاون مع سوريا، في ظل استمرار حالة عدم الاستقرار على مستوى السياسة والأمن وضبابية السياسات الاقتصادية المقبلة.
وبحسب وزير المالية في الحكومة الانتقالية السورية محمد يسر برنية، فإن القرار جاء بناءً على طلب الوفد السوري الذي شارك في اجتماعات الربيع التي عقدها صندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن، ضمن مساعي تأهيل البلاد اقتصادياً وسياسياً ودفع عجلة التعافي وتحسين معيشة الشعب السوري، بعد سقوط نظام الأسد.
تأجيل لفرض الشروط
ورغم أهمية هذه الخطوة في جهود إعادة دمج البلاد بالنظام المالي العالمي، يرى اقتصاديون سوريون، ومنهم مدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم، أنها تعكس تردد صندوق النقد الدولي بالتعاون مع الحكومة السورية وتأجيل حسم موقفه من طلب دمشق الحصول على منحة مالية، إلى حين التأكد من استمرار قرار تعليق العقوبات المفروضة على سوريا.
ويوضح الكريم، أن الصندوق “يريد الحصول على موافقة سوريا للمشاركة برسم السياسات الخاصة بآلية استلام المنحة وتوزيعها ومراجعة قوانين المؤسسات ذات الصلة، بما يضمن التأكد من المبلغ الذي تحتاجه دمشق والجدوى الاقتصادية، ودعم بناء القدرات وكفاءة المؤسسات الحكومية”.
ويقول: “غالباً فإن تركيز الصندوق على فرض شروط تدعم السياسات التقشفية في سوريا، وإعادة هيكلة الدعم وتحرير الأسعار، مع زيادة معدلات الضرائب، بما يسهم برفع المداخيل الحكومية مقابل تقليل النفقات، إضافة إلى مطالب بتوحيد أسعار صرف الليرة وضمان حرية حركة الأموال، مصحوبة بالعمل على تطوير القطاعات المصرفية وتعزيز الشفافية الحكومية”.
ومن المتوقع أن يستمر عمل رئيس بعثة الصندوق إلى سوريا رون فان رودن، مدة ثلاثة أشهر، لمراقبة وتقييم أداء حكومة دمشق خلال الربع الثاني من مرحلة تعليق العقوبات الغربية والأوربية المقررة لمدة عام واحد، قبل اتخاذ قرار التعاون مع دمشق.
وتختلف التقديرات حول قيمة المنحة التي تطلبها دمشق، حيث يجري الحديث عن توجه للحصول على مبلغ 500 مليون دولار، وهي قيمة حقوق السحب الخاصة بسوريا، باعتبارها عضواً ومساهماً. بينما يتوقع اقتصاديون، محاولة الفريق الحكومي الحصول على قرض بقيمة 50 مليون دولار أميركي، لتغطية نفقات عملية تأهيل وصيانة محطة دير علي الحرارية بريف دمشق، وهي منح ذات فائدة منخفضة تُقدم للدول الفقيرة.
ما الذي تحتاجه سوريا اليوم؟
تردد صندوق النقد يُعتبر مُتفهماً، في ظل ما تعانيه سوريا من حالة عدم استقرار على مستوى الحوكمة وتذبذب أسعار الصرف والفوضى الأمنية، فضلاً عن استمرار العقوبات المفروضة عليها وعدم إدراجها في برامج الصندوق للتنمية، ما يفرض على السلطات السورية المزيد من الجهد والعمل لتقديم ضمانات حقيقية قادرة على طمأنة الدول المانحة.
ويشير يونس الكريم إلى أن “تنفيذ جزء وإهمال آخر من الوصفة المقدمة لحكومة دمشق، يُدخل البلاد في المزيد من الفوضى والفقر، خصوصاً أن هذه المطالب تحتاج مؤسسات متينة ذات كفاءة وجودة عالية وإدارة حوكمية مستقرة، الأمر الذي يزيد الشكوك في جهوزية الحكومة لهذه الخطوة”.
بدوره، يعتبر الخبير الاقتصادي محمد جزماني، في حديث لـ”المدن”، أن ما تحتاجه سوريا حاليا “هو الدعم التقني من البنك الدولي عبر تصميم برامج ومشاريع تهدف لإصلاح قطاعات الدولة المنهكة، وهذا ما حدث بالفعل عبر إعلان البنك تقديم لمنحة مالية لدعم قطاع الطاقة في سوريا بقيمة 150 مليون دولار”.
ويقول: “ما يطلبه البنك الدولي هو خطة اقتصادية واضحة ومراقبة تنفيذ المشاريع التي يقوم بتمويلها وتقييمها على الأرض، وما يحتاجه أيضاً من الحكومة السورية، هي الشفافية الكاملة والرجوع إليه في حال وجود أي مشاكل لوجستية أو تقنية، حيث يمكن الاستفادة من الاستشارات التي يقدمها لبناء المؤسسات الاقتصادية وحوكمتها، وتقديم المشورة الفنية للانتقال إلى الاقتصاد الحر الذي يمثل هدف الحكومة الانتقالية”.
ومع ذلك، لم يفوت جزماتي الفرصة لإبداء مخاوفه من آلية تنفيذ المشاريع المتفق عليها “إذ تمثل التحدي الأكبر للحكومة السورية، بسبب نقص الكفاءات الإدارية والمهارات البشرية، كنتيجة حتمية لسياسة الانغلاق على العالم في زمن النظام البائد، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية التي تشكل عائقاً كبيراً أمام إكمال التعاون والدعم المقدم من البنك الدولي وأيضاً صندوق النقد مستقبلاً”.
وعلى الرغم من ضرورة الحصول على المنح النقدية بالنسبة إلى حكومة دمشق، إلا أن الهدف الأبرز بحسب من تواصلت معهم “المدن” من اقتصاديين سوريين، يتمثل بتحصيل اعتراف رسمي من قبل المؤسسات المالية العالمية، ما يعطيها مزيداً من الشرعية الدولية ويدعم موقفها في محادثات رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، فضلاً عن إيجاد مصدر استشاري موثوق في عملية بناء اقتصاد سوريا المدمر.