جمع فريق “يد صغيرة”،معدّو هذا التحقيق، بالتعاون مع “درج”، أكثر من 50 شهادة، توثّق مقتل 60 طفلاً وطفلة أثناء مجازر الساحل السوري، دون أن يُحاسَب القتلة حتى هذه اللحظة، قتلة “مجهولو الهوّية” لم يتمكّن الشهود الذين قابلناهم من تحديد انتماءاتهم الفصائلية، إلى جانب آخرين من جماعات مدنية مسلّحة وصلت إلى الساحل السوري، دعت منظّمة العفو الدولية إلى محاسبتهم باعتبار ما حصل في 6 و7 و8 و9 من آذار/ مارس 2025 جرائم حرب.
كان ثائر (اسم وهمي) في منزله في حيّ القصور في بانياس، قد استيقظ صبيحة يوم السبت في 8 آذار/ مارس على أصوات الرصاص، فاتّصل بأخيه، ليردّ عليه شخص غريب، قال له ثائر “أريد الحديث مع أخي”، فأجابه الشخص الغريب: “والله بعتوه لجهنم هو وولاده”.
لم يستطع ثائر الوصول إلى منزل أخيه إلا بعد يومين من هذه الصبيحة، وهناك وجد جثث أخيه وطفليه (10 أعوام و6 أعوام) بينما نُقلت زوجة أخيه إلى المستشفى، وبقيت على قيد الحياة، على الرغم من أنها تلقّت رصاصة في رأسها، وحين زارها، اكتشف أنها لم تكن على دراية بما حصل، لم تعلم أن زوجها وطفليها قُتلوا، لأنها حين استيقظت بدأت تسأل عنهم، يبدو أنها كانت أوّل شخص أُطلقت النار عليه.
عبارات أخرى مثيرة للقشعريرة سمعها فريق “يد صغيرة”؛ معدّو التحقيق، بالتعاون مع “درج”، أثناء جمعهم لأكثر من 50 شهادة، توثّق مقتل 60 طفلاً وطفلة، عبارات كـ”ضل دماغو لابني معلّق بشعري ٣ أيّام، وأنا قول للأطباء ما تقيموه خلوه ذكرى من ريحتو ما تشيلوه”، “هدّوا يا شباب والله ما عملت شي”، “عند المدفأة، وجدت الستّة هناك، زوجتي وابنتي وأطفالها الثلاثة وابن أخي”، “لم أكن أريد تحريك جثثهم كي يأتي الإعلام ويصوّر، لم يأتِ أحد”.
أكثر من 60 طفلاً وطفلة قُتلوا من دون أن يُحاسَب القتلة حتى هذه اللحظة، قتلة “مجهولو الهوّية” لم يتمكّن الشهود الذين قابلناهم من تحديد انتماءاتهم الفصائلية، إلى جانب آخرين من جماعات مدنية مسلّحة وصلت إلى الساحل السوري، دعت منظّمة العفو الدولية إلى محاسبتهم باعتبار ما حصل في 6 و7 و8 و9 من آذار/ مارس 2025 جرائم حرب.
الرئاسة السورية الانتقاليّة شكّلت لجنة “للكشف عن الأسباب والملابسات التي أدّت إلى وقوع تلك الأحداث، والتحقيق في الانتهاكات بحقّ المدنيين وتحديد المسؤولين عنها”، طلبت اللجنة لاحقاً تمديد عملها لثلاثة أشهر إضافية، تواصلنا مع المتحدّث باسم اللجنة ياسر الفرحان، الذي أوضح أن “اللجنة توقّفت مؤقتاً عن الإدلاء بتصريحات للإعلام”، وقال: “نمضي وقتنا حالياً مع العائلات، نستمع إلى الشهود، ونتقصّى الحقائق، ونُعاين المواقع، لذلك ارتأت اللجنة عدم التصريح، وسنعاود لاحقاً ذلك”.
بدأت عمليّات القتل الجماعي والمجازر في قرى الساحل السوري ذات الغالبية العلوية، بعد هجوم شنّه عناصر من فلول النظام على قوّات الأمن العامّ في الإدارة الجديدة، لا أرقام رسمية لعدد عناصر الأمن العام الذين قُتلوا على يد “الفلول “نتيجة الاشتباكات، تغيب أيضاً الأرقام الرسمية لعدد القتلى المدنيين من العلويين، الذين قدّرهم “المرصد السوري لحقوق الإنسان” بأكثر من 1600 شخص.
7 و8 آذار/ مارس – حيّ القصور في بانياس: أصغر الضحايا طفلة تبلغ عاماً وسبعة أشهر
مستلقية على الأرض بين والديها ووجهها إلى الأسفل، قُتلت الطفلة مينيسا (3 أعوام) برصاصة في جبينها. على بُعد خطوات من جثتها، كانت جدّتها ممدّدة على الأرض أيضاً، مشهد لم يتوقّعه صديق العائلة إيّاد (اسم مستعار).
في 7 آذار/ مارس، صعد إيّاد إلى الطابق الثاني داخل أحد مباني حيّ القصور في بانياس المدينة الساحلية التابعة لمحافظة طرطوس، هناك حيث يقع منزل صديقه مهنّد حسن أستاذ الرياضيات، وجد الباب مكسوراً، يبدو أنه قد خُلع بالقوّة. سبب زيارة إيّاد أنه حاول الاتّصال بالعائلة، لكن من دون جدوى، وحين وصل اكتشف أن كلّ الهواتف كانت مسروقة.
في صالون المنزل، حسب الصور التي شاركها إيّاد معنا، كانت الجدّة (والدة مهنّد) ممدّدة على الأرض وقد فارقت الحياة، وأثر رصاصة في عنقها واضح للعيان، قُتل أيضاً مهنّد وزوجته وطفلتهما الصغيرة، أُصيب مهنّد برصاصة في صدره، وقُتلت زوجته برصاصة في الرأس، أما الطفلة مينيسا فسقطت بين والديها بعد أن اخترقت رصاصة جبينها.
“كانت هذه أوّل صدمة حقيقية لنا… فكرة القتل الجماعي”، يقول إيّاد، الذي اكتشف لاحقاً مقتل صديقة ابنته فرح أسعد (10 أعوام) وشقيقها خضر أسعد (15 عاماً) خلال عمليات الدفن الجماعي، التي تمّت في خندق طولي حُفر في منطقة الشيخ هلال في بانياس، أشار إليه تحقيق “مسبار”.
هناك، دُفن معظم الضحايا، كلّ جثة داخل كيس منفصل، وُضع بين الضحيّة والأخرى فاصل حجري، وأُرفق بكلّ جثة رقم خاصّ، أما من صعب التعرف عليهم، فتمّ تصويرهم وربط الصورة بالرقم، على أمل التعرّف عليهم لاحقاً.
أسماء 60 طفلاً وطفلة أعدموا في مجازر الساحل (انقر هنا)
من خلال عشرات المقابلات التي أجريناها في بانياس، لم نستخلص هوّية موحّدة لمرتكبي المجازر، فقد تفاوتت الشهادات حول أعمارهم ولهجاتهم وملابسهم، هذا ما أكّدته أيضاً أمّ حسن (اسم مستعار) التي قالت لنا إنها شاركت إفادتها مع “لجنة تقصّي الحقائق” في أحداث الساحل، رغم تردّدها، إذ كانت خائفة على من تبقّى من عائلتها، وأضافت: “ما شهدناه في 8 آذار/ مارس من المستحيل نسيانه”.
بدأ الأمر بصرخات أعقبتها طلقات نارية، ثم خيّم صمت ثقيل، حينها كانت أمّ حسن تحاول الاستفسار من جارتها المسيحية، عمّا جرى في منزل جارهم الشاب يزن خليل (31 عاماً) في حيّ القصور في بانياس في ذلك الصباح، الهواتف ترنّ بلا إجابات، بعضها انقطع عن الخدمة، ورنين الهواتف الأرضية يدوّي من دون أن يقطعه أحد.
كان التنقّل شبه مستحيل بسبب إطلاق الرصاص، والأنباء المتواترة عن المجازر، لم يبقَ أمام أمّ حسن إلا التواصل مع صديق العائلة السنّي عمر ليوصلها إلى منزل يزن، وهذا ما حصل. استطاعت الوصول فوجدت الفاجعة بانتظارها: الطفلة قمر خليل البالغة من العمر عاماً وسبعة أشهر، ممدّدة على الأرض بملابس نوم صفراء، غارقة في الدماء، إلى جانب جثة والدتها ألين شهلة.
لم تكن قمر وألين وحدهما، فهناك أيضاً الطفل علي سلمان (7 أعوام) ووالدته، جيران العائلة الذين حضروا ضيوفاً، فلقوا حتفهم معاً.
كُميت سلمان والد الطفل علي، كان في زيارة لمنزل يزن خليل، بحسب رواية أمّ حسن، كانت ميلا سلمان، الطفلة الصغيرة التي لم تتجاوز الخمسة أعوام، هي الناجية الوحيدة من تلك المقتلة، ضربوها على رأسها فسقطت بجانب جثّي أخيها علي ووالدتها.
بحث الجيران عن المفقودين حتى عثروا على كُميت جثّة هامدة فوق سطح المبنى، بينما وُجد يزن مضرجاً بدمائه، مصاباً برصاصة في الرأس وأخرى في الحوض، ورغم ألمه، ظلّ يردّد أن زوجته ألين قُتلت، من دون أن يعلم أن صغيرته قمر قد سبقته إلى الموت، بعد ساعات من الألم فارق يزن الحياة.
في المبنى نفسه وفي الطابق نفسه، كانت تقطن عائلة خزامة، الأب أمجد أحمد خزامة وزوجته المربية عبير حورية، وأطفالهما الستّة: التوأمان آدم وأكرم (7 أعوام) بانة (11 عاماً) محمود (13 عاماً) ونور الطالبة الجامعية، قضوا رمياً بالرصاص جميعاً.
في ذلك المبنى أيضاً، ومع ميلا، نجا الطفل يوسف بلال (9 أعوام) الذي شهد مقتل أخيه ووالده ووالدته، عثروا عليه في الطوابق السفلية، حيث تمكّن جمال (اسم مستعار) من إخراجه من المنزل، قال لنا: “رنّ هاتفي وجاء صوت الصغير يوسف: لقد قتلوا أخي علي وماما وبابا”.
حينها طلب جمال الذي يبعد منزله أمتاراً قليلة، من الطفل يوسف أن يختبئ في الحمّام، وأن يبقى هادئاً، بعد أكثر من ساعة تمكّن جمال من الوصول إلى المنزل، عندها، فهم كيف نجا يوسف، الذي وجده مطلخاً بالدماء، كان قد تمدّد فوق جسد أخيه علي (12 عاماً) الذي قتلوه برصاصة في رأسه، فسقط يوسف مغشياً عليه من هول ما رأى، فتركوه ظناً منهم أنه مات.
يقول جمال: “لم نكن نشعر بالخوف من أن يقتلونا، لأننا لم نرتكب أي انتهاك أو خطأ، لكن لاحقاً تمّت عمليات القتل بعد السؤال: هل أنت علوي أم سنّي؟”.
حالة الاطمئنان هذه تكرّرت في شهادات كثيرين ممن قابلناهم، منهم خالد قريب عائلة مجد نصيري، خالد الذي اتّصل ليطمئن على مجد وزوجته وطفليهما، رنّ الهاتف وجاءه صوت لا يعرفه، ليخبره أن أصحاب هذا المنزل قُتلوا جميعاً، انتهت المكالمة!
لم يستطع خالد (اسم مستعار) الوصول إلى المنزل إلا بعد مضي يوم واحد على تلك المكالمة، ليجد الطفلين كُميت (6 أعوام) وحمزة (10 أعوام) مقتوليْن إلى جانب والدهما، بينما تمّ إسعاف والدتهما نغم العتيق. في الحيّ نفسه، قرابة التاسعة صباحاً يوم 8 آذار/ مارس، اقتيد أحمد نزار عيسى (18 عاماً) مع والده وأخيه وعدد من الجيران نحو مرأب المبنى، وتمّت تصفيتهم جميعاً هناك.
تقول لنا منى الجارة التي شهدت ما حصل، كنا قد استيقظنا للتوّ عندما بدأوا بطرق الأبواب علينا، كانوا قد طلبوا من النساء والفتيات الدخول إلى غرف النوم، بينما اقتيد الشبّان والرجال نحو المرأب، أحدهم استفسر عن النساء، فجاء الجواب “نكتفي بذلك”، إشارة إلى الشبّان والرجال فقط، تقول “لو كنا نعلم أن هذا المصير ينتظرهم، كنّا هربنا، أو رفضنا فتح الأبواب، كنّا خبّأنا أطفالنا”.
مشهد مشابه تكرّر قرب المستشفى الوطني في بانياس، حيث تمّ اقتياد أطفال وشبّان ورجال، تمّت تصفيتهم جميعاً، بينهم حيدر القدار (16 عاماً) الذي على رغم محاولات الاستنجاد لتركه بسبب صغر سنّه، لكن انتهى به الأمر مرمياً بالرصاص، إلى جانب والده وأخيه وجيرانهم وقريبهم يوشع القدار (17 عاماً).
7 و8 آذار/ مارس – قرى الساحل وقرى ريف حماة: أصغر الضحايا طفلة عمرها عام واحد
في قرية حمام واصل، إحدى قرى ريف مصياف الغربي، التي تتبع إدارياً لمحافظة حماة، تحدّثنا مع مؤيّد (اسم مستعار) الذي شارك في دفن الطفلة جويل علي زاهر، التي تبلغ من العمر عاماً واحداً، رقدت جويل بجانب أخيها مرزا علي زاهر (3 أعوام) قُتل كلاهما في 7 آذار/ مارس مع والدهما علي ووالدتهما زينة عبود وجدهما مرزا زاهر وجدتهما عفاف زاهر، في هذه المرة أيضاً، مسلّحون اقتحموا المنزل، وقاموا بإطلاق الرصاص على كلّ من فيه ورحلوا.
في صنوبر جبلة، تحدّثنا مع ريما (اسم مستعار) التي توقّفت عن إرسال أطفالها إلى مدارسهم منذ وقعت الهجمات في قريتها، وبعد مقتل زوجها وعدد من أطفال القرية، أيمن ديوب (16 عاماً) مصطفى ديوب (17 عاماً) زين باسل ديوب (15 عاماً) محسن ديوب (18 عاماً) ويوسف آصف مصطفى (15 عاماً).
تقول ريما: “يوم 7 آذار/ مارس، ومع سماع رصاص كثيف في القرية، حاول الكثير من شبّان القرية ورجالها الفرار للاحتماء داخل الأراضي الزراعية”، اختبأت ريما وأطفالها داخل حمّام منزلها خوفاً من الرصاص، ونجت من القتل لكن زوجها لم ينجُ، فبعد وقف إطلاق النار، بحثت عنه ووجدته مرمياً أمام منزل عمّه.
الطفلة ليا سلمان (4 أعوام) لم تنجُ هي الأخرى من القتل، كانت الساعة قرابة الرابعة عصراً، عندما بدأ إطلاق رصاص كثيف يُسمع في حرف رضوة إحدى قرى القرداحة، حاولت عائلة ليا حمايتها من الرصاص الذي أخذ يخترق جدران المنزل، لكن الرشقات كانت كثيفة وقوّية، لدرجة أنها قتلت ليا ووالدتها وهما مختبئتان في غرفة الجلوس.
شارك معنا أحد الأقرباء صورة للطفلة ليا بعد مقتلها، قال لنا: “لم نستطع دفنها هي ووالدتها إلا في ساعة متأخرة من ذلك اليوم، انتظرنا حتى توقّف الرصاص، ثم قمنا بدفنهما على عجل”.
على بعد كيلومترات من حرف رضوة، تقع قرية عين العروس، التي قُتل فيها الطفل معين ديب (13 عاماً) مع والده ووالدته، إخوته نجوا رغم تعرّضهم لإطلاق النار وإصابتهم إصابات مختلفة، إذ اختبأوا في حمّام المنزل، أما معين فهرب باتجاه المطبخ، هناك حيث وجده باسل أحد أصدقاء العائلة مقتولاً بالرصاص.
قال لنا باسل: “بقيت جثثهم مرمية لمدّة أربعة أيّام قبل أن نتمكّن من دفنهم لاحقاً”.
حسن الزودة (5 أعوام) وأخته ليا الزودة (6 أعوام) قُتلا في منزلهما في قرية قبو في القرداحة. كانت الأم تحمل طفلها حسن بين ذراعيها عندما اخترقت رصاصة رأسه، ليُقتل على الفور، وفي اللحظة نفسها، استقرّت رصاصة أخرى في صدر طفلتها ليا، لتسقط هي الأخرى ضحيّة للهجوم المروّع.
كانت الساعة السابعة صباحاً من يوم الثامن من آذار/ مارس، عندما وقعت المجزرة في ذلك المنزل، اكتشف الجيران لاحقاً المشهد الصادم: الجميع مقتولون، الطفلان ليا وحسن، والجدّة، والجارة سارة الخلف التي تنحدر من مدينة إدلب، وتعيش في القرية منذ سنوات طويلة، وُجدت مقتولة إلى جانب أطفالها الأربعة: أحمد، وإبراهيم، وحسين، وسوسن الحسين، في حين نجت والدة الطفلين ليا وحسن برغم أنها تلقّت رصاصات في يدها وبطنها.
7 آذار/ مارس – قرية التويم في ريف حماة الغربي: مقتل 10 أطفال
جميع من في المنزل في قرية التويم غرب حماة، سمعوا صوت الرصاص يتّجه نحوهم، باستثناء فرح محمد عيسى (14 عاماً) التي تعاني من ضعف في السمع والنطق، ربما استطاعت قراءة شفاه القتلة، أو ربما رأت الرعب في وجوه من كانوا معها.
كانت الساعة قرابة الثامنة ليلاً، عندما انطلقت أصوات رصاص كثيف، كما يصف لنا يامن (اسم مستعار) وهو من سكّان قرية التويم، قائلاً: “اختبأ رجال القرية وشبّانها بين الأشجار، كنا نعتقد أنهم لن يقتربوا من النساء والأطفال، وسيقتصر الأمر على التفتيش، وبعد أكثر من ساعة خيّم صمت، وبدا أنهم رحلوا”.
عاد يامن ومن كان معه إلى منازلهم، فكان المشهد الماثل أمامهم أعينهم مرعباً، من عائلة عيسى وحدها، قُتل 25 شخصاً، بينهم عشرة أطفال، هم: تاج عماد عيسى (3 أعوام) جنى عماد عيسى (3 أعوام) أسيل عماد عيسى (4 أعوام) منير محمد عيسى (5 أعوام) محمود محمد عيسى (7 أعوام) موسى محسن عيسى (7 أعوام) محمود محسن عيسى (12 عاماً) خضر محمد محمود (13 عاماً) عبدالله محمود عيسى (14 عاماً) فرح محمد عيسى (14 عاماً) وكانت تعاني من إعاقة في السمع والنطق”.
شارك معنا يامن صوراً للمقبرة الجماعية، التي دُفنوا فيها، إضافة إلى صور الأطفال المصابين بطلقات نارية مع أمّهاتهم.
ورقة لقبول طفل بعمر 14 عاماً في مشفى تشرين الجامعي في اللاذقية مصاب بـ”طلق ناري في الرأس”
تلك الصور لم تكن الوحيدة التي وصلتنا خلال إنجاز هذا التحقيق، بل وردتنا أيضاً مجموعة من الصور الأخرى التي شاركها أحد سكّان قرية الرصافة في مصياف، تُظهر أطفالاً مقتولين رمياً بالرصاص، هم الأشقاء: يحيى علاء علي (9 أعوام) جواد علاء علي (5 أعوام) زين علاء علي (3 أعوام) وقريبهم الزائر بشّار عموري (7 أعوام).
7 آذار/ مارس – قرية الرصافة في ريف حماة الغربي: مقتل 4 أطفال أصغرهم عمره 3 أعوام
عند الساعة الخامسة مساء، اقتحم مسلّحون منزل العائلة في قرية الرصافة، في الداخل كان الجدّ أبو علي؛ الذي روى لنا القصّة، وزوجته وابنتهما وأحفادهما، بالإضافة إلى الطفل بشّار الذي اعتاد قضاء أوقاته باللعب مع أطفال العائلة.
تقدّم أحد المسلّحين، وهو شابّ عشريني ذو لحية كثيفة وشعر أسود طويل كما وصفه الشهود، وأمر الجدّ بالوقوف باتّجاه الحائط عند باب المنزل، فيما تدفّق باقي العناصر إلى الداخل، لتنطلق أصوات الرصاص. غادر المسلّحون بعدها مباشرة، بينما ظلّ الجدّ واقفاً في مكانه مصعوقاً، يقول أبو علي: “في البداية اعتقدت أن إطلاق النار كان بهدف التخويف فقط، خاصّة مع سماع صرخات داخل المنزل”.
حلّ الظلام على القرية، لا كهرباء ولا أي ضوء آخر، لا شيء سوى صوت ينادي وسط العتمة: “ابنتي ميلانا… زوجتي أمّ علي (مريم إبراهيم)… أين أنتم؟”، اعتقد أبو علي أن الضحايا ربما اختبأوا في المطبخ، لكنه لم يجد أحداً هناك.
يتذكّر أبو علي: “سمعت أحد العناصر يقول: احشروهم في الزاوية، لم أعِ أي زاوية يقصد!”، وحين توجّهت إلى الصالون، هناك في الزاوية بجانب المدفأة، كانت الفاجعة: جثث الجدّة، والأمّ، والأطفال الثلاثة وقريبهم بشار، ممدّدة جنباً إلى جنب، وقد مزّق الرصاص أجسادهم…
9 آذار/ مارس – قرية الشير: فاجعة الطفل كرم منصور
بعد يومين قضاها معظم سكّان قرية الشير في البراري تحت أشجار الليمون، قرّروا في صباح 9 آذار/ مارس العودة إلى منازلهم، بعد تداول أخبار أن “عملية تمشيط تستهدف القرية والأراضي الزراعية فيها”، كرم منصور(14 عاماً) كان واحداً ممن احتموا بالبرّية.
عاد كرم إلى المنزل مع أفراد أسرته، لكن لم تمضِ بضع ساعات حتى جاء مسلّحون مرّة أخرى إلى القرية، وبدأوا بإطلاق الرصاص، فهرب كرم من المنزل خوفاً. تحدّثنا مع شاهديْن على هذه الحادثة من أهل القرية، أحدهما فراس (اسم مستعار) الذي قال لنا: “أحد المسلّحين صرخ هاد الصغير جيبوه”، ونالت الرصاصة من رأسه، لكنه لم يمت على الفور، ظلّ قلبه ينبض، حاولنا إسعافه، لكنه لم ينجُ… قُتل كرم أثناء هربه.