أصدر «حزب العمال الكردستاني» (PKK)، أمس، بيانه الأخير إثر المؤتمر الاستثنائي الـ12 الذي عقده بين 5 و7 أيار الجاري في منطقتين مختلفتين وغير معلنتين (ربما في شمال العراق) لأسباب أمنية، وبمشاركة 232 مندوباً. وأعلن أن المؤتمر أنهى أعماله بنجاح في ضوء النداء التاريخي لزعيم الحزب المعتقل، عبدالله أوجالان، في 27 شباط الماضي.
وجاء في البيان أن «الحزب أحبط بنضاله سياسات الإنكار والإبادة التي مارستها الدولة التركية بحق أبناء الشعب الكردي، وأكمل المهمة التاريخية للمنظّمة والتمهيد لسلوك سياسة ديمقراطية لحل المشكلة الكردية». ولذلك، فإن «العمال الكردستاني» قرّر حل نفسه وهيكله التنظيمي، وإنهاء الكفاح المسلح الذي اتّبعه، كما وجميع النشاطات والعمليات المسلّحة وغير المسلحة التي كانت تُنفّذ باسمه.
وأضاف البيان أن «الحزب ظهر من أجل حرية الشعب الكردي وترسيخ الوجود الكردي واعتبار القضية الكردية حقيقة أساسية في تركيا»، متابعاً أن «مؤسّسه آبو (أوجالان) طوّر نظرية الوطن المشترك الذي أسّسه الشعبان التركي والكردي، والقائم على علاقات متبادلة امتدّت لألف عام». ورأى معدّو البيان أن «الشعب الكردي سيتفهّم جيداً قرار حل الحزب، وسيتحمل واجبات مرحلة النضال الديمقراطي من أجل ممارسة هويته ولغته وثقافته بصورة كافية».
واعتبروا أن «حل الحزب والتخلي عن العمل المسلح يرسيان أسساً متينة للسلام الدائم والحل الديمقراطي»، مشدّدين على أن «البرلمان التركي عليه مسؤولية تاريخية لتوفير الضمانات القانونية الكاملة». كما دعوا «السلطة والمعارضة وكل المنظمات والهيئات في تركيا إلى تحمل مسؤولياتها».
وبهذا البيان، تكون قد طويت صفحة إحدى أبرز الحركات المسلحة في الشرق الأوسط، والتي امتدّت لـ52 عاماً، لتبدأ صفحة أخرى مختلفة شكلاً ومضموناً.
على أنه من الواضح أن الحزب بخطوته هذه لم ينجح في تحقيق الهدف الأول الذي كان وضعه لدى تأسيسه عام 1978، وهو إقامة الدولة الكردية المستقلة. كما لا تظهر من المداولات والنقاشات الحالية أي إشارة إلى احتمال منح المناطق الكردية في تركيا أي صيغة تضمن خصوصية معينة لها من مثل الحكم الذاتي أو اللامركزية الموسّعة إدارياً وسياسياً ومالياً وأمنياً.
الأنظار تتجه إلى ما ستفعله أنقرة، خصوصاً التعديلات الدستورية والقانونية للاعتراف بالهوية الكردية
ولعلّ الحزب وجد نفسه في وضع صعب وحساس، وسط تقدّم في الهجمات العسكرية التركية البرّية والجوية على مواقعه، خصوصاً في شمال العراق وسوريا، ووسط حصار إقليمي متزايد في ظل تنسيق الحكومة العراقية مع أنقرة واعتبارها إياه منظمة إرهابية. كذلك، منح سقوط نظام بشار الأسد في دمشق ورقة قوية لتركيا لتشديد الضغوط على «العمال الكردستاني»، في حين استفاد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، من تلك التطورات، قبل أن يكتسب مع انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة دفعة قوية لمشروعه.
وعليه، ربما وجد الأكراد في تركيا أن بعض وعود الدولة لهم قد تكون بوابة للخروج من الواقع الصعب الحالي، خصوصاً أن اتفاق «قسد» مع نظام دمشق الجديد يعتبره الحزب إنجازاً مهماً للحركة الكردية في سوريا، ويأمل أن يتكرّر في تركيا في الأشهر القليلة المقبلة.
وتطرح هذه الخطوة التاريخية الكثير من الأسئلة حول مرحلة ما بعد حل الحزب والتخلّي عن السلاح، أهمها عن المقابل الذي يمكن أن تقدّمه السلطة للأكراد، وهل ثمة ضمانات بمنحهم الاعتراف بهويتهم ولغتهم في الدستور والقوانين، أم ستنقلب أنقرة على وعودها؟ كما تبقى مسألة وجهة قيادات الحزب معلّقة، في حين برز حديث محطة «سي إن إن التركية» عن أن السلاح سيتم تسليمه وجمعه في ثلاث مناطق في شمال العراق تحت إشراف الأمم المتحدة تمهيداً لاتخاذ قرار في شأنه.
ولا شك في أن تركيا ستعتبر إعلان الحزب أكبر انتصار لها على دعاة الانفصالية، بعدما كانت تردّد دائماً أن إنهاء الإرهاب أولاً، هو مفتاح حل المشكلة الكردية. وأما وقد تحقّق ذلك، فإن الأنظار ستتجه إلى ما ستفعله أنقرة، وخصوصاً مجلس النواب الذي عليه أن يقرّ تعديلات دستورية وقانونية للاعتراف بالهوية الكردية، والذي يمثّل المطلب الأهم ولكن ليس الوحيد للحركة الكردية في تركيا.
وجاءت ردود الفعل التركية كلها مرحّبة بقرار الحزب؛ إذ قال الناطق باسم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، عمر تشيليك، إن «القرار هو مرحلة مهمة من أجل تركيا بلا إرهاب، ونقطة تحوّل من أجل إنهاء كل الإرهاب»، مضيفاً أن ذلك ما كان ليتم لولا الإرادة السياسية لإردوغان وزعيم حزب «الحركة القومية»، دولت باهتشلي. ولكنّ الخبير في شؤون الإرهاب، العقيد المتقاعد جوشكون باشبوغ، رأى أن تسليم السلاح لا يكفي، بل يجب تفكيك البنى التنظيمية للحزب، مشيراً إلى أن هذا هو رأي وزير الخارجية، حاقان فيدان، أيضاً.