استتباعاً للتوتّرات الخطيرة التي عرفتها سوريا، في الأيام القليلة الماضية، بين النظام الجديد والدروز في السويداء وريف دمشق (جرمانا وأشرفية صحنايا)، صعّدت إسرائيل من عدوانها عبر قصف مراكز قالت إنها «نوعية» قرب القصر الجمهوري في المهاجرين، متوعّدة بمزيد من تلك الضربات في ما لو حاولت دمشق «تهديد» الدروز. لكن العدوان لم ينتهِ هنا، إذ أغارت طائرات الاحتلال على «مواقع أسلحة» و«مراكز دفاع جوي» وما تبقّى من سفن بحرية في اللاذقية وحماة ودرعا، وغيرها.
وطرحت التطورات المتقدّمة، علامات استفهام حول الموقف التركي، في ظلّ وضع أنقرة نفسها في مقام «وليّ أمر» النظام الجديد، برئاسة أحمد الشرع. وفيما لم يدخل الطرفان، التركي والإسرائيلي، بعد، في أيّ صدام مباشر، فإن ما جرى يخلق تحدّيات، رمزية وعملية، أمام الرعاية التركية لدمشق. وممّا لوحظ، في هذا السياق، حديث الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، في طريق عودته من إيطاليا، عن نظيره الأميركي، دونالد ترامب، بالقول: «(أنا) وترامب نفهم بعضنا بعضاً في شأن ما يجري في سوريا»؛ علماً أن وزارة الخارجية التركية أصدرت، في أعقاب القصف الإسرائيلي، بياناً اكتفت فيه بالدعوة إلى وقف هذه الهجمات، في ما اعتبر دليلاً على قبول تركيا واقع تقاسم النفوذ في سوريا.
أيضاً، يبدو إردوغان حريصاً، من موقع تختلط فيه القوّة بالضعف، على ألّا يستفزّ ترامب، فيكسر بذلك شهر العسل الذي ما يزال قائماً بينهما حول سوريا وغيرها، إذ، وفقاً لمراد يتكين، فإن أنقرة «تمارس سياسة الصبر تجاه واشنطن وتل أبيب، بهدف رئيسي، هو كسب دعم الأميركيين لنزع سلاح حزب العمال الكردستاني». كما إن الحكومة التركية اتّخذت بعض الإجراءات التي تثير ارتياح إسرائيل، من مثل منع «حزب الشعب الجمهوري» المعارض من إقامة مهرجان في إسطنبول دعماً لغزة وفلسطين.
على أن تركيا ما تزال تسعى إلى الحفاظ على صورتها كمناهضة للعدوان الإسرائيلي المتمادي في المنطقة؛ وهو ما يفسّر اتخاذها إجراءات نوعية – لكن رمزية -، من قبيل منع طائرة رئيس الحكومة الإسرائيلية، بينامين نتنياهو، من عبور أجوائها في حال إتمام رحلته إلى آذربيجان، والتي كانت مقرّرة غداً. ومع قرار نتنياهو إلغاء الزيارة، وصل نائب رئيس الحكومة الآذربيجانية، سمير شريفوف، إلى دمشق، في زيارة هي الأولى من نوعها لمسؤول من هذا البلد إلى العاصمة السورية، لبحث العلاقات الثنائية والخلافات التركية – الإسرائيلية.
«إذا نجح النظام الإسلامي في دمشق وأنشأ جيشه الخاص، فقد يشكّل تهديداً لإسرائيل»
ووفقاً للباحث في الشؤون الدولية، منصور آق غون، في صحيفة «قرار»، فإن «إسرائيل ليست قلقة على أمنها من دمشق، وهي لا تريد حماية أقلية مثل الدروز. فإسرائيل ما بعد عملية طوفان الأقصى، أصبحت أكثر أماناً، بعدما قضت بنسبة عالية على حركة حماس في غزة، وحزب الله في لبنان، وأخرجت إيران من سوريا وحتى من لبنان». وفي المقابل، يرى الكاتب أن «ما يقلق تركيا في سوريا ليس إسرائيل، بل تصفية سلاح حزب العمال الكردستاني»، معتبراً، والحال هذه، أن «على إسرائيل ألّا تنزعج من الوجود التركي في سوريا، بل يجب أن تجد فيه ما هو مفيد لها».
لكن الإسرائيليين، بحسبه، «يمضون إلى مخطّطات أوسع بكثير، وهدفهم النهائي هو التوسّع وتقسيم سوريا، وجرّ أميركا إلى صفّهم. وبتقسيم سوريا، يعتقدون أنهم سيكونون أكثر أماناً، وسيحصلون على حصّة من الأرض». ويضيف أن «إسرائيل تلعب مع تركيا في سوريا وعبرها لعبة الشطرنج، وتحرّض الأولى على ارتكاب الأخطاء. لكن أنقرة لم تنجرّ إلى الاستفزازات الإسرائيلية، فهي تريد أن يكون ترامب، لا نتنياهو، محاوراً لها.
وإذا استمرّت في عدم الانجرار وراء العواطف، تكون قد نجحت في سياستها السورية». وإذ يلفت إلى أن الجميع تقريباً يريد الاستقرار في سوريا، من فرنسا وألمانيا إلى الدول العربية، فهو يعتقد أنه «إذ لم ترتكب تركيا أخطاء، فإن إسرائيل لن تجد مَن يحاورها، وستُرغم على قبول الأمر الواقع والعمل على تسوية في سوريا»، مشدداً على ضرورة أن «تساعد تركيا النظام الجديد في دمشق، وتلقّنه تكراراً النصائح كي لا يفقد شرعيته الدولية، عبر مساعدته على عدم الوقوع في الأفخاخ الإثنية والمذهبية التي يقع فيها. بعد كل هذه السنوات من الصراع، لا يمكن ترك مستقبل سوريا لرحمة مجموعة قليلة من المسلحين الذين يجوبون الشوارع، ولا لجشع الحكومة الإسرائيلية».
ومن جهته، يكتب رئيس تحرير «ميللييات» الموالية، أوزاي شاندير، أن «الإسرائيليين لا يريدون استتباب النظام في سوريا، بل تدمير وحدة الأراضي السورية. وهم لا يخفون رغبتهم في ذلك. وأطروحتهم بسيطة: إذا نجح النظام الإسلامي في دمشق وأنشأ جيشه الخاص، فقد يشكّل تهديداً لإسرائيل»، مشيراً إلى أن «إسرائيل اتّخذت هذا الأسبوع خطوتَين مهمتَين: الأولى، بدء التنقيب عن النفط في الجولان المحتلّ في رسالة إلى العالم بأنها باقية هناك؛ والثانية، استقطاب جماعات من الدروز إلى جانبها».
ويضيف: «الوضع في الجنوب واضح، ولكن الوضع في الشمال يشهد تطوّرات مثيرة. إسرائيل لا تريد تسليم حزب العمال الكردستاني سلاحه، لأنها لا تريد تركيا خالية من الإرهاب. وهذا قد يضعها، وزعيم الكردستاني، عبد الله أوجالان، وجهاً لوجه. فَلْننتظر».