أثار وزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، جدلاً واسعاً بعد تصريحاته الأخيرة بشأن مستقبل الإدارة الانتقالية في سوريا، محذرًا من احتمال انهيارها ودخول البلاد في حرب أهلية شاملة خلال أسابيع. التصريحات، التي أدلى بها خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، انقسمت بشأنها التحليلات السياسية، بين من اعتبرها محاولة للضغط على الكونغرس من أجل رفع العقوبات، ومن رأى فيها إنذاراً حقيقياً ينبّه إلى هشاشة الوضع الداخلي في سوريا.
تحذيرات من انهيار وشيك
قال روبيو، في الجلسة التي عُقدت يوم الثلاثاء الماضي، إن “الإدارة الانتقالية في سوريا تواجه تحديات حقيقية قد تجعلها على وشك الانهيار خلال أسابيع، لا أشهر، مما قد يؤدي إلى اندلاع حرب أهلية شاملة ذات أبعاد مدمرة، قد تؤدي فعلياً إلى تقسيم البلاد”.
وأكد على ضرورة إنجاح السلطة الانتقالية الحالية، مضيفاً: “نجاح هذه الإدارة سيُبعد شبح الحرب الأهلية عن البلاد”.
وأوضح روبيو أن واشنطن إذا لم تنخرط بجدية في دعم هذه الإدارة، فإن العكس هو ما سيحصل. وتحدث عن جملة من التحديات التي تواجه الحكومة الانتقالية، من أبرزها انعدام الثقة الداخلي المتجذر نتيجة لسياسات “نظام الأسد” التي ركّزت طويلاً على تفتيت المجتمع السوري.
اقرأ أيضاً: الخارجية الأميركية: نجاح الإدارة الانتقالية سيبعد شبح الحرب الأهلية عن سوريا
وفي جانب آخر من حديثه، أشار روبيو إلى أن رفع العقوبات الأميركية قد يسهم في تدفق المساعدات من دول الجوار، معتبراً أن ذلك “جيد لكنه غير كافٍ”، مطالباً بجهود أوسع تتضمن مناقشة إعفاءات محتملة من قانون “قيصر” عبر التشريع في الكونغرس الأميركي.
اقرأ أيضاً: أميركا تضغط على حكومة دمشق… فإلى متى؟
بين التحذير والضغط السياسي
وفي تصريحات خاصة لـ”963+”، قال المستشار السابق في وزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، إن تصريحات روبيو “أُسيء فهمها إعلامياً”، لافتاً إلى أنها لم تكن بياناً رسمياً بقدر ما كانت توضيحاً خلال جلسة استماع داخلية.
وأكد أن الهدف الأساسي من تصريحاته هو تسويغ التسريع في قرار رفع بعض العقوبات عن سوريا، وليس إصدار تحذير رسمي بانفجار الوضع.
وأضاف الغبرا: “روبيو كان يحاول تفسير الدوافع وراء الاستعجال في اتخاذ القرار، لا سيما في ظل تساؤلات داخل الكونغرس عن مدى قانونية تجاوز المجلس في ملف العقوبات”.
وأشار إلى أن هناك قناعة أميركية متجذرة منذ أحداث 11 سبتمبر، مفادها أن الأزمات الاقتصادية تغذي التطرف والصراعات الداخلية، ما يجعل تخفيف العقوبات خطوة ضرورية نحو منع الانفجار.
تحذير حقيقي وتغيير ديمغرافي
على الطرف المقابل، يرى الدكتور آصف ملحم، مدير مركز “جي إس إم” للأبحاث والمقيم في موسكو، أن تصريحات روبيو ليست مجرد أداة ضغط لتمرير سياسة رفع العقوبات، بل تمثل تحذيراً حقيقياً من خطر الانزلاق نحو العنف الأهلي مجدداً.
وقال ملحم لـ”963+”: “رفع العقوبات لا يرتبط فقط بموافقة الديمقراطيين، كما يعتقد البعض، بل هو ملف معقد يتطلب توافقاً داخل عدة مؤسسات أميركية، منها الكونغرس والخزانة والخارجية. ولن يتم ذلك دفعة واحدة”.
وحذّر ملحم من أن الإدارة الانتقالية قد تفشل في احتواء ملف المقاتلين الأجانب، الذين بدأ بعضهم، وفق تعبيره، في استقدام عائلاتهم والتمركز في مناطق الساحل السوري، ما قد يؤدي إلى تغييرات ديمغرافية تهدد النسيج الوطني.
وقال: “إذا لم تُنْهِ الإدارة هذا الملف بسرعة، فسيؤدي إلى انفجار أمني متجدد، ومجازر على خلفيات طائفية وعرقية، وبالتالي حرب أهلية فعلية”.
وشدد ملحم على أن “مناخ الاستثمار وإعادة الإعمار لا يمكن أن يتحقق في ظل بقاء هذا الملف مفتوحاً، لأنه يغذي حالة عدم الاستقرار على المدى الطويل”.
إشكالية القيادات الانتقالية
كما أشار روبيو في الجلسة إلى أن بعض الشخصيات القيادية في الحكومة الانتقالية “لم تكن لتجتاز فحص الخلفية الأمنية لدى مكتب التحقيقات الفيدرالي”، في إشارة إلى وجود سوابق أمنية أو سياسية معقدة لدى البعض، دون أن يذكر أسماء.
لكنه في المقابل شدد على أن “عدم الانخراط مع هؤلاء قد يكون أكثر خطورة”، مضيفاً: “إذا لم ننخرط، فالنتيجة واضحة: لن تنجح العملية السياسية، وسينعكس ذلك ليس فقط على سوريا، بل على دول الجوار أيضاً، وخصوصاً لبنان التي تعاني بالفعل من تبعات النزوح السوري”.
ورغم أهمية ما طرحه روبيو من مخاوف وتحذيرات، إلا أن التقرير يفتقد إلى توازن أكبر في عرض وجهات النظر، خصوصاً من داخل سوريا. لم يصدر حتى الآن أي تعليق رسمي من الإدارة الانتقالية على هذه التصريحات، كما لم تظهر حتى اللحظة مواقف واضحة من قوى المعارضة المدنية أو المكونات السياسية أو الفصائل العسكرية في شمال وشرق سوريا.