على لبنان أن يحذو حذو الرئيس السوري أحمد الشرع ويتعلم منه. جملة واحدة قالتها الموفدة الأميركية إلى لبنان مورغان أورتاغوس كانت كافية للإشارة إلى المسار الذي تريد الولايات المتحدة الأمريكية رسمه للبنان. والأكيد أن ما تقصده أورتاغوس هو سلوك “مسار السلام” أي الاتجاه إلى اتفاق مع إسرائيل لا سيما أنه بنظر الأميركيين فإن ما يريده الرئيس دونالد ترامب هو إرساء السلام في المنطقة وإدخال المزيد من الدول إلى الاتفاقات الإبراهيمية. بعض الرسائل الدولية التي ترد من الولايات المتحدة الأميركية ومن دول أخرى تشير بوضوح إلى أن سوريا قد سلكت طريق تعويم علاقاتها الدولية سريعاً، بينما لبنان لا يزال متعثراً في خطواته.
فتح حصول الإسرائيليين على الأرشيف الخاص بإيلي كوهين الباب أمام تساؤلات كثيرة حول ما يجري بين سوريا وإسرائيل، وإذا كان هناك تقدماً على مستوى التواصل المباشر أو غير المباشر بين البلدين. فالإسرائيليون منذ سنوات طويلة يخوضون مفاوضات جدّية مع نظام بشار الأسد للحصول على أي معلومة تتصل بمكان دفن جثته وقبل سنوات نجحت إسرائيل في استعادة ساعة يد كوهين. لكن اللافت هو السرعة التي حصلت فيها على كل أرشيفه لاسيما أن ذلك حصل على وقع تحولات كبرى تعيشها المنطقة وخصوصاً سوريا التي التقى رئيسها أحمد الشرع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في المملكة العربية السعودية وبرعاية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وفيما كانت السعودية تصرّ على الحصول من الرئيس الأميركي على موقف يتصل بتأييد حل الدولتين، فهي تعمل مع فرنسا وبريطانيا واسبانيا وألمانيا ودول أوروبية أخرى لإنجاح مؤتمر دولي يعترف بالدولة الفلسطينية، فحل الدولتين بالنسبة إليها هو المدخل الأساسي للوصول إلى أي اتفاق سلام. السلام هذا هو الذي يركز عليه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ويسعى إلى تحقيقه وإدخال المزيد من الدول في الاتفاقات الإبراهيمية.
لدى زيارة ترامب إلى الرياض، كانت السعودية تريد لسوريا وفلسطين ولبنان أن يشاركوا في اللقاءات، لكن أحمد الشرع وحده هو الذي اتجه إلى هناك وعقد اجتماعاً مع ترامب. بينما استثني لبنان وفلسطين. فاستثناء لبنان جاء بسبب ما يعتبره الأميركيون حتى الآن تعثّر في مسار القيام بما هو مطلوب منه على خط حصر السلاح بيد الدولة وإنجاز الإصلاحات المطلوبة وسلوك طريق السلام. أما فلسطين فلا تزال ظروفها غير ناضجة في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة، وعدم حصول اتفاق فلسطيني فلسطيني على كيفية إدارة القطاع وإعادة انتاج السلطة الفلسطينية.
في هذه المسارات بدا أحمد الشرع هو الأكثر تقدماً وسرعة، وهو قال بشكل واضح أكثر من مرة إن سوريا لا تريد أن تشكل تهديداً على أي من دول الجوار ويقصد بذلك إسرائيل، كما أشار إلى أن سوريا تريد السلام في المنطقة. كذلك، فقد استجابت دمشق لكل الشروط التي كانت قد فرضتها الولايات المتحدة الأميركية، وهو ما أدى إلى رفع العقوبات. ولكن في الموازاة، كان هناك مسار لتفاوض بين سوريا وإسرائيل، عنوانه مفاوضات غير مباشرة حصلت عبر جهات عديدة.
في بداية مسار التفاوض كان الشرع حريصاً ومتمسكاً بالعودة إلى اتفاقية فض الاشتباك التي أقرت في العام 1974، لكن الإسرائيليين رفضوا ذلك، وأصروا على تجاوز هذه الاتفاقية وبناء منطقة عازلة في الجنوب السوري، إلى جانب تدمير كل مقدرات الجيش السوري. كذلك لا يريد الشرع التنازل عن الجولان الذي تتمسك به إسرائيل. فهو لا يريد أن يسجل على اسمه وفي تاريخه أن الرئيس السنّي الذي حكم سوريا تنازل عن الجولان. وهو ما سيكون بحاجة إلى مسار تفاوضي طويل للوصول إلى اتفاق بشأنه. لكن الخطوات التي أقدمت عليها دمشق دفعت بالمسؤولين الأميركيين إلى الإشادة بها. ما دفع بمورغان أورتاغوس أن تتوجه إلى المسؤولين اللبنانيين بضرورة التعلم من تجربة الشرع.
ما يقوله الأميركيون للبنان هو أنه يتوجب عليه قراءة التحولات الكبيرة والتاريخية على مستوى المنطقة، لا سيما أن ما يجري فيها لم يحصل منذ عقود، وهي المرّة الأولى التي تكون فيها سوريا صاحبة وجهة مؤيدة للغرب بخلاف تاريخها، كما أنه لا يمكن للبنان أن يبقى في حالة تخلّف عن السير في هذه الوجهة وإلا سيبقى في حالة انعزال وستكون سوريا هي المستفيدة الأكبر وهي التي ستحصل على الامتيازات والاستثمارات، ليبدو ذلك وكأنه ضغط إضافي على لبنان لاستدراجه للالتحاق بركب المنطقة.